٤،١٢،٨٠ - إلى الشباب (خطبة)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،
فإن مرحلة الشباب أهم مرحلة في حياة الإنسان. ومرحلة الشباب هي مرحلة العطاء والعمل. والإنسان الذي لا يعطي في شبابه، قلما يعطي في بقية عمره. والشباب ثروة الأمة وعمادها . كان كثير من أصحاب رسول الله - شبابا قد ولاهم مسؤوليات كبيرة، فولى بعضهم قيادة الجيش مع وجود شيوخ المهاجرين والأنصار : فقد ولى زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن أبي رواحة قيادة الجيش في غزوة مؤتة، كما ولى أسامة بن زيد قيادة الجيش الإسلامي لغزو الروم، وعمره آنذاك ثماني عشرة سنة، وكذلك أرسل معاذ بن جبل قاضيا إلى اليمن، وهو في مرحلة الشباب.
والأمة اليوم تحتاج إلى الشات القوي الجاد، الذي يعطي ويبذل، ولا تحتاج إلى الشاب الكسول الذي يهتم بنفسه فقط ولا يقبل على العمل والعطاء.
إخواني قد يميل بعض الشباب إلى التساهل في أمور الدين، وقد يرتكب بعضهم بعض المخالفات والمنكرات، ويعلل لنفسه بأنه لا يزال شابا، ويرغب في الاستمتاع بملذات الحياة، فإذا كبر وشاخ عاد إلى الطاعات وترك المعاصي وهذا المسكين جانب الصواب من عدة وجوه :
أولا : أن الأعمار بيد الله وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت
ثانيا: أن الشاب غالبا ما يشيب على ما شب عليه، ومن هنا فهو لا يضمن إذا أمهله الموت أن يعود إلى الطاعة من جديد .
ثالثا: ليس صحيحا أن المتع والملذات تكمن في المعاصي لا في الطاعات، فإن المسلم الحق ليجد لدة في طاعته وعبادته لا يعدلها لذة، وكانت قرة عين الرسول - - في الصلاة كما قال: جعلت قرة عيني في الصلاة. وقال إبراهيم بن أدهم - رحمه الله - : (لو يعلم الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف).
رابعا: ثم هذا المتساهل في أمور الطاعات يراه غيره من أقرانه الشباب فيقتدون به : فيحمل وزره ووزرهم.
خامسا إن هذا المسكين يضيع فرصا من فرص الخير قد لا يتمكن في مستقبل عمره من فعلها والقيام بحقها ، لعجز بدني أو فكري أو مالي أو لفوات الفرصة . قال - - : (اغتنم خمسا قبل خمس : حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك. وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك، وهو يضيع أهم مرحلة من عمره، وهو مسؤول عنها ومحاسب عليها .
أخي الشاب احرص على انتقاء واختيار الأصحاب، فالصاحب ساحب، كما يقولون، نعم ساحب، فإن كان صالحا سحبك معه إلى الصلاح ودروب الخير، وإن كان فاسدا سحبك معه إلى الفساد ودروب الشر، وقد أشار المصطفى - إلى أهمية الجليس وأثره على صاحبه في قوله: (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة). أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين