إسحاق نيوتن
عام 1727، قبل وفاته بأسابيع، أحد أشهر رجال زمانه مشغول بحرق صناديق من المخطوطات الخاصة به.
ماذا يوجد فيها؟
و وجد حاجة ملحة لإتلافه، موعد إنتهاء العالم، مكونات حجر الفلاسفة، ربما المفتاح للحياة الأبدية. كان هذا الرجل أب العلم الحديث. كشف أسرار الجاذبية، لكن يبدو أن التفاحات الساقطة لم تكن أعلى قائمة أولوياته. قضى حياته سرا يدرس فن الخيمياء القديم، الشفرات في الإنجيل، و موعد نهاية العالم.
"كان قادرا أن يصبح مركزا تماما و مهووسا." "إنه شخص شديد التناقض." لما كان شديد السرية، و ما الذي كان مضطرا إلى إخفاءه. سنعرف هذا حين نفتح الملفات السرية الخاصة بالسيد إسحاق نيوتن.
كان تدمير المخطوطات قبل وفاته آخر عمل في حياة إسحاق نيوتن المفعمة بالسرية. لمعرفة ما كان مهتما جدا بإخفاءه، علينا العودة لسنواته الأول.
إنه العام 1661 وبعمر ال 18 سنة، غادر إسحاق نيوتن الشاب منزله لإرتياد جامعة كامبريدج. قضى روب اليفي أكثر من 25 سنة في دراسة مخطوطات نيوتن. "في مرحلة ما من مطلع 1664 إرتاد محاضرات رياضيات التي يعطيها إسحاق بارو، و واضح أنه في سن مبكرة جدا أصبح قادرا تماما على إجراء البحوث المستقلة و الأصلية." عام 1665، ظهر الطاعون و انتشر خارج لندن، غادر نيوتن كامبريدج و سافر 260 كيلومترا شمالا، إلى وولسثروب تحت حماية منزل عائلته. طوال السنتين اللتين قضاهما هناك عمل على الحساب، و قام بإكتشافات كثيرة حول طبيعة الضوء، و يفترض أن التفاحة الشهيرة سقطت و أطلقت نظريته حول الجاذبية.
أثناء عودته إلى كامبريدج اكتشف نيوتن القوانين الأساسية التي تحكم الكون، لكنه لم يخبر أحدا.
"من الأمور المثيرة للإهتمام لدى نيوتن أنه ينجز أعمالا مهمة جدا، و يرمي الأوراق تحت سريره و ينسى أمرها." نيوتن شديد التكتم و لا يهتم بمشاركة أعماله مع العالم الذي غيره في النهاية.
البروفيسور مايكل درس نيوتن بشكل موسع. "كان يفتقر إلى العلاقات الإجتماعية، كان قليل التعاطف، و كان كثير الشك و الإرتياب، و كان قاسيا و ساديا، لكنه كان يتمتع بقدرة كبيرة على التركيز بشكل كبير و قدرة كبيرة على طرح أسئلة أساسية، و كان قادرا على إجراء تجارب و المثابرة على السؤال حتى يجد الجواب." هذه القدرة الفريدة على المحافظة على التركيز العالي جذبت أستاذ نيوتن في الرياضيات إسحاق بارو، أخذ يشجع نيوتن من بين زملائه.
"طريقة الشهرة في منتصف القرن السابع عشر، لا تشبه طريقة الشهرة في الوقت الحاضر، إنه أمر شخصي نوعا ما. أن يبرز عملك أمام شخصيات مهمة متعددة و أن يقروا بأنك شخص مهم في هذا المجال، و هذا ما حدث مع نيوتن. أخذ إسحاق بارو يرسل عمل أو عملين أنجزهما نيوتن و أدركت مجموعة أشخاص صغيرة أن هذا الشخص عالم رياضيات متمكن." و كل عالم رياضيات آنذاك كان يريد شرف عضوية المجمع الملكي الذي كان حديث التأسيس.
كيث مور، هو أمين المكتبة الخاصة بالمجمع الملكي في الوقت الحاضر. "عام 1660، حين تم تأسيس المجمع الملكي تم تأسيسها ككلية خاصة بالمعارف الطبيعية المتقدمة." من ضمن الأعضاء الذين كانوا موجودين في زمن نيوتن هناك علماء بارزون كروبرت بويل، كريستوفر رن، و إدموند هالي.
إنهم متحمسون لسماع أفكار هذا العالم الشاب البارز، لكن إشراك نيوتن شديد التكتم ليست مهمة سهلة. زاد ذكاؤه جدا و زادت عزلته. "نيوتن مهووس بعمله، إنه إنعزالي نوعا ما و يكتب مواضيع كثيرة و لا يراها أحد غيره، إنه يطور هذه المعرفة من أجله هو." آندرو غريغوري خبير في تاريخ العلوم، "لا أظن أن هناك من قد يصف نيوتن كشخص يتمتع بشعبية و سلس في أي مرحلة من حياته، هو مهووس جدا بعمله و مدمن على العمل و لا يهتم كثيرا بالأمور التي تخرج عن نطاق العمل." بقي نيوتن منعزلا في غرفته و لم يكن يكلم سوى الأشخاص القليلين الذين يحترمهم مثل بارو. ثم حث تدخل آخر من إسحاق بارو أخيرا لينهي عزلته و يصبح محط الأنظار. "نيوتن هو أول شخص في عام 1667 أو 68 يصنع منظارا عاكسا عاملا أراه لإسحاق بارو ثم أرسل بارو منظار نيوتن العاكس للمجمع الملكي." كان منظار نيوتن متطورا لأنه كان أصغر بأكثر من عشر مرات مقارنة بالمناظير الممثالة له في الوقت الحاضر. كان هذا منظارا يسبب انكسار الأشعة و يستعمل عدسات لتكبير الأشياء، كلما زاد حجم العدسات كان التكبير أوضح، لكن لرؤية الضوء البعيد كالكواكب و النجوم يجب أن تكون كبيرة جدا.
في منظار نيوتن مرايا عوضا عن العدسات، هذا المناظير العاكسة يمكن أن تكون أصغر بكثير و تقوم بالتكبير ذاته مما يجعل إستعمالها أسهل بكثير. لكن لم يكن الحجم المشكلة الوحيدة التي تعاني منها المناظير الكبيرة القديمة، كانت تسبب أيضا تشكل أقواس قزح صغيرة حول حواف الأشياء مما يجعل الرؤية الواضحة صعبة، هذا التأثير يعرف بإسم الزيغ اللوني.
منظار نيوتن لم يكن يعاني هذا المشكلة، "كانت الأدوات التي تكسر الأشعة كبيرة جدا و مربكة عن الإستعمال، كان يصعب مواجهة مشكلة الزيغ اللوني فيها، نيوتن تمكن من حل كل المشاكل التي واجهها العلماء." بعد تلقيهم منظاره المتطور أراد المجمع الملكي رؤية ما يمكن لهذا الشخص الغريب تقديمه أيضا.
"قال سكرتير المجمع الملكي لنيوتن: هذا مثير جدا للإهتمام، هل لديك شئ آخر؟ قال نيوتن: أجل، لدي شئ موجود منذ بضعة سنوات أمام طاولتي ليس قيما جدا و لكن أظن أنه أهم ما تم إكتشافه في مجال العلوم. ثم أرسل هذه الورقة إلى المجمع الملكي، و كان هذا بحثه الشهير حول الضوء و الألوان." الورقة التي كان يخفيها نيوتن كانت تضم إكتشافا قاده إلى إستخدام المرايا في منظاره عوضا عن العدسات. "إكتشف نيوتن أنه حين يمر الضوء عبر العدسات يتحلل إلى الألوان التي يتشكل منها، و إن عاودت تمرير تلك الألوان عبر العدسة مجددا فهي لا تتحلل أكثر، ثم وضع نيوتن نظرية أن الضوء الأبيض مؤلف من هذا الألوان." إكتشاف نيوتن كان ثورة في فكرتنا حول الضوء و طريقة بناء المناظير. المنظار القديم الذي يعمل على كسر الأشعة كشف الكواكب و أقمارها، و لكن منظار نيوتن وضحها جدا لأول مرة.
أخيرا تم الإعتراف بنيوتن عبر أعماله المذهلة، و أخذ ينفتح على العالم الخارجي. ثم جاء روبورت هوك عالم موهوب بحد ذاته، هوك هو القيم على التجارب في المجمع الملكي. "إن صح التعبير روبورت هوك هو أشهر شخص في المجمع الملكي، و لم يكن هناك سبب يدعوه ليظن أنه لن يكون نجما حتى عام 1672، حين إستلم المجمع الملكي هذه الورقة من بروفيسور رياضيات مغمور في كامبريدج، و أدرك هوك مباشرة أن هناك مشكلة." روبورت هوك شخصية معروفة في ثقافة المقال الإجتماعي، كانت أفضل طريقة للترويج لأفكارك العلمية آنذاك.
"ثقافة المقهى، كانت واسعة جدا، كان يمكن التناقش في العلوم أمام الملأ في ذلك المكان بين مجموعة من الأشخاص المتماثلين في طريقة التفكير. كانوا يجتمعون في المقاهي و يتشاركون آرائهم حول العالم، لذا كان منتدى شعبيا و لم يكن بالضرورة هذا المكان من الأماكن التي يجدها إسحاق نيوتن مريحة جدا في رأيي." قرأ روبورت هوك نظرية نيوتن حول الضوء و وجد أنها تناقض مفهمومه عن النشاط الضوئي. كتب إنتقادات لاذعة عن بحث نيوتن و تمت مناقشته بين أعضاء المجمع الملكي. قرر سكرتير المجمع الرد على نيوتن الذي غضب جدا. "أغضب هوك نيوتن جدا في وقت مبكر من علاقتهما بسبب طبيعة رده، كان سلبيا جدا أعني كان يحب نيوتن سماع أنه رجل رائع غير مفهموم علم الفيزياء." قام نيوتن بمجازفة كبيرة و سمح للآخرين برؤية عمله، لقد ظهرت عواقب الأمر و سيشعر هوك بغضب إسحاق نيوتن، أرسل رسالة تتكون من 20 صفحة للمجمع الملكي موضحا لما هوك مخطئ و هو محق. تم تبادل الإهانات بين الطرفين حتى فقد نيوتن صوابه أخيرا. عاد إلى عالمه الخاص و أعلن أنه لن ينشر أعماله ثانية، لكن أعماله العلمية لم تكن كل ما كان يخفيه.
على مدى سنوات كان يتولى أعمالا أكثر غموضا مع التنين و الديدان السامة و دم الأسد الأخضر. بفضل عودته إلى عزلته أصبح الآن قادرا على التركيز على ممارساته غير القانونية، و هذا ما فعله بالضبط، أصبح عالم خيمياء.
الخيمياء هي ممارسة البحث عن الكنوز الأسطورية كحجر الفلاسفة الذي بإمكانه تحويل المعادن العادية إلى ذهب، في زمن نيوتن كان يعتبر لعبة الحمقى، و لكنه أصبح مهووسا به. غالبا ما كان ينسى النوم و الأكل بينما تحترق المعادن في بوتقته. "الخيمياء بالنسبة إلى نيوتن كانت تضم معارف سرية، كان يقرأ الأعمال الكيميائية و كان يجري تجارب في الخيمياء و هذا مختلف جدا عن عقائد الثورة العلمية، التي تكشف فيها عن أفكارك العلمية." بعد أكثر من عقد عمل نيوتن السري في مجال الخيمياء تم تعليقه، حين عاود العالم الشهير إدموند هالي إثارة إهتمام نيوتن في العلم السائد. كان هالي يتردد على المقاهي و يتحدث عن نظرية الجاذبية و مدارات الكواكب، إدعى روبورت هوك أنه أثبت نظريته سلفا لكن بعد الإنتظار أشهرا لرؤيتها لم يحقق هالي شيئا، لذا لجأ إلى نيوتن عوضا عن ذلك. "جاء إدموند هالي لزيارته و سأله إن كان بإمكانه إثبات وجود علاقة بين المدارات الإهليجية المعروفة للكواكب و قانون التربيع العكسي و قال نيوتن إن بإمكانه ذلك و قال إن لديه دليلا، لذا وفقا لإحدى الروايات ركض نحو أوراقه فترة ثم عاد و إعتذر لأنه عاجز عن إيجادها، لكن بعد 3 أشهر تلقى هالي في المجمع الملكي نصا مذهلا يتألف من 11 صفحة فقط، لكن خلال فترة شهرين أو ثلاثة وضع نيوتن إن صح التعبير أسس الفيزياء الحديثة في 10 أو 11 صفحة." شجع هالي نيوتن لينشر هذه الصفحات بشكل رسمي، و أن يحيلها إلى كتاب و أن يري العالم ما فعله. نتج عن إطراءاته أن نيوتن نشر نظريته عن الجاذبية بالإضافة إلى قوانين أخرى و التي تصف كيف يسير العالم في مخطوطاته العلمية المذهلة برينكيبيا ماثيماتكيا (مبادئ الرياضيات) عام 1687. " برينكيبيا هي مجرد كتاب، لكن ياله من كتاب إنه من أروع الكتب، إنه من أفضل الكتب العلمية التي تم نشرها، و هو من أهم الكتب الثقافية التي تمت طباعتها. في النهاية أظن أن الناس يعتبرون كتاب نيوتن برينكيبيا ماثيماتكيا أساس العلم الحديث." لكن منافس نيوتن اللدود روبورت هوك مازال يدعي أنه أثبت نظرية هالي حول الجاذبية أولا. "كانت لدى هوك الفكرة، لكنه لم يستطع إستعمال الرياضيات ليشرح بشكل مناسب كيف تتحرك الكواكب، لذا أخذ نيوتن هذه الفكرة و طبق القوانين الرياضية المعقدة عليها." صرف نيوتن النظر عن مساهمة هوك. "غضب نيوتن كثيرا و أعترف بفضل هوك جزئيا في مسودات برينكيبيا، لكن بسبب عجرفة هوك و كبريائه قرر نيوتن إتمام برينكيبيا و أزال أية مرجعية لهوك بإستثناء أمرين." لكن في عام 1708 مات روبورت هوك، تغيرت حياة نيوتن بين ليلة و ضحاها، أطلق عملا آخر من أعماله الكبيرة، تكملة لأول تقرير له حول علم البصريات بعد 30 سنة من إتمام البحث الأصلي. "بعد موت روبورت هوك هيمن نيوتن على الإجراءات في المجمع الملكي للسنوات السبع التالية حتى موته عام 1727." لكن يظن بعض الخبراء أن أسرار نيوتن ليست مقتصرة على روبورت هوك. البروفيسور ويليام نيومان خبير في أعمال نيوتن في مجال الخيمياء، عام 2010 نيومان بإكتشاف أقنعه بأن نظريات نيوتن حول الضوء إستلهمها من أعماله في مجال الخيمياء. "لأن نيوتن فكر في أن الضوء يتألف من كريات مادية كما يسميها، كان من الطبيعي و الواضح أن يفكر في تحليل الضوء بالطريقة ذاتها التي يعتمدها المرء مع المواد الكيميائية." إن كان نيوتن سيحافظ على سمعته فالتكتم أمر أساسي. "الخيمياء أمر كان يعتبره معظم الناس إحتيالا، كانوا سيتسائلون لما عمل جاهدا على أمر كان يعتبره معظم الناس عملا مقتصرا على المحتالين و الحمقى." "إنغماس نيوتن في هذه الأمور رغم أنه كان شخصية بارزة جدا أظن أنه سيعتبر أمرا غريبا." حقيقة أن أحد أشهر علماء العالم مهووسا بالخيمياء تنم عن تناقض كبير، لكن لا تقتصر التناقضات على ذلك، لدى إسحاق نيوتن مصدر إهتمام مفاجئ أكثر. إنه مهووس بالشفرة السرية و التنبؤات في الإنجيل، و قد يكلفه ذلك وظيفته أو حتى حياته. "في السنوات العشرين أو الثلاثين الأخيرة، لدينا صورة عن نيوتن و هو مهتم جدا بالأفكار الدينية، قرر أنه سيحقق في مجال علم اللاهوت ما حققه في الرياضيات و الفيزياء، و تدريجيا بصفته بروتستانتيا متطرفا إنتقل من مذهبه العادي إلى شئ غريب جدا حتما كان يقضي 5 أو 6 ساعات يوميا في الدراسات الدينية." كتب عن الكتاب المقدس أكثر مما كتب عن العلم و الخيمياء مجتمعين. "دراسة نيوتن للكتاب المقدس تولت النصوص الأولى و تحليلها، لديه عقلية تحليلية لذا كان يحب إمعان النظر في سجلات الكنيسة الأولى و الكتاب المقدس." كان نيوتن مهووسا تحديدا بسفر رؤيا يوحنا، و يظن أنه يحتوي على معلومات سرية حول نهاية العالم. "بالنسبة إلى نيوتن و جماعته، كانوا يعرفون الحقيقة و يتم إضطهادهم دوما أو كانوا ينفون أو يضطرون إلى التكتم على أعمالهم كنيوتن، لكن في النهاية حين يحل يوم الحساب هؤلاء من سيرثون الأرض." في حقلي العلم الذي لا علاقة لهما ظاهريا، الخيمياء و علم اللاهوت إعترى نيوتن الهوس ذاته بالبحث عن الحقيقة في كل منهما. "بإستثناء شخص أو شخصين لم يعلم أحد خلال حياة نيوتن ما هي آرائه و معتقداته." كان نيوتن مقتنعا أنه الوحيد الذي منح هبة كشف أسرار الكون، سواء أكان عبر العلم أو الدين أو الخيمياء. و كان محافظا على غطاء من السرية الشديدة حول المجالات الثلاثة، لكن حتما كان هناك أمر إهتم نيوتن جدا بإبقائه سرا تحديدا و أخذه معه إلى القبر، نعلم أنه أتلف مئات الأوراق قبل أسابيع من موته.
"هناك مصدران يقولان أن نيوتن أحرق أشياء قبل موته؛ أحدهما يؤكد أنه رأى نيوتن يحرق كميات أشياء كبيرة قبل موته و في الغالب كانت تخص علم اللاهوت لكن نجهل سبب قيامه بهذا لأن الأشياء التي خلفها مدمرة عموما لا نستطيع تخيل ما هو الأسوأ من ذلك و أراد حرقه أظن أنه أحرق بعض الأوراق حول الخيمياء، لأن كميات كبيرة من الأوراق الموجودة لدينا حول الخيمياء هي عبارة عن ملاحظات متنبطة من كتابات الآخرين، لكن حتما هناك كتابات كثيرة إستلهمها نيوتن و لا نستطيع العثور عليها." الأوراق التي أحرقها نيوتن قبل موته قد تكون مجرد نسخ من مواد موجودة و أراد التخلص منها، لكن نظرا لإهتمامه بالخيمياء و علم اللاهوت يشك بعض الباحثين الآن في أمر أكثر غرابة في الوقت الحاضر. هذا التصرف الجرئ قد يبدو متطرفا لكن البروفيسور مايكل فيتزجيرالد يظن أن سببه حالة نيوتن؛ "أنا متأكد تماما من أن إسحاق نيوتن كان يعاني متلازمة أسبرجر، أعراض الحالة تضم ضعفا في العلاقات الإجتماعية، و قلة التعاطف، و النظرة الثاقبة، و مشكلة في قراءة تعابير الوجوه و حركات الجسم، و المصابون بها يميلون إلى التكرار في سلوكهم. غالبا ما كان يدون الأعمال بشكل متكرر كثيرا و ليست هذه مجرد صفحات أعمال بل غالبا ما تكون آلاف الكلمات التي يكرر كتابتها منذ البداية." فيتزجيرالد يصف خصائص أخرى يرها في عباقرة المصابين بأسبرجر، "لديهم إهتمامات محدودة و يعانون هوسا كبيرا في أمر ما و يلازمونه إلى أن ينالوا جائزة نوبل. أظن أن هناك العديد من الأدلة المستقلة على أن نيوتن بذل كل ما بوسعه بشكل مستمر و بالتأكيد إنخرط في هذا السلوك المشتت، و كان قادرا على أن يكون مركزا تماما و مهووسا بكل ما كان يقوم به." كما أن فيتزجيرالد يظن أيضا أن ألبرت أينشتاين و تشارلز داروين كانت لديهما أعراض متلازمة أسبرجر. إن كان نيوتن مصابا بمتلازمة أسبرجر، فسيعمل عقله بشكل مختلف عن الشخص العادي. "أصف الأمر بوجود 12 حاسوبا في الدماغ تعمل بشكل مستقل عن بعضها بعضا تقريبا، ليست متصلة و ليست متكاملة، كما تكون عادة في النظام العصبي العادي أو ما نسميه بالشخص الطبيعي؛ الآن هذه المعالجة الموضعية المكثفة قد تعمل بشكل أفضل بكثير من الدماغ المتكامل." بالإضافة إلى أن متلازمة أسبرجر تساعد في تفسير عبقرية نيوتن، تربط أيضا بين إهتماماته المختلفة ظاهريا علم اللاهوت، و الخيمياء، و الفيزياء، مناطق مختلفة في دماغه تعمل بشكل مستقل، لكن تبذل كلا منها طاقة موضعية مكثفة. "إنه شخص شديد التناقض، و هذا شائع جدا لدى العباقرة أن يكون لديهم جانب علمي و جانب غير عقلاني –يهتم بما وراء الطبيعة أو الروحانيات و ما شابه ذلك-، هذا غريب جدا لكنه شائع جدا لدى المصابين بمتلازمة أسبرجر أن يكون لديهم هذا الإنفصام." يظن فيتزجيرالد أن حياة نيوتن كانت ستختلف تماما لو لم يكن مصابا بمتلازمة أسبرجر؛ "لو لم يكن نيوتن مصابا بمتلازمة أسبرجر فلا أظن أنه كان سيصبح نيوتن الذي نعرفه و لن يكون موضوع حديثنا اليوم، كان سيكون مجرد مزارع آخر." حينما مات نيوتن كان أحد أشهر الرجال في العالم، "نيوتن الآن شخصية مضطربة أكثر، كان رجلا بارزا في زمانه كيف أفهم نظرته للعالم، و كيف برز علمه وفق ذلك، يجعل نظرتنا إليه مثيرة للإهتمام أكثر." "صورة نيوتن اليوم أكثر تعقيدا مما كانت عليه في الماضي، و بالرغم من ذلك لم يتغير مركزه كعالم قط، إنه أروع عالم خلال الألف عام الماضية." سواء أكان نيوتن مصابا بمتلازمة أسبرجر أو لا، تبرز صورة أكثر صدقا و إثارة للإهتمام إنه رجل عبقري يفتقر للطبيعة الإجتماعية لكن في النهاية يعتبر أحد أكثر الرجال المؤثرين في التاريخ.