×

We use cookies to help make LingQ better. By visiting the site, you agree to our cookie policy.


image

نصوص متنوعة - semestre4, NB401A-vIII : أنا والفأر - أميمة عزّ الدين

NB401A-vIII : أنا والفأر - أميمة عزّ الدين

أنا والفأر

توصّلتُ أخيرًا إلى أنّ سببَ ما أعانيه من أزمات يعودُ إلى عدم المواجهة؛ فأنا أحتاجُ إلى شجاعةٍ حقيقيّةٍ كي أواجهَ خوفي من فأرٍ تسلّلَ إلى مطبخي الصغير، بل بنى بيتًا وجلبَ عائلته إليه أيضًا.

السكونُ يخيّمُ على المكان وأنا أطبخ. لكنْ حين يجنّ الليلُ، أشعرُ به، وبأفرادِ عائلته، يمرحون في مطبخي، ويعبثون بكتبي في غرفة الجلوس، وبأوراقي التي أعكفُ عليها ليلَ نهار لإعطائها الناشرَ من أجل الحصول على ما أسدِّد به ديوني المتراكمة.

أخشى أن تمتدَّ سطوتُه إلى حجرة نومي التي أُغلقها على نفسي بإحكام. يتناهى إلى مسمعي صوتٌ مبهم، فأنتفضُ فى مكاني، أتربّصُ به، وفي يدي عصًا غليظة، سأهوي بها عليه، وعلى رأسه بالذات، لأُخرجَ الأفكارَ الشريرة من دماغه عن بني البشر.

يُهيّأ إليّ أنّني رأيتُه يدخلُ بين الدولاب والسرير. أتذكّرُ زوجي الذي يوبّخني كلّما نهضتُ لإعداد القهوة بعد منتصف الليل، أو لترجمة كتابٍ ما. لا أردُّ عليه، وأكتفي بابتلاع غضبي وكتمِ دموعي.

ــــ ربّما حان الوقتُ لتنالي قسطًا من الراحة، عزيزتي.

ــــ لست في حاجةٍ إلى الراحة ، بل إلى هواءٍ نقيّ.

يتصاعد الصوتُ الذي يبدو أشبهَ بمنشارٍ يجزُّ الخشبَ بهدوء. أتخيّلُ الفأر وهو يقضم الخشبَ وكأنّه يمهّد للقضاء عليَّ، مثلما فعلَ زوجي بي وهو يجمعُ أوراقي ويُشعل فيها النارَ وينصحني بمراجعة طبيبٍ نفسيٍّ "لتوهّمي أنّني كاتبة ومترجمة مشهورة."

تلاقت أعيننا للحظة. أحسستُ بعظمة التحدّي الذي يكنُّه لي. تجاهلني وانطلقَ يعدو تحت السرير ما إنْ فتحتُ باب غرفتي. لقد احتلَّ حجرةَ نومي، وقبلها احتلّ مطبخي. أشاهدُ صغارَه الجرابيع وهم يحملون ما لذَّ لهم من الجبن الروميّ القديم الذي أضعه على رفٍّ علويٍّ في المطبخ. لم يعد بإمكاني الاستمتاعُ بأيّ طعامٍ، وأشعرُ برائحة الفأر وصغاره في كلِّ مكان.

كلّما شكوتُ لزوجي الأمرَ سخر منّي واعتبر ذلك هلاوسَ سمعيّةً وبصريّة.

ذات ليلة، وجدتُ الفأر يقف بقائمتيه الخلفيتيّن على جسدي، يركلني بقوّة. ثمَّ أمر صغارَه بشدّ وثاقي وإلقائي من النافذة إنْ لم أرحلْ وأتركْ لهم البيت. قال منتشيًا وبصوت هادئ:

"لقد حسمتُ المعركة لصالحي. لن يصدّقكِ زوجُك. لا أحد يصدّق امرأةً مخبولةً تعشق القهوةَ بعد منتصف الليل، وتمارس الحياةَ على الورق. أنتِ مجنونة بشهادةٍ رسميّةٍ موثّقة من مستشفى الأمراض العقليّة."

كنتُ أصرخُ على زوجي الذي يضعُ السمّاعات على أذنيه وينصتُ إلى موسيقاه المفضّلة. ألوّحُ لهُ من وراء الزجاج، لكنّه لا يراني؛ فهو مشغولٌ بتتبّع النسوة الجميلات المثيرات.

الفأرُ يركلني فى بطني، وأولادُه يجذبون شعري، وأحدُهم يحاول فقءَ عيني وقضْمَ أذني اليمنى. الحبالُ تلتفُّ حولَ جسدي في لحظات، والدمُ ينزفُ من جسدي، والبقعُ الحمراء تلوّثُ السرير. لا أقوى على الصراخ، لكنني تمكّنتُ من رفع يدي إشارةً إلى الهزيمة.

جلسَ قبالتي على الكرسيّ: مجرّدَ فأرٍ ضئيلِ الحجم، يغلب عليه اللونُ الرماديّ. ساومني على المطبخ وحجرة النوم والصالة والشرفة، ثمّ تركَ حجرةً صغيرةً لي ولزوجي، الذى بدا لي بالونًا منتفخًا لا قيمة له. كان عليَّ التوقيع على تلك المعاهدة التى كتبها الفأرُ بنفسه، وكانَ التوقيعُ بصمةَ دمٍ حتّى لا يقع ضحيّة غشّي له كما يعتقد.

لا أعرف كيف أخبره أنّه مجرّد فأر، يسكن دماغي فقط، وأنّني فى طريقي إلى التخلّص منه ومن رائحته الكريهة.


NB401A-vIII : أنا والفأر - أميمة عزّ الدين

أنا والفأر me and the mouse

توصّلتُ أخيرًا إلى أنّ سببَ ما أعانيه من أزمات يعودُ إلى عدم المواجهة؛ فأنا أحتاجُ إلى شجاعةٍ حقيقيّةٍ كي أواجهَ خوفي من فأرٍ تسلّلَ إلى مطبخي الصغير، بل بنى بيتًا وجلبَ عائلته إليه أيضًا. I finally came to the conclusion that the reason for the crises I suffer is due to the lack of confrontation; I need real courage to face my fear of a mouse that has crept into my little kitchen and even built a house and brought his family there.

السكونُ يخيّمُ على المكان وأنا أطبخ. Silence fell on the place while I was cooking. لكنْ حين يجنّ  الليلُ، أشعرُ به، وبأفرادِ عائلته، يمرحون في مطبخي، ويعبثون بكتبي في غرفة الجلوس، وبأوراقي  التي أعكفُ عليها ليلَ نهار لإعطائها الناشرَ من أجل الحصول على ما أسدِّد به ديوني المتراكمة. But when the night falls, I feel him, and his family, frolicking in my kitchen, messing with my books in the living room, and my papers that I work on day and night to give to the publisher in order to get what I pay off my accumulated debts.

أخشى أن تمتدَّ سطوتُه إلى حجرة نومي التي أُغلقها على نفسي بإحكام. I fear that his sway will extend to my bedroom, which I have locked tightly against myself. يتناهى إلى مسمعي صوتٌ مبهم، فأنتفضُ فى مكاني، أتربّصُ به، وفي يدي عصًا غليظة، سأهوي  بها عليه، وعلى رأسه بالذات، لأُخرجَ الأفكارَ الشريرة من دماغه عن بني البشر. I hear a vague voice, and I rise to my place, waiting for it, with a large stick in my hand, with which I will fall on him, and on his head in particular, to expel evil thoughts from his brain about human beings.

يُهيّأ إليّ أنّني رأيتُه يدخلُ بين الدولاب والسرير. It seems to me that I saw him enter between the cupboard and the bed. أتذكّرُ زوجي الذي يوبّخني كلّما نهضتُ لإعداد القهوة بعد منتصف الليل، أو لترجمة كتابٍ ما. I remember my husband scolding me every time I got up to make coffee after midnight, or translate a book. لا أردُّ عليه، وأكتفي بابتلاع غضبي وكتمِ دموعي. I don't respond to him, I just swallow my anger and muffle my tears.

ــــ ربّما حان الوقتُ لتنالي قسطًا من الراحة، عزيزتي. Maybe it's time for you to get some rest, my dear.

ــــ  لست في حاجةٍ إلى الراحة ، بل إلى هواءٍ نقيّ.

يتصاعد الصوتُ الذي يبدو أشبهَ بمنشارٍ يجزُّ الخشبَ بهدوء. The sound of a saw quietly mowing wood rose. أتخيّلُ الفأر وهو يقضم الخشبَ وكأنّه يمهّد للقضاء عليَّ، مثلما فعلَ زوجي بي وهو يجمعُ أوراقي ويُشعل فيها النارَ وينصحني بمراجعة طبيبٍ نفسيٍّ "لتوهّمي أنّني كاتبة ومترجمة مشهورة." I imagine the mouse nibbling on wood as if it was paving the way to kill me, as my husband did to me, collecting my papers and setting them on fire and advising me to see a psychiatrist “to give the illusion that I am a famous writer and translator.”

تلاقت أعيننا للحظة. Our eyes met for a moment. أحسستُ بعظمة التحدّي الذي يكنُّه لي. I sensed the greatness of the challenge he posed to me. تجاهلني وانطلقَ يعدو تحت السرير ما إنْ فتحتُ باب غرفتي. He ignored me and jogged under the bed as soon as I opened the door to my room. لقد احتلَّ حجرةَ نومي، وقبلها احتلّ مطبخي. He occupied my bedroom, and before that he occupied my kitchen. أشاهدُ صغارَه الجرابيع وهم يحملون ما لذَّ لهم من الجبن الروميّ القديم الذي أضعه على رفٍّ علويٍّ في المطبخ. I watch his baby jerboas carrying their delicious old Rumi cheese which I lay on the top shelf in the kitchen. لم يعد بإمكاني الاستمتاعُ بأيّ طعامٍ، وأشعرُ برائحة الفأر وصغاره في كلِّ مكان. I can no longer enjoy any food, and I can feel the smell of mice and their babies everywhere.

كلّما شكوتُ لزوجي الأمرَ سخر منّي واعتبر ذلك هلاوسَ سمعيّةً وبصريّة. Every time I complain to my husband, he makes fun of me and considers it an auditory and visual hallucination.

ذات ليلة، وجدتُ الفأر يقف بقائمتيه الخلفيتيّن على جسدي، يركلني بقوّة. One night, I found the mouse standing with its hind legs on my body, kicking me hard. ثمَّ أمر صغارَه بشدّ وثاقي وإلقائي من النافذة إنْ لم أرحلْ وأتركْ لهم البيت. Then he commanded his children to tie me up and throw me out the window if I did not leave and leave them the house. قال منتشيًا وبصوت هادئ: He said ecstatically, in a calm voice:

"لقد حسمتُ المعركة لصالحي. “The battle has been decided in my favour. لن يصدّقكِ زوجُك. Your husband will not believe you. لا أحد يصدّق امرأةً مخبولةً تعشق القهوةَ بعد منتصف الليل، وتمارس الحياةَ على الورق. No one would believe a crazed woman who loves coffee after midnight and lives on paper. أنتِ مجنونة بشهادةٍ رسميّةٍ موثّقة من مستشفى الأمراض العقليّة." You're crazy with an official affidavit from a mental hospital."

كنتُ أصرخُ على زوجي الذي يضعُ السمّاعات على أذنيه وينصتُ إلى موسيقاه المفضّلة. I was yelling at my husband, who puts headphones on and listens to his favorite music. ألوّحُ لهُ من وراء الزجاج، لكنّه لا يراني؛ فهو مشغولٌ بتتبّع النسوة الجميلات المثيرات. I wave to him from behind the glass, but he does not see me; He is busy keeping track of sexy, beautiful women.

الفأرُ يركلني فى بطني، وأولادُه يجذبون شعري، وأحدُهم يحاول فقءَ عيني وقضْمَ أذني اليمنى. The mouse is kicking me in the stomach, and his children pulling at my hair, and someone is trying to gouge out my eyes and bite off my right ear. الحبالُ تلتفُّ حولَ جسدي في لحظات، والدمُ ينزفُ من جسدي، والبقعُ الحمراء تلوّثُ السرير. The ropes wrap around my body in moments, blood oozes from my body, and red spots stain the bed. لا أقوى على الصراخ، لكنني تمكّنتُ من رفع يدي إشارةً إلى الهزيمة. I can't stand to scream, but I managed to raise my hand in sign of defeat.

جلسَ قبالتي على الكرسيّ: مجرّدَ فأرٍ ضئيلِ الحجم، يغلب عليه اللونُ الرماديّ. He sat across from me on the chair: just a tiny mouse, predominantly gray. ساومني على المطبخ وحجرة النوم والصالة والشرفة، ثمّ تركَ حجرةً صغيرةً لي ولزوجي، الذى بدا لي بالونًا منتفخًا لا قيمة له. He bargained with me over the kitchen, the bedroom, the hall, and the balcony, then left a small room for me and my husband, who seemed to me a worthless balloon. كان عليَّ التوقيع على تلك المعاهدة التى كتبها الفأرُ بنفسه، وكانَ التوقيعُ بصمةَ دمٍ حتّى لا يقع ضحيّة غشّي له كما يعتقد. I had to sign that treaty written by the mouse himself, and the signature was a blood imprint so that he would not fall victim to cheating, as he thinks.

لا أعرف كيف أخبره أنّه مجرّد فأر، يسكن دماغي فقط، وأنّني فى طريقي إلى التخلّص منه ومن رائحته الكريهة. I don't know how to tell him it's just a mouse, in my brain only, and that I'm on my way to getting rid of him and his bad smell.