×

We use cookies to help make LingQ better. By visiting the site, you agree to our cookie policy.


image

مقابلة مع الفيزيائي شون كارول – عربي Sean Carroll interview, مقابلة مع الفيزيائي شون كارول – عربي (2)

مقابلة مع الفيزيائي شون كارول – عربي (2)

محمد: حسنا، لننتقل لمؤشر الوقت، ما هو مؤشر الوقت؟ وكيف نفهمه في الفيزياء؟

شون: سهم الوقت من الناحية المبدئية هو حقيقة أن الماضي والمستقبل مختلفان، وهذه هي حقيقة بسيطة إلى درجة أننا نعتقد أنها لا تحتاج لتفسير، لقد حدث الماضي، وهو يبدو وكأنه شيء مختلف عن المستقبل الذي لم يحدث بعد، مرة أخرى، بعد أن نتعلم كيف يعمل الكون ونفهم قوانين الفيزياء بشكل أفضل بقليل، هذه القوانين الفيزيائية لا تعامل الماضي والمستقبل باختلاف، لا تختار وضعا خاصا لما نسميه بـ”الآن”، إنها تعامل الماضي والحاضر والمستقبل – كل لحظات الزمن – بنفس الدرجة، وهذا قاد الفيزيائيون والفلاسفة لتكوين نظرة للواقع يطلق عليها اصطلاح “كون البلوك” حيث يكون للماضي والحاضر والمستقبل عناصر متساوية من الواقع، ثم سنحتاج أن نفسر لماذا يبدو الماضي والمستقبل مختلفان، لماذا يبدو أننا نتحرك من الماضي إلى المستقبل، وهذا هو سؤال مؤشر الوقت.

ونحن نفهم الإجابة، والإجابة موجودة في القانون الثاني للديناميكية الحرارية، مبدأ أن الإنتروبيا تزداد كلما تطور الكون، الإنتروبيا هي قياس الفوضى أو العشوائية في الكون، حينما بدأ الكون عند الانفجار العظيم حوالي 14 مليار سنة في الماضي، كان منتظما جدا وغير عشوائي، ومنذ أن تطور إلى الآن تزداد العشوائية فيه، وهذه هي أصول كل الطرق التي تجعل الماضي والمستقبل يبدوان مختلفان بالنسبة لنا.

محمد: حينما تقول كان هناك نظاما قبل 14 مليار سنة في الماضي، ثم تقول أن الفوضى ازدادت اليوم، أنت تضع الزمن في الشيء الذي تتحدث عنه، ويبدو وكأنه تعريف دائري، أليس كذلك؟

شون: حسنا، هناك الوقت، وهناك مؤشر الوقت، وهذان شيئان مختلفان، فهناك المكان، لدينا ثلاثة أبعاد للمكان، أعلى وأسفل، ويمين ويسار، وأمام وخلف، وهو يعمل بشكل جيد، إنه مفهوم جيد، ولكن ليس هناك مؤشر للمكان، ليس هناك اتجاه مفضل في المكان، حتى لو يكن هناك وجهة للوقت، سيكون هناك الوقت، لو كان لديك بندولا يتأرجح ذهابا وإيابا، فهو لا يظهر مؤشرا للوقت، ولكن الوقت يمر، حينما نقول أن الكون بدأ بحالة معنية، وتطور إلى حالة أخرى، ثم تطور إلى حالة أخرى أيضا، نستطيع إعادة صياغة ذلك كله من غير الرجوع للماضي والحاضر والمستقبل، كان هناك وقتا حينما كان الكون في حالة من النظام الانفجارية كوينة، كان هناك وقتا آخر حينما كان الكون يحتوي على المجرات والنجوم والكواكب، وهناك وقت أخر حينما كان الكون فارغا ولا يحتوي على سوى الطاقة الداكنة تملأه وتعجله، وكل هذه اللحظات المختلفة من الكون كانت منسقة بنظام، ونستطيع أن نسمي إحدى الوجهات “الماضي”، والاتجاه الآخر “المستقبل”.

محمد: لقد ذكرت الإنتروبيا، هل تستطيع أن تشرح الإنتروبيا، لأنني أعددت حلقة بودكاست قديمة عنه، وقد احتار العديد من الناس عن ماهيته.

شون: من الطبيعي أن تكون هناك حيرة، لأن هناك عدة طرق للتفكير بالإنتروبيا، وهناك عدة طرق يعرفه بها الفيزيائيون، ولكنها ببساطة كمية الفوضى أو كمية العشوائية، فحينما تكون لديك بيضة غير مكسورة، إنها تحتوي على انتروبيا منخفضة، هي منتظمة، فهناك الصفار والبياض والقشرة، وإن كسرتها وانتشرت حول الغرفة أو المطبخ فسترتفع الإنتروبيا، وإذا خلطت الكريمة مع القهوة، فستبدأ بإنتروبيا منخفضة ثم ترتفع، إذا فتحت قنية عطر لينتقل العطر من النظام بداخل القنينة لينتشر حول الغرفة سترتفع الإنتروبيا لأنها تركيبة فوضوية، وهذا ما يحدث بشكل طبيعي مع مرور الوقت. الأشياء تنتقل من النظام إلى الفوضى.

اللغز الحقيقي هو لماذا كان الكون منتظما ابتداء؟

محمد: ولماذا يصبح أكثر فوضوية؟

شون: لقد اكتشف هذا الشيء الفيزياء النمساوي ليوفيغ بولتزمان في القرن الثامن عشر، فلأن هناك طرقا أكثر لتكون غير منتظم من أن تكون منتظما، فإذا كنت تفكر في خلط ورق اللعب، إذا كانت الأوراق كلها منتظمة من الآس الإثنين الثلاث الأربع إلى جاك والملكة والملك فليس هناك طرق كثيرة لتكون بهذا النظام، ولكن لو خلطتها ستكون هناك الكثير من التنظيمات التي تحسب على أنها خلطة، هناك تركبيات أكثر أنتروبية تكون فيها الأوراق متوزعة عشوائيا، لذلك إن بدأت منتظمة وتركت لشأنها فمن الطبيعي أن تتجه للفوضى.

محمد: لقد قرأت الجزء من كتابك الذي يتحدث عن التحول من الحالة الأكثر تنظيما إلى الأكثر فوضوية، في الوسط تحدث تجتمع الأشياء لتكون أكوان كما يحدث معنا الآن حيث نحن في نقطة مرتفعة، هل من الممكن أن تتحدث عن ذلك لو سمحت؟

شون: نعم، من الطبيعي أن نتساءل: لماذا – حينما يصبح الكون أكثر فوضوية بمرور الوقت – تتكون هياكل معقدة كالنجوم أو الكواكب أو المجرات، أو أشياء حية مثل الإنسان وأنا وأنت والنباتات والحيوانات على الأرض، إن الفرق بين البساطة والتعقيد هو سؤال مختلف عن الفرق بين النظام والفوضى.

حينما يكون الكون أو أي نظام منتظما جدا، سيكون بسيطا، حينما بدأ الكون عند الانفجار العظيم كان مكانا بسيطا جدا، كل شيء كان منتشرا بنعومة، وفي المستقبل البعيد جدا جدا عندما تموت جميع النجوم وتتبخر جميع الثقوب السوداء، ولا يبقى سوى المكان الفارغ، سيكون بسيطا مرة أخرى، البداية كانت بأنتروبيا منخفضة، والمستقبل سيكون بأنتروبيا عالية جدا، حتى وإن كان كلاهما بسيطا، إنه الآن، وفي الوسط، حيث أن الكون متوسطا في الإنتروبيا منتقالا من الإنتروبيا المنخفضة إلى العالية، الآن سيصبح الكون معقدا.

إذن التعقيد ليس مضادا للفوضى، التعقيد ينشأ لأن الكون في وجهة من التنظيم إلى الفوضى، إذا كنت تتكلم عن الكون مبتدأ من إنتروبيا منخفضة، ويتطور إلى انتروبيا متوسطة ومعقدة، ثم يتطور أكثر إلى إنتروبيا أعلى وبساطة مرة أخرى، مثال بسيط على ذلك هو الكريمة والقهوة، تخيل أن لديك كوبا من القهوة، وكريمة في الأعلى، وهي ليست مخلوطة بعد، هذه إنتروبيا منخفضة، إنها منتظمة برقة بوجود الكريمة في الأعلى والقهوة في الأسفل، وكذلك فإنها بسيطة، إذا خلطتها باستخدام ملعقة، فستوف تختلط كلها مع بعض، ستكون غير منتظمة وبإنتروبيا عالية، ولكنها أيضا بسيطة مرة أخرى، إنه في الوسط، حينما تخلط بالملعقة وتتكون الامتدادات اللولبية من الكريمة، لتحدث أنماطا فركتالية أثناء اندماجها مع القهوة، عندئذ تكون معقدة، التعقيد يتكون في الوجود طبيعيا على الطريق من البساطة والنظام إلى البساطة والفوضى.

محمد: إذن، حاليا الكون في حالة من التعقيد في هذا الوقت.

شون: صحيح، هذا شيء لا ندعي فهمه من الناحية حسابية، وإن يود العلماء ذلك، ليس لدينا معادلات جيدة للتعقيد، وكيف يأتي ويذهب، ولكن الصور النوعية تبدو أنها تتماسك، ونحن نحاول فهمها بعمق أكثر فأكثر.

محمد: لنتوجه إلى النظرية الجوهرية، برأيي، إنها تعد واحدة من أقوى الأفكار التي ذكرتها، إنها نظرية الحقل الكمومي، وكنت مستغربا أنك أعطيتها كل هذا الدعم والإيمان القوي على أنها المرجع الصحيح، وعلى أنها كاملة في وصفها حياتنا اليومية، ولا يوجد أي شيء أخر لدعم صحتها، أحتاج إلى توضيح لذلك.

شون: بالضبط، يجب أن تطلب… يجب أن تكون شاكا في الأمور المبالغ بها، ولكن، بالتحديد فإن هذا الفارق يبدو أنه بسيطا، ولكن سيجد الناس صعوبة في فهم الفرق ما بين “فهم كل شيء” و”فهم الجزء الفرعي الصغير الذي يكون كل حياتنا اليومية”، وأقصد في “حياتنا اليوم” أنا وأنت الغرف التي نحن فيها، والأشياء التي نستطيع أن نلمسها بأيدينا ونراها بأعيننا الآن وهنا، هذه الأشياء مكونة من مجموعة من الجسيمات، الإلكترونات والكوركات والفوتونات والنيوترونات.. إلى أخره، ونعلم ما هي هذه الجسميات وكيف تتفاعل، وهذا هو أمر تسطيع ادعاءه، وتستطيع أن تعطي أسبابا لصحته، وليس لمجرد أنها نظرية جيدة، وأننا لم نجد أمثلة مضادة لها بعد، إننا نعتقد لو كانت هناك أي انحرافات عن النظرية فنحن على ثقة أننا كنا قد اكتشفناها، وهذا لأنه هناك تفاصيل محددة في ميكانيكا الكم ونظرية الحقل مكنتنا من إنتاج جسميات وقوى جديدة إن وجدت، إذا كانت موجودة وهي قوية بما فيه الكفاية لتؤثر على حياتنا اليومية بأي طريقة سيكون بإمكاننا أن ننتجها في المختبر، وقد جربنا ذلك ولكننا لم نستطع، إنها ليست موجودة.

إذن، نحن لسنا قريبون بتاتا من أن ندعي أننا نفهم كل شيء أو حتى أعمق مستويات الحقيقة في الغرفة التي نحن فيها، فنحن لا نعلم إن كان الزمكان هو شيء أولي على سبيل المثال، ولكن حتى لو اكتشفنا يوما ما أن الزمكان ليس أوليا، ستبقى الحقيقة أن هناك طبقة من الواقع المنبثق والتي تشمل الزمكان والإلكترونات والبروتونات… إلى أخره، على أنها جزء من وصفها، وهذا الوصف سيكون صحيحا حينما نطبقه على هذه الطبقة من الواقع.

محمد: ماذا عن المادة المظلمة، هل يحتمل أن تكون المادة الداكنة جسيم يضاف إلى تلك الجسيمات؟

شون: بالتأكيد، المادة الداكنة قد تكون جسيما يضاف إلى تلك الجسيمات، والمادة الداكنة لا تؤثر على حياتك اليومية، لو أنها تؤثر لاكتشفناها قديما، وسيكون ذلك عظيما، ولكننا جربنا وفشلنا.

محمد: حسنا، ما هو العبور المتناظر Crossing Symmetry؟

شون: العبور المتناظر هو إحدى خصائص نظرية الحقل الكمومي، والذي يسمح لنا بالقول بكل ثقة أنه لا توجد جسيمات لم نكونها، ولم نكتشفها بعد، ومع ذلك تعلب دورا هاما في حياتنا، يمكنك أن تتصور طرقا مختلفة لتفاعل الجسيمات مع بعضها، على سبيل المثال لديك نوعان من الجسيمات – لنقل – الإلكترون والبروتون، يمكنهما أن يتبعثران من بعضهما، ويمكن أن يرتدان عن بعضهما، إذن في الماضي كان هناك إلكترون وبروتون، وفي المستقبل هناك إلكترون وبروتون، وكلاهما يرتدان عن بعضهما، والعبور المتناظر يقول لو أن هذا الشيء حدث، فإن هناك شيء آخر بإمكانه الحدوث حيث تغير الجسميات التي كانت في الماضي والتي في المستقبل مع بعض، إذن، بدلا من إلكترون واحد وبروتون واحد يدخلان وإلكترون واحد وبروتون واحد يخرجان، يمكنك الحصول على إلكترون واحد وإلكترون مضاد يدخلان، وبروتون ومضاد البروتون يخرجان، والعبور المتناظر يربط أرجحية إحدى هذه العمليات بدلا من الأخرى، لذلك، لو كان هناك جسيم موجود وكان يصطدم بنا بقوة كافية ليؤثر، فنحن نعلم أن بإمكاننا انتاجه، هذه خاصية أولية لكيفية عمل نظرية الحقل الكمومي.

محمد: ماذا لو قلنا المادة الداكنة لها تأثير، ولكن ليس بذلك التأثير الذي نفهمه في الفيزياء الجسيمية، إنها مؤثرة، هناك شيء يجعل حياتنا تتغير بطريقة ما، ربما بطريقة صغيرة جدا، ولكنها ليست من ضمن هذه النظرية.

شون: نعم، مرة أخرى، كل شيء جائز، لذلك يجب عليك كبيزي جيد تدع احتمالا بسيطا ليكون مثل هذا الشيء صحيح، ولكن – كما بينت في الكتاب – أن الخصائص الأولية لنظرية الحقل الكمومية لا تسمح لمثل هذا الشيء، وهذا لا يعني أن هذا الشيء غير محتمل، ولكن لو أن شيء من هذا سيحدث ستخالف ليس فقط نموذج ما لفيزياء الجسيمات، عليك أن تخالف الخصائص الأولية لنظرية الحقل الكمومية، وهذا يعني مخالفة إما مكانيكا الكم أو النظرية النسبية على مستوى أعمق، وميكانيكا الكم والنظرية النسبية أُسسا نظريا بشكل جيد وكذلك تجريبيا اختبات بشكل هائل، إذن بإمكانهما أن يكونا خاطئين، كل شيء جائز، ولكن ليست هناك أدلة على أنهما خاطئتين، وهناك أدلة قوية جدا جدا جدا جدا جدا إنهما صحيحتان.

محمد: وكأنك تقول أنه هناك مجال حيث تعمل فيها النظرية، وخارج هذا النطاق قد لا تعمل، ولكننا نعلم أن هذا هو مجالها “حياتنا اليومية”، ما هو الفرق بينها وبين الميكانيكا النيوتونية، هي أيضا لديها مجالها، ونحن نعلم أن بُعيد ذلك المجال لابد للذهاب إلى النظرية النسبية، ونحن نعرف حدود الميكانيكا النيوتونية، إذن لماذا سيكون هذا مختلفا عن نظرية الحقل الكمومي؟

شون: هذا سؤال رائع! الإجابة الحقيقية هي انه كان لدينا سبب للاعتقاد قبل 200 سنة أن الميكانيكا النيوتونية صحيحة في نطاق محدد، ولكننا لم نعرف، أو لم يكن هناك طريقة لمعرفة كم هو حجم هذا النطاق، لم نكن نعرف أن هناك شيء يطلق عليه سرعة الضوء، حيث تنكسر القوانين الكلاسيكية النيوتونية، لم نكن نعرف أن هناك شيء اسمه ثابت بلانك في الميكانيكا الكمية حيث تنكسر القوانين الكلاسيكية النيوتونية، إذن كنا نعرف حيث اختبرناها، ولكننا لم نعلم إلى أي مدى نستطيع أن نوسع مداركها أبعد من تلك الاختبارات التي قمنا بها.

ولكن في حالة نظرية الحقل الكمومي، مثل العبور المتناظر والذي لا يوجد في الميكانيكا الكلاسيكية النيوتونية، لنقل استطعنا أن نكتشف كل فضاء الطرق التي بإمكان الجسيمات التأثير على حياتنا اليومية، إذن، نحن قادرون على أن نقول هذه هي النقطة التي بعيدها يمكن للظواهر الجديدة أن توجد، ولكن حياتنا اليومية لا تتعداها، أنها مكونة من طاقات منخفضة كثيرا، ومسافات طويلة كثيرا، وحرارات منخفضة كثيرا، ونحن في مأمن حينما نثق بالنظرية الجوهرية في هذا النظام.

محمد: لكل المتسمعين الذين يتسمعون حاليا، أقصد الذين سيستمعون للبودكاست لاحقا، أنت لا تدعي أننا نعرف كل شيء عن الفيزياء، ولكن نحن نستطيع أن نفهم كل شيء في حياتنا اليومية باستخدام هذا النوع من النظريات.

شون: حسنا، طبعا أنت محق، بالتأكيد أنا لا أقول أننا نفهم كل شيء، لاحظ أنني فيزيائي نظري، وهذه وظيفتي، هناك أشياء جديدة لا نفهما، نحن لا نفهم الانفجار العظيم، ولا نفهم المادة الداكنة، ولا نفهم الثقوب السوداء، هناك الكثير الكثير من الأشياء التي نفهما، ولكن أنا حذر في قولي أن ما نفهمه هي قوانين الفيزياء المتضمنة في حياتنا اليومية، وهو ليس القول بأننا نفهم حياتنا اليومية، نحن لا نفهم البيولوجيا أو الاقتصاد أو السيكولوجيا، إنها ظواهر منبثقة محددة تخرج من هذه القوانين الفيزيائية المتضمنة في حياتنا اليومية، إذن نحن نفهم الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات التي تكوننا، ولكن لا يعني ذلك أننا نفهم كيف نفكر أنا وأنت.

محمد: حسنا، لنتحدث عن الظواهر المنبثقة بما أنك تحدثت عنها، ما هي الظاهرة المنبثقة؟

شون: الظواهر المنبثقة هي أجزاء من الطبيعانية الشعرية، وهي الطبقات التي بنيت على بعضها، الظواهر الطبيعية هي طريقة للقول بأنه قد يكون لديك وصف تفصيلي ميكروسكوبي للنظام، من الممكن أن تصف الهواء في الغرفة من ناحية الذرات والجزئيات التي تكونه، ولكن هناك طريقة أخرى للحديث عن النظام والذي يكون أكثر خشونة، تتراجع، أو طريقة ماكروسكوبية للتفكير في الأشياء، وهذا الشيء ليس واضحا حينما ننظر للفيزياء الميكروسكوبية، إذا كنت تعلم كل شيء عن الذرات والجسيمات، قد لا تعرف أن هناك طريقة أخرى للحديث، والتي لها علاقة بحرارة الهواء والضغط السرعة والرطوبة وأشياء مثل هذه، قد تكون ذكيا بما فيه الكفاية لاشتقاق الوصف المنبثق من الوصف الكامن، أو ربما لا تستطيع، ربما تحتاج أن تكتشفه باستخدام مجموعة أدوات مختلفة. ونحن حدث وأن عشنا في كون حيث توجد الكثير والكثير من الطبقات المنبثقة، ومعرفتها جميعا هو أمر مفيد لمعرفة كيفية عمل الواقع.

محمد: لقد ذكرت أن بعض الظواهر المنبثقة قد لا تكون متاحة في الأجزاء المكونة لها فرادى، كما أفهم الموضوع، لو أن لدي كل صفات الجسيمات ثم أقوم بنمذجتها باستخدام كمبيوتر فإن كل الظواهر المنبثقة من المفروض أن تكون موجودة في هذه النمذجة، لماذا تقول أنها تظهر، وأنها صفات جديدة وأنها غير موجودة حتى وإن جمعت أجزائها؟

شون: بالطبع فإنك تستطيع تخيل محاكاة كل الصفات في المستوى الميكروسكوبي، وبالتأكيد تستطيع أن تعرف ماذا سيفعله النظام، ولكن ذلك لن يخبرك أن هناك شيء آخر أكثر كفاءة من الناحية الحسابية للحديث عن النظام في نفس الوقت. لو أضع كل جزيئات الهواء في الغرفة على الكمبيوتر وأقوم بنمذجته، فإن الكمبيوتر لن يطرق على بابي ليقول من المفروض عليك أن تفكر في الحرارة والضغط، بدلا من التفكير في كل جزيء على حدة.

محمد: حسنا، ذلك منطقي جدا.


مقابلة مع الفيزيائي شون كارول – عربي (2) Interview with physicist Sean Carroll - Arabic (2) Entretien avec le physicien Sean Carroll - Arabe (2) Entrevista com o físico Sean Carroll - Árabe (2)

محمد: حسنا، لننتقل لمؤشر الوقت، ما هو مؤشر الوقت؟ وكيف نفهمه في الفيزياء؟ Muhammad: Well, let's move to the time indicator. What is the time indicator? How do we understand it in physics?

شون: سهم الوقت من الناحية المبدئية هو حقيقة أن الماضي والمستقبل مختلفان، وهذه هي حقيقة بسيطة إلى درجة أننا نعتقد أنها لا تحتاج لتفسير، لقد حدث الماضي، وهو يبدو وكأنه شيء مختلف عن المستقبل الذي لم يحدث بعد، مرة أخرى، بعد أن نتعلم كيف يعمل الكون ونفهم قوانين الفيزياء بشكل أفضل بقليل، هذه القوانين الفيزيائية لا تعامل الماضي والمستقبل باختلاف، لا تختار وضعا خاصا لما نسميه بـ”الآن”، إنها تعامل الماضي والحاضر والمستقبل – كل لحظات الزمن – بنفس الدرجة، وهذا قاد الفيزيائيون والفلاسفة لتكوين نظرة للواقع يطلق عليها اصطلاح “كون البلوك” حيث يكون للماضي والحاضر والمستقبل عناصر متساوية من الواقع، ثم سنحتاج أن نفسر لماذا يبدو الماضي والمستقبل مختلفان، لماذا يبدو أننا نتحرك من الماضي إلى المستقبل، وهذا هو سؤال مؤشر الوقت.

ونحن نفهم الإجابة، والإجابة موجودة في القانون الثاني للديناميكية الحرارية، مبدأ أن الإنتروبيا تزداد كلما تطور الكون، الإنتروبيا هي قياس الفوضى أو العشوائية في الكون، حينما بدأ الكون عند الانفجار العظيم حوالي 14 مليار سنة في الماضي، كان منتظما جدا وغير عشوائي، ومنذ أن تطور إلى الآن تزداد العشوائية فيه، وهذه هي أصول كل الطرق التي تجعل الماضي والمستقبل يبدوان مختلفان بالنسبة لنا.

محمد: حينما تقول كان هناك نظاما قبل 14 مليار سنة في الماضي، ثم تقول أن الفوضى ازدادت اليوم، أنت تضع الزمن في الشيء الذي تتحدث عنه، ويبدو وكأنه تعريف دائري، أليس كذلك؟

شون: حسنا، هناك الوقت، وهناك مؤشر الوقت، وهذان شيئان مختلفان، فهناك المكان، لدينا ثلاثة أبعاد للمكان، أعلى وأسفل، ويمين ويسار، وأمام وخلف، وهو يعمل بشكل جيد، إنه مفهوم جيد، ولكن ليس هناك مؤشر للمكان، ليس هناك اتجاه مفضل في المكان، حتى لو يكن هناك وجهة للوقت، سيكون هناك الوقت، لو كان لديك بندولا يتأرجح ذهابا وإيابا، فهو لا يظهر مؤشرا للوقت، ولكن الوقت يمر، حينما نقول أن الكون بدأ بحالة معنية، وتطور إلى حالة أخرى، ثم تطور إلى حالة أخرى أيضا، نستطيع إعادة صياغة ذلك كله من غير الرجوع للماضي والحاضر والمستقبل، كان هناك وقتا حينما كان الكون في حالة من النظام الانفجارية كوينة، كان هناك وقتا آخر حينما كان الكون يحتوي على المجرات والنجوم والكواكب، وهناك وقت أخر حينما كان الكون فارغا ولا يحتوي على سوى الطاقة الداكنة تملأه وتعجله، وكل هذه اللحظات المختلفة من الكون كانت منسقة بنظام، ونستطيع أن نسمي إحدى الوجهات “الماضي”، والاتجاه الآخر “المستقبل”.

محمد: لقد ذكرت الإنتروبيا، هل تستطيع أن تشرح الإنتروبيا، لأنني أعددت حلقة بودكاست قديمة عنه، وقد احتار العديد من الناس عن ماهيته.

شون: من الطبيعي أن تكون هناك حيرة، لأن هناك عدة طرق للتفكير بالإنتروبيا، وهناك عدة طرق يعرفه بها الفيزيائيون، ولكنها ببساطة كمية الفوضى أو كمية العشوائية، فحينما تكون لديك بيضة غير مكسورة، إنها تحتوي على انتروبيا منخفضة، هي منتظمة، فهناك الصفار والبياض والقشرة، وإن كسرتها وانتشرت حول الغرفة أو المطبخ فسترتفع الإنتروبيا، وإذا خلطت الكريمة مع القهوة، فستبدأ بإنتروبيا منخفضة ثم ترتفع، إذا فتحت قنية عطر لينتقل العطر من النظام بداخل القنينة لينتشر حول الغرفة سترتفع الإنتروبيا لأنها تركيبة فوضوية، وهذا ما يحدث بشكل طبيعي مع مرور الوقت. الأشياء تنتقل من النظام إلى الفوضى.

اللغز الحقيقي هو لماذا كان الكون منتظما ابتداء؟

محمد: ولماذا يصبح أكثر فوضوية؟

شون: لقد اكتشف هذا الشيء الفيزياء النمساوي ليوفيغ بولتزمان في القرن الثامن عشر، فلأن هناك طرقا أكثر لتكون غير منتظم من أن تكون منتظما، فإذا كنت تفكر في خلط ورق اللعب، إذا كانت الأوراق كلها منتظمة من الآس الإثنين الثلاث الأربع إلى جاك والملكة والملك فليس هناك طرق كثيرة لتكون بهذا النظام، ولكن لو خلطتها ستكون هناك الكثير من التنظيمات التي تحسب على أنها خلطة، هناك تركبيات أكثر أنتروبية تكون فيها الأوراق متوزعة عشوائيا، لذلك إن بدأت منتظمة وتركت لشأنها فمن الطبيعي أن تتجه للفوضى.

محمد: لقد قرأت الجزء من كتابك الذي يتحدث عن التحول من الحالة الأكثر تنظيما إلى الأكثر فوضوية، في الوسط تحدث تجتمع الأشياء لتكون أكوان كما يحدث معنا الآن حيث نحن في نقطة مرتفعة، هل من الممكن أن تتحدث عن ذلك لو سمحت؟

شون: نعم، من الطبيعي أن نتساءل: لماذا – حينما يصبح الكون أكثر فوضوية بمرور الوقت – تتكون هياكل معقدة كالنجوم أو الكواكب أو المجرات، أو أشياء حية مثل الإنسان وأنا وأنت والنباتات والحيوانات على الأرض، إن الفرق بين البساطة والتعقيد هو سؤال مختلف عن الفرق بين النظام والفوضى.

حينما يكون الكون أو أي نظام منتظما جدا، سيكون بسيطا، حينما بدأ الكون عند الانفجار العظيم كان مكانا بسيطا جدا، كل شيء كان منتشرا بنعومة، وفي المستقبل البعيد جدا جدا عندما تموت جميع النجوم وتتبخر جميع الثقوب السوداء، ولا يبقى سوى المكان الفارغ، سيكون بسيطا مرة أخرى، البداية كانت بأنتروبيا منخفضة، والمستقبل سيكون بأنتروبيا عالية جدا، حتى وإن كان كلاهما بسيطا، إنه الآن، وفي الوسط، حيث أن الكون متوسطا في الإنتروبيا منتقالا من الإنتروبيا المنخفضة إلى العالية، الآن سيصبح الكون معقدا.

إذن التعقيد ليس مضادا للفوضى، التعقيد ينشأ لأن الكون في وجهة من التنظيم إلى الفوضى، إذا كنت تتكلم عن الكون مبتدأ من إنتروبيا منخفضة، ويتطور إلى انتروبيا متوسطة ومعقدة، ثم يتطور أكثر إلى إنتروبيا أعلى وبساطة مرة أخرى، مثال بسيط على ذلك هو الكريمة والقهوة، تخيل أن لديك كوبا من القهوة، وكريمة في الأعلى، وهي ليست مخلوطة بعد، هذه إنتروبيا منخفضة، إنها منتظمة برقة بوجود الكريمة في الأعلى والقهوة في الأسفل، وكذلك فإنها بسيطة، إذا خلطتها باستخدام ملعقة، فستوف تختلط كلها مع بعض، ستكون غير منتظمة وبإنتروبيا عالية، ولكنها أيضا بسيطة مرة أخرى، إنه في الوسط، حينما تخلط بالملعقة وتتكون الامتدادات اللولبية من الكريمة، لتحدث أنماطا فركتالية أثناء اندماجها مع القهوة، عندئذ تكون معقدة، التعقيد يتكون في الوجود طبيعيا على الطريق من البساطة والنظام إلى البساطة والفوضى.

محمد: إذن، حاليا الكون في حالة من التعقيد في هذا الوقت.

شون: صحيح، هذا شيء لا ندعي فهمه من الناحية حسابية، وإن يود العلماء ذلك، ليس لدينا معادلات جيدة للتعقيد، وكيف يأتي ويذهب، ولكن الصور النوعية تبدو أنها تتماسك، ونحن نحاول فهمها بعمق أكثر فأكثر.

محمد: لنتوجه إلى النظرية الجوهرية، برأيي، إنها تعد واحدة من أقوى الأفكار التي ذكرتها، إنها نظرية الحقل الكمومي، وكنت مستغربا أنك أعطيتها كل هذا الدعم والإيمان القوي على أنها المرجع الصحيح، وعلى أنها كاملة في وصفها حياتنا اليومية، ولا يوجد أي شيء أخر لدعم صحتها، أحتاج إلى توضيح لذلك.

شون: بالضبط، يجب أن تطلب… يجب أن تكون شاكا في الأمور المبالغ بها، ولكن، بالتحديد فإن هذا الفارق يبدو أنه بسيطا، ولكن سيجد الناس صعوبة في فهم الفرق ما بين “فهم كل شيء” و”فهم الجزء الفرعي الصغير الذي يكون كل حياتنا اليومية”، وأقصد في “حياتنا اليوم” أنا وأنت الغرف التي نحن فيها، والأشياء التي نستطيع أن نلمسها بأيدينا ونراها بأعيننا الآن وهنا، هذه الأشياء مكونة من مجموعة من الجسيمات، الإلكترونات والكوركات والفوتونات والنيوترونات.. إلى أخره، ونعلم ما هي هذه الجسميات وكيف تتفاعل، وهذا هو أمر تسطيع ادعاءه، وتستطيع أن تعطي أسبابا لصحته، وليس لمجرد أنها نظرية جيدة، وأننا لم نجد أمثلة مضادة لها بعد، إننا نعتقد لو كانت هناك أي انحرافات عن النظرية فنحن على ثقة أننا كنا قد اكتشفناها، وهذا لأنه هناك تفاصيل محددة في ميكانيكا الكم ونظرية الحقل مكنتنا من إنتاج جسميات وقوى جديدة إن وجدت، إذا كانت موجودة وهي قوية بما فيه الكفاية لتؤثر على حياتنا اليومية بأي طريقة سيكون بإمكاننا أن ننتجها في المختبر، وقد جربنا ذلك ولكننا لم نستطع، إنها ليست موجودة.

إذن، نحن لسنا قريبون بتاتا من أن ندعي أننا نفهم كل شيء أو حتى أعمق مستويات الحقيقة في الغرفة التي نحن فيها، فنحن لا نعلم إن كان الزمكان هو شيء أولي على سبيل المثال، ولكن حتى لو اكتشفنا يوما ما أن الزمكان ليس أوليا، ستبقى الحقيقة أن هناك طبقة من الواقع المنبثق والتي تشمل الزمكان والإلكترونات والبروتونات… إلى أخره، على أنها جزء من وصفها، وهذا الوصف سيكون صحيحا حينما نطبقه على هذه الطبقة من الواقع.

محمد: ماذا عن المادة المظلمة، هل يحتمل أن تكون المادة الداكنة جسيم يضاف إلى تلك الجسيمات؟

شون: بالتأكيد، المادة الداكنة قد تكون جسيما يضاف إلى تلك الجسيمات، والمادة الداكنة لا تؤثر على حياتك اليومية، لو أنها تؤثر لاكتشفناها قديما، وسيكون ذلك عظيما، ولكننا جربنا وفشلنا.

محمد: حسنا، ما هو العبور المتناظر Crossing Symmetry؟

شون: العبور المتناظر هو إحدى خصائص نظرية الحقل الكمومي، والذي يسمح لنا بالقول بكل ثقة أنه لا توجد جسيمات لم نكونها، ولم نكتشفها بعد، ومع ذلك تعلب دورا هاما في حياتنا، يمكنك أن تتصور طرقا مختلفة لتفاعل الجسيمات مع بعضها، على سبيل المثال لديك نوعان من الجسيمات – لنقل – الإلكترون والبروتون، يمكنهما أن يتبعثران من بعضهما، ويمكن أن يرتدان عن بعضهما، إذن في الماضي كان هناك إلكترون وبروتون، وفي المستقبل هناك إلكترون وبروتون، وكلاهما يرتدان عن بعضهما، والعبور المتناظر يقول لو أن هذا الشيء حدث، فإن هناك شيء آخر بإمكانه الحدوث حيث تغير الجسميات التي كانت في الماضي والتي في المستقبل مع بعض، إذن، بدلا من إلكترون واحد وبروتون واحد يدخلان وإلكترون واحد وبروتون واحد يخرجان، يمكنك الحصول على إلكترون واحد وإلكترون مضاد يدخلان، وبروتون ومضاد البروتون يخرجان، والعبور المتناظر يربط أرجحية إحدى هذه العمليات بدلا من الأخرى، لذلك، لو كان هناك جسيم موجود وكان يصطدم بنا بقوة كافية ليؤثر، فنحن نعلم أن بإمكاننا انتاجه، هذه خاصية أولية لكيفية عمل نظرية الحقل الكمومي.

محمد: ماذا لو قلنا المادة الداكنة لها تأثير، ولكن ليس بذلك التأثير الذي نفهمه في الفيزياء الجسيمية، إنها مؤثرة، هناك شيء يجعل حياتنا تتغير بطريقة ما، ربما بطريقة صغيرة جدا، ولكنها ليست من ضمن هذه النظرية.

شون: نعم، مرة أخرى، كل شيء جائز، لذلك يجب عليك كبيزي جيد تدع احتمالا بسيطا ليكون مثل هذا الشيء صحيح، ولكن – كما بينت في الكتاب – أن الخصائص الأولية لنظرية الحقل الكمومية لا تسمح لمثل هذا الشيء، وهذا لا يعني أن هذا الشيء غير محتمل، ولكن لو أن شيء من هذا سيحدث ستخالف ليس فقط نموذج ما لفيزياء الجسيمات، عليك أن تخالف الخصائص الأولية لنظرية الحقل الكمومية، وهذا يعني مخالفة إما مكانيكا الكم أو النظرية النسبية على مستوى أعمق، وميكانيكا الكم والنظرية النسبية أُسسا نظريا بشكل جيد وكذلك تجريبيا اختبات بشكل هائل، إذن بإمكانهما أن يكونا خاطئين، كل شيء جائز، ولكن ليست هناك أدلة على أنهما خاطئتين، وهناك أدلة قوية جدا جدا جدا جدا جدا إنهما صحيحتان.

محمد: وكأنك تقول أنه هناك مجال حيث تعمل فيها النظرية، وخارج هذا النطاق قد لا تعمل، ولكننا نعلم أن هذا هو مجالها “حياتنا اليومية”، ما هو الفرق بينها وبين الميكانيكا النيوتونية، هي أيضا لديها مجالها، ونحن نعلم أن بُعيد ذلك المجال لابد للذهاب إلى النظرية النسبية، ونحن نعرف حدود الميكانيكا النيوتونية، إذن لماذا سيكون هذا مختلفا عن نظرية الحقل الكمومي؟

شون: هذا سؤال رائع! الإجابة الحقيقية هي انه كان لدينا سبب للاعتقاد قبل 200 سنة أن الميكانيكا النيوتونية صحيحة في نطاق محدد، ولكننا لم نعرف، أو لم يكن هناك طريقة لمعرفة كم هو حجم هذا النطاق، لم نكن نعرف أن هناك شيء يطلق عليه سرعة الضوء، حيث تنكسر القوانين الكلاسيكية النيوتونية، لم نكن نعرف أن هناك شيء اسمه ثابت بلانك في الميكانيكا الكمية حيث تنكسر القوانين الكلاسيكية النيوتونية، إذن كنا نعرف حيث اختبرناها، ولكننا لم نعلم إلى أي مدى نستطيع أن نوسع مداركها أبعد من تلك الاختبارات التي قمنا بها.

ولكن في حالة نظرية الحقل الكمومي، مثل العبور المتناظر والذي لا يوجد في الميكانيكا الكلاسيكية النيوتونية، لنقل استطعنا أن نكتشف كل فضاء الطرق التي بإمكان الجسيمات التأثير على حياتنا اليومية، إذن، نحن قادرون على أن نقول هذه هي النقطة التي بعيدها يمكن للظواهر الجديدة أن توجد، ولكن حياتنا اليومية لا تتعداها، أنها مكونة من طاقات منخفضة كثيرا، ومسافات طويلة كثيرا، وحرارات منخفضة كثيرا، ونحن في مأمن حينما نثق بالنظرية الجوهرية في هذا النظام.

محمد: لكل المتسمعين الذين يتسمعون حاليا، أقصد الذين سيستمعون للبودكاست لاحقا، أنت لا تدعي أننا نعرف كل شيء عن الفيزياء، ولكن نحن نستطيع أن نفهم كل شيء في حياتنا اليومية باستخدام هذا النوع من النظريات.

شون: حسنا، طبعا أنت محق، بالتأكيد أنا لا أقول أننا نفهم كل شيء، لاحظ أنني فيزيائي نظري، وهذه وظيفتي، هناك أشياء جديدة لا نفهما، نحن لا نفهم الانفجار العظيم، ولا نفهم المادة الداكنة، ولا نفهم الثقوب السوداء، هناك الكثير الكثير من الأشياء التي نفهما، ولكن أنا حذر في قولي أن ما نفهمه هي قوانين الفيزياء المتضمنة في حياتنا اليومية، وهو ليس القول بأننا نفهم حياتنا اليومية، نحن لا نفهم البيولوجيا أو الاقتصاد أو السيكولوجيا، إنها ظواهر منبثقة محددة تخرج من هذه القوانين الفيزيائية المتضمنة في حياتنا اليومية، إذن نحن نفهم الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات التي تكوننا، ولكن لا يعني ذلك أننا نفهم كيف نفكر أنا وأنت.

محمد: حسنا، لنتحدث عن الظواهر المنبثقة بما أنك تحدثت عنها، ما هي الظاهرة المنبثقة؟

شون: الظواهر المنبثقة هي أجزاء من الطبيعانية الشعرية، وهي الطبقات التي بنيت على بعضها، الظواهر الطبيعية هي طريقة للقول بأنه قد يكون لديك وصف تفصيلي ميكروسكوبي للنظام، من الممكن أن تصف الهواء في الغرفة من ناحية الذرات والجزئيات التي تكونه، ولكن هناك طريقة أخرى للحديث عن النظام والذي يكون أكثر خشونة، تتراجع، أو طريقة ماكروسكوبية للتفكير في الأشياء، وهذا الشيء ليس واضحا حينما ننظر للفيزياء الميكروسكوبية، إذا كنت تعلم كل شيء عن الذرات والجسيمات، قد لا تعرف أن هناك طريقة أخرى للحديث، والتي لها علاقة بحرارة الهواء والضغط السرعة والرطوبة وأشياء مثل هذه، قد تكون ذكيا بما فيه الكفاية لاشتقاق الوصف المنبثق من الوصف الكامن، أو ربما لا تستطيع، ربما تحتاج أن تكتشفه باستخدام مجموعة أدوات مختلفة. ونحن حدث وأن عشنا في كون حيث توجد الكثير والكثير من الطبقات المنبثقة، ومعرفتها جميعا هو أمر مفيد لمعرفة كيفية عمل الواقع.

محمد: لقد ذكرت أن بعض الظواهر المنبثقة قد لا تكون متاحة في الأجزاء المكونة لها فرادى، كما أفهم الموضوع، لو أن لدي كل صفات الجسيمات ثم أقوم بنمذجتها باستخدام كمبيوتر فإن كل الظواهر المنبثقة من المفروض أن تكون موجودة في هذه النمذجة، لماذا تقول أنها تظهر، وأنها صفات جديدة وأنها غير موجودة حتى وإن جمعت أجزائها؟

شون: بالطبع فإنك تستطيع تخيل محاكاة كل الصفات في المستوى الميكروسكوبي، وبالتأكيد تستطيع أن تعرف ماذا سيفعله النظام، ولكن ذلك لن يخبرك أن هناك شيء آخر أكثر كفاءة من الناحية الحسابية للحديث عن النظام في نفس الوقت. لو أضع كل جزيئات الهواء في الغرفة على الكمبيوتر وأقوم بنمذجته، فإن الكمبيوتر لن يطرق على بابي ليقول من المفروض عليك أن تفكر في الحرارة والضغط، بدلا من التفكير في كل جزيء على حدة.

محمد: حسنا، ذلك منطقي جدا.