ذاكرة لغة: كيف تم فك رموز لغة قدماء الفراعنة أو مصر (الهيروغليفية) + هل هي أبجدية أم كتابة تصويرية ؟
إخواني أخواتي السلام عليكم،
في الجزء الأول تعرفنا على بداية الكتابة وكيف تطورت من الشكل التصويري إلى المقطعي وتعرفنا عليهما بالتفصيل
مع الأمثلة من الحضارة السومرية أو بلاد مابين نهري دجلة و الفرات،
وفي هذا الفيديو سنتعرف إن شاء الله الرحمن الرحيم على لغة تواصل المصريين القدماء وكيف تم فك رموزها،
زائد هل هي كتابة أم أبجدية، لأن الجواب على هذا السؤال سيساعدنا في فهم ما معنى الأبجدية بشكل كبير.
إذن في 1798 وصل الجنرال "نابليون بونابرت" بجيشه لمصر الذي كان الغرض منه عسكريا بالأساس،
لكن مع ذلك أتى بفريق من علماء الآثار و الرسامين الذين وثقوا كل ما وجدوه من آثار الفراعنة،
وبعد مرور عام، لما كانوا يعملون على توسيع حصن عسكري في ميناء الرشيد وجد جندي إسمه "بيير فرانسوا بوشار"
حجر كبير عليه نقوش نادرة و غامضة وإحتفظوا به لكي يحاولوا فهم تلك النقوش،
لكن من خلال الهزيمة التي تلقوها الفرنسيين في سنة 1801 أمام البريطانيين صادروا الحجر الغامض
ونقلوه للمتحف البريطاني بلندن سنة 1802،
بعد أن بدأو اللغويين في تحليل محتوى الحجر تبين على أنه نص كتب بثلاثة لغات، العلوي بالهيروغليفية
والذي بالوسط بالهيراطيقية وهي لغة هيروغليفية أكثر إختزالا وسهولة و السفلي بالإغريقية أو اليونانية،
ومن المحاولات الأولى في فك رموز الحجر هي أن الإغريقية كانت معروفة عند اللغويين آنذاك
فقالوا مع أنفسهم سنعتمد عليها في شرح النص الهيروغليفي بكل بساطة، لكن المهمة لم تكن بهذه السهولة،
لأن يجب عليهم المطابقة فيما بين الكلمات الإغريقية و ترجمتها في الهيروغليفية
لكن لم تكن لديهم أية فكرة عن مرادفات الإغريقية من بين الرموز الهيروغليفية، زائد أنها لم تكن تشبه لأية أبجدية حديثة
لأن معظم الأبجديات تتكون من 30 رمز أما هي كان فيها 700،
بالتالي بعدما ظهر على أن الحجر كان سيكون هو الحل في تفكيك أولا نفسه وثانيا لغة قدماء مصر، زاد من حجم غموضها.
لذلك كان لابد من دخول عبقري آخر للسباق،
فبعد أن وصل الحجر للعالم البريطاني "توماس يونغ" فكر في الإعتماد على حيلة قديمة كانت تستخدم في حل الشيفرات،
وهي أن يبحث على دالة معينة وسط النص الهيروغليفي وبالإعتماد عليها سيتمكن من فهمه،
سيلاحظ أن بعض الكلمات مميزة بإطار، وإفترض أنها كانت لإسم شخص مهم مثل الملك مثلا،
وحين عاد للنص الإغريقي وجد على أن إسم الملك الموجود به هو "بطليموس"،
فكان لابد من ترجيح أن الكلمة المأطرة هي إسم "بطليموس"،
الكلمة كانت مكونة من ثمان حروف، فإفترض أنها تعود لأبجدية معينة،
ثم إنتقل إلى الخطوة التالية وهو أن يطبق ما توصل إليه على باقي الكلمات المأطرة،
لكنه توقف فجأة عن إستكمال المهمة، وإعتقد أن كلمة بطليموس كانت فقط إستثناءا لأنه كان إسما أجنبيا
ولفظ مقطعيا أو صوتيا ولم يعبر عنه بالرموز و الصور، والباقي يبقى فقط رموزا تصويرية،
أي أن الرمز الواحد يعني كلمة أو فكرة واحدة،
هذا هو التصور الذي وصل إليه وخرج من السباق، رغم ذلك يبقى هو صاحب الإنجاز الأول في محاولة تفكيك الهيروغليفية.
بعد ذلك سيتم إرسال أبحاثه لباريس كي يعاد تقييمها،
ومن بين اللغويين الذين توصلوا بهذه الأبحاث هو اللغوي العبقري "جون فرانسوا شامبليون"،
حقا كان عبقريا لأنه وهو في العاشرة من عمره فقط تعرف على بعض الآثار المصرية
التي جاء بها "جون بابتيست فورييه" وهو الذي كان مسؤولا عن حملة نابليون العسكرية على مصر،
وبدأ يتساءل على معنى الرموز المنقوشة على تلك الآثار،
حيث أنه شرح له فورييه بأنه لم يستطع أي أحد من قبل أن يتوصل لمعانيها، وقال مع نفسه سأفككها طال الزمان أو قصر،
لدرجة أنه تعلم إثنتا عشرة لغة كي يجاري بها الهيروغليفية، مثل "الهيراطيقية" و "الديموطيقية" و "القبطية"
وهي أصلا لغات متجزءة عليها، والفكرة التي بدأ بها هي أنها ليست أبجدية،
لكن بعد أن توصل بأبحاث "يونغ" حول كلمة بطليموس المأطرة، غير رأيه وقرر تبني فكرة أبجدية الكتابة الهيروغليفية،
وبدأ من المرحلة التي توقف عندها "يونغ"، وهي تطبيق ما توصل إليه على باقي الكلمات المأطرة في النص الهيروغليفي،
ومن بين الكلمات هذه المرة هي إسم "كليوباترا"، فحاول تفكيكها بالإعتماد على ترجمة كلمة بطليموس والمقارنة بينهم،
فظهر له بأن حتى "كليوباترا" كانت مقطعية لكن مع ذلك تبقى أجنبية،
وبقت الفكرة السائدة تدور حول أن الكلمات الأخرى الهيروغليفية هي كلمات تصويرية وليست أبجدية.
مع ذلك بقي متمسكا بالتحدي الذي وضعه من الأساسيات في حياته، وتابع البحث
إلى أن توصل من نسخة لهذه الكلمة المأطرة من معبد ما في 1822،
أول شيء كان يعرف بأن هذا الحرف هو حرف "س" من الكلمة السابقة "بطليموس"
لكن لم يعرف معنى الحرفين السابقين من حرفي السين،
فحاول الإعتماد على اللغة "القبطية" التي كان يتكلم بها بطلاقة وعلى دراية مسبقة بها،
فكان يعرف بأن الحرف الأول يرمز لآلهة الشمس عند الفراعنة، ومرادف الشمس بالقبطية هي "ري"
بالتالي أصبحت الكلمة "ري" ويتبعها حرفين مجهولين ثم "سيس"،
وهنا تساءل مع نفسه وقال لربما هذه الكلمة تمثل إسم الفرعون العظيم "رعمسيس"
بما أن رعمسيس كلمة مصرية متأصلة في الحضارة الفرعونية القديمة و ليست أجنبية مثل بطليموس أو كليوباترا،
إذن بما أن المصريين إستعملوا الهيروغليفية كي يلفظوا الأسماء المصرية القديمة
فلابد أنهم إستعملوها كذلك كي ينطقوا كل الكلمات المصرية الأخرى.
وهذا كان هو الإستنتاج الذي بالإعتماد عليه إستطاع المرور للخطوة الثانية،
وكلمة ستشرح كلمة والسلسلة طويلة حتى يمر عليها بكاملها سواء على الجزء الموجود بالحجر وحتى على باقي الآثار الأخرى،
وهكذا إستطاع فك اللغة التي لطالما كانت عصية على كل من حاول حل ألغازها،
إذن فهي كانت بالأول كتابة تصويرية وتطورت كي تصبح أبجدية،
والأبجدية هي نظام مكون من أحرف ترميزية كل واحد فيها يمثل مقطعا صوتيا في كل لغة من لغات العالم الموجودة حاليا،
هذه الرموز الصوتية نجمع بينها، كي نعبر على أسماء البشر، الأفعال، الأشكال، الأحاسيس، الخضر،
الفواكه، النباتات، الحيوانات، المدن، الألوان، الحبوب، الأمراض، وما إلى ذلك من العناصر اللغوية،
وبناءا على هذه الكلمات يمكن لنا تكوين جمل وعبارات معينة، أما السبب وراء أن حروفها يناهز 700
فهو أن جزء كبير منها يمثل تركيبة من الحروف والكلمات و المقاطع الصوتية و الأفكار والرموز.
أما مضمون الحجر الغامض فهو عبارة على مرسوم ملكي تم إصداره بمدينة منف المصرية سنة 196 ق.م،
كرسالة شكر للملك بطليموس الخامس لأنه رفع الضرائب عليهم،
وكان "شامبليون" واحدا من الذين وضعوا لبنات أساس "علم المصريات العظيم"
ودون كل ماتوصل إليه وكل ماهو متعلق بتاريخ مصر القديم وقدموا للأجيال القادمة، بفضل براعته اللغوية و ثقافته الواسعة،
و كذلك فاز بالتحدي الذي أخذه على عاتقه، و في يوليوز 1828 زار شامبليون مصر للمرة الأولى و الأخيرة في حياته،
ومن خلال تمكنه من الهيروغليفية زاد في تعميق القراءة في تاريخ مصر، وإنبهر من الذي تعرف عليه،
الذي إستعصى على باقي العلماء و المؤرخين و الباحثين لقرون وقرون،
ومن بين الأشياء التي إنبهر بها أكتر هو هذا المعبد المسمى معبد "كارنك"،
وهو فالأصل الذي تمكن من أن يوثق بأنه أخذ 1000 عام من البناء،
وحينما رأى الفرنسي العمران العظيم ودقة وأناقة وهندسة الفراعنة العظيمة، وصفه عن طريق مقارنته بنظيره في أوروبا
وقال "نحن الأوروبيين أشبه بجزيرة شعب الأقزام" لأن في نظره لم يستطع أي أحد من قبل
الوصول لمثل العمران العظيم و الضخم و الراقي التي بلغته مصر قديما وأطلاله الحالية تشهد عليه،
هذا كان تقريبا ملخص حياة العبقري "شامبليون"، وفي 4 مارس 1832 وعن عمر يناهز 41 عام
تعرض لأزمة قلبية ومات، وكان موته وهو فسن صغيرة، مثلما أن الرسالة التي أتى بها إلى هذه الحياة إنتهت،
بعد ماكان له الجزء الكبير في التعرف على تاريخ وتطوير الكتابة و الأبجدية في بقعة من بقاع الأرض ألا وهي مصر أو "أم الدنيا".
إضافة للهيروغليفية كانت هناك لغة أخرى في مدينة أوغاريت قديما وهي اليوم الحدود بين سوريا وتركيا،
حتى هي كان لها جزئها في تطوير الكتابة من الشكل التصويري القديم إلى الأبجدية الحديثة،
على سبيل المثال هذا اللوح الطيني المكتوب بالمسمارية و الأوغاريتية ولغات أخرى،
المتكون من 22 حرفا منظمين ومرتبين على شاكلة الحروف الأبجدية،
أهميته تظهر في إكتشاف ترتيب معين للحروف للمرة الأولى.
لكن في عام 1200 ق.م، سقطت المدينة بسبب الزلزال، وذهبت وأخذت معها أسرار أبجدية أوغاريت،
من أوغاريت نمر لمدينة أخرى إسمها جبيل قديما كانت في لبنان الحالية
في 1922 وجد بها قبر تبين على أنه قبر الملك "أحيرام"، الموجود بالمتحف الوطني بالعاصمة بيروت،
محفور عليه نقوش معينة، من خلال تعميق البحث تبين أنها كانت قسم من نظام أبجدي
وكانت هذه التحفة هي النموذج الأول الذي يبين تشابها كبيرا مع الأبجديات الحديثة.
فكيف إنتشرت الأبجدية بباقي بقاع الأرض؟؟
يقول أب التاريخ "هيرودوت" أن "قدموس" وهو أمير ومحارب فينيقي، جاء بها لليونان عن طريق البحر.
إذن كان للبحارة الفينيقيين دور كبير في إنتشار الأبجدية بشكل واسع من الأرض، لأن فينيقيا من القرن 15 ق.م،
وعلى مدة تجاوزات 2000 عام كانت مسيطرة على مساحة كبيرة من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الأطلسي،
لذلك ساعدت سفنهم في إنتشار الأبجدية الفينيفية في باقي أنحاء العالم وتطورت لكي تصبح الأبجدية اليونانية
ثم الرومانية وأصبحت مصدر كل الأبجديات في أوروبا الغربية
و في الشرق تحولت للأبجدية الأرامية و الهندية و الفارسية و العربية و العبرية.
إخواني أخواتي سامحوني إن أطلت عليكم، لأنه كان لابد من القيام بهذين الفيديوهين كي نتعرف على تاريخ الكتابة
و نفهمها جيدا حيث أنه حين نمر إن شاء الله لكتابة و لغة سكان شمال إفريقيا الأقدمون أو الامازيغ الأوائل
لن نتخبط فيما هي الكتابة التصويرية، ما هي الكتابة المقطعية، ماهي الأبجدية،
فإنتظروا الفيديو الخاص بالكتابة الأمازيغية و الحرف الأمازيغي "التفيناغ"،
هذا كل ما لدي أتمنى أن أكون وصلت لكم الفكرة بكل وضوح، وإذا كان لديكم أي زيادة ولا نقصان أتركوه لنا بالتعليقات،
وأعطونا لايك إذا أعجبكم وإشتركوا بالقناة وفعلوا جرس الإشعارات كي تصلكم الفيديوهات مباشرة بعدما أنزلها
وشاركوها مع أصدقائكم وأفراد عائلتكم في المجموعات و الصفحات بالفيسبوك
و الواتساب و الأنستغرام إذا تستحق، وشكرا على المشاهدة تحياتي، إلى اللقاء.
يالا يا أكشن
الهدوووووووووووووووووووووووووء