×

We use cookies to help make LingQ better. By visiting the site, you agree to our cookie policy.


image

هاري بوتر وحجر الفيلسوف, ١٢ مــــرآة إريــسيــد

١٢ مــــرآة إريــسيــد

ذات صباح في منتصف شهر ديسمبر وقد اقتربت أعياد الكريسماس.. استيقظت (هوجوورتس) لتجد نفسها تحت أمتار من الجليد.. و قد تجمدت البحيرة وأصبحت كتلة من الصلب.. وقد عوقب التوءم (ويزلي)؛ لأنهما سحرا بعض كرات الثلج لتتقافز حول عمامة (كويريل).. وكان على البومات المعدودة التي استطاعت الوصول بالبريد في هذا الجو الجليدي العاصف أن تتلقى علاجًا على يد (هاجريد) قبل أن تستطيع الطيران مرة أخرى!

كان الجميع ينتظرون الإجازة على أحر من الجمر، ورغم أن المدافئ كانت مشتعلة طوال الوقت في الغرفة العامة في (جريفندور) والبهو العظيم فإن الممرات والدهاليز أصبحت شديدة البرودة، والرياح القوية كانت تهز نوافذ الفصول بشدة، أما أصعب الحصص فكانت حصص الأستاذ (سنايب) بالأسفل في الأقبية.. كان زفيرهم يخرج أمامهم على شكل ضباب، وكانوا يقتربون من مراجلهم الساخنة قدر المستطاع ليشعروا بالدفء.

وفي إحدى حصص الوصفات، قال (دراكو مالفوي) وهو ينظر إلى (هاري): «مساكين هؤلاء الذين سيقضون العيد وحدهم هنا؛ لأن أهلهم لا يريدونهم معهم!».

ضحك (كراب) و(جويل) ولكن (هاري) الذي كان يزن كمية من شوك سمك الأسد المطحون تجاهلهما؛ فقد كان يعرف أنهما في حالة شديدة من الضيق والغضب منذ هزيمتهما في مباراة (الكويدتش)! وكان (مالفوي) قد حاول بعد المباراة أن يجعل الجميع يسخرون من (هاري) وقال: إن على (جريفندور) أن يحضروا ضفدعًا ويُلبسوه نظارة ليحل محل (هاري) في المباراة القادمة، لكنَّ أحدًا لم يضحك؛ لأنهم جميعًا كانوا معجبين بالطريقة التي استطاع بها (هاري) البقاء فوق مقشته الجامحة، فعاد (مالفوي) غاضبًا وحاسدًا إلى معايرة (هاري) بافتقاده الأسرة من جديد.

لم يكن (هاري) عائدًا إلى (بريفت درايف) لقضاء إجازة الكريسماس وكانت الأستاذة (ماكجونجال) قد جاءت في منتصف الأسبوع الماضي لتسجيل أسماء الطلاب الذين سيقضون العيد في المدرسة، وسجل (هاري) اسمه في أول القائمة.. لم يكن حزينًا بأية حال.. من المؤكد أنه أفضل عيد في حياته..ومن حسن الحظ أن (رون) وإخوته أيضًا باقون في المدرسة.. فقد ذهبت أمهم وأبوهم إلى رومانيا؛ لزيارة شقيقهم (تشارلي).

وعندما خرجوا من الفصل بعد حصة الوصفات، وجدوا شجرة ضخمة تسد الممر، تحتها قدمان ضخمتان.. وصوت أنفاس تلهث وراءها.

مد (رون) رأسه بين الفروع وقال: «(هاجريد).. هل تريد مساعدة؟».

(هاجريد): «لا.. شكرًا يا (رون).. إنني بخير!».

وأتى صوت (مالفوي) البارد المتشدق من ورائهم: «هل يمكن أن تخلي الممر؛ حتى نستطيع المرور؟ ما الأمر يا (ويزلي)؟ هل تريد كسب بعض المال على أمل أن تعمل كحارس للبيوت عندما تترك (هوجوورتس)؟ لابد أن كوخ (هاجريد) يبدو كالقصر مقارنة بمنزل أسرتك».

كان (رون) على وشك أن يشتبك مع (مالفوي) في نفس اللحظة التي ظهر فيها (سنايب) صاعدًا السلم وصاح: «(ويزلي)!».

ترك (رون) ملابس (مالفوي).

قال (هاجريد) وقد أخرج وجهه الضخم المشعر من خلف الشجرة: «لقد استفزَّه (مالفوي) يا أستاذ (سنايب) وأهان أسرته».

قال (سنايب) بنعومة: «حتى لو كان هذا صحيحًا، فالشجار ضد قوانين (هوجوورتس) يا (هاجريد). تخصم خمس درجات من (جريفندور) يا (ويزلي). وكن شاكرًا أنها ليست أكثر من ذلك.. هيا أفسحوا الطريق جميعًا».

سلك (مالفوي) و(كراب) و(جويل) طريقهم بصعوبة حول غصون الشجرة وهم يبتسمون مستهزئين.

قال (رون) وهو يضغط على أسنانه غيظًا ناظرًا إلى ظهر (مالفوي): «لن أتركه..سأنال منه في يوم آخر..».

قال (هاري): «إنني أكرههما.. (مالفوي) و(سنايب)».

قال (هاجريد): «هيا.. انسوا الأمر وابتهجوا.. إنه الكريسماس! أقول لكم....تعالوا معي لتروا البهو العظيم بعد تزيينه».

وهكذا تبع (هاري) و(رون) و(هرمايني) (هاجريد) وشجرته إلى البهو العظيم.. وهناك شاهدوا الأستاذة (ماكجونجال) والأستاذ (فليتويك) وهما مشغولان بعمل ديكور البهو!

قالت الأستاذة: «آهٍ.. (هاجريد)، إنها الشجرة الأخيرة.. ضعها في هذا الركن البعيد لو سمحت!».

كان منظر البهو رائعًا يلمع بالأضواء.. وقد علقت حبال الزينة المصنوعة من فروع الشجر، والزهور حول الحوائط. ووزع ما لا يقل عن اثنتي عشرة شجرة كريسماس عالية في المكان.. بعضها يتألق بكرات بلُّورية لامعة.. وبعضها تضيئه مئات الشموع!

سألهما (هاجريد): «متى تبدأ إجازتكما؟».

قالت (هرمايني): «بعد يوم واحد.. وهذا يذكرني..(هاري) و(رون).. لدينا نصف ساعة للراحة قبل الغداء.. يجب أن نتجه إلى المكتبة!».

قال (رون): «آهٍ.. صحيح.. عندك حق». وأبعد نظره بصعوبة عن الأستاذ (فليتويك) الذي كان يُخرج من طرف عصاه فقاقيع ذهبية متلألئة ثم يوجهها لتزين فروع الشجرة الجديدة التي أحضرها (هاجريد).

قال (هاجريد) وهو يتبعهم إلى خارج البهو: «عظيم.. إنكم تهتمون جيدًا بالدراسة!».

قال (هاري) بمرح: «أوه! إننا لا نذهب للدراسة.. الحقيقة أنك منذ ذكرت (نيكولاس فلاميل)، ونحن نبحث في الكتب عن أي معلومات عنه!».

بدا (هاجريد) مصدومًا وقال: «أنتم... ماذا؟! قلت لكم: انسوا الموضوع، فما يحرسه هذا الكلب لا يعنيكم في شيء!».

(هرمايني): «نريد أن نعرف من هو (نيكولاس فلاميل)، هذا كل ما في الأمر!».

(هاري): «إلا إذا تفضلت بإخبارنا ووفرت علينا عناء البحث في المزيد من الكتب، فقد بحثنا في مئات الكتب حتى الآن ولم نجد شيئًا.. لمَ لا تعطينا إشارة؟ أنا متأكد أنني قرأت الاسم في مكان ما!».

قال (هاجريد) بشكل حاسم: «لا.. لن أقول شيئًا!».

(رون): «يجب أن نعرف بأنفسنا إذًا!» وتركوا (هاجريد) غاضبًا وأسرعوا إلى المكتبة!

والحقيقة أنهم كانوا يبحثون في الكتب عن (فلاميل) منذ نطق (هاجريد) بالاسم؛ لأن هذه هي الوسيلة الوحيدة لمعرفة الشيء الذي يريد (سنايب) سرقته! لكن المشكلة أنهم لا يعرفون من أين تكون البداية.. فهم لا يعرفون ماذا فعل فلاميل حتى يكون اسمه في كتاب! لم يكن في كتاب أعظم السحرة في القرن العشرين ولا أشهر السحرة في هذا الزمان ولا في أهم الاكتشافات السحرية الحديثة ولا دراسة لأحدث التطورات في عالم السحر، ومع ذلك بقيت مئات الألوف من الكتب في المكتبة.. آلاف فوق الرفوف.. وآلاف مؤلفة مرصوصة في صفوف لا تنتهي!

أخرجت (هرمايني) قائمة بها موضوعات وعناوين كتب تريد البحث عنها، بينما اتجه (رون) إلى صف من الكتب وبدأ يسحب من الرفوف بشكل عشوائي. أما (هاري) فقد ذهب يتجول بالقرب من القسم المحظور في المكتبة، وكان يتساءل إذا كان اسم (فلاميل) موجودًا في أحد الكتب هناك، ولكن للأسف لا يسمح للطلاب بالاطلاع على كتب هذا القسم إلا بإذن كتابي من أحد المدرسين، وكان متأكدًا أنه لا يستطيع الحصول على هذا الإذن أبدًا، فقد كانت هذه الكتب هي التي تتكلم عن فنون السحر الأسود الخطيرة التي لا يتم تدريسها في (هوجوورتس) أبدًا ولا يقرؤها إلا الطلاب الأكبر سنًّا الذين يدرسون المستوى المتقدم في مادة (الدفاع عن النفس ضد فنون الظلام).

فوجئ (هاري) بالسيدة (بنس) أمينة المكتبة تسأله: «ما الذي تبحث عنه يا فتى؟».

أفزعته المفاجأة فقال: «لا شيء».

أشارت إليه بريشة إزالة الأتربة وقالت: «إذًا إلى الخارج.. هيَّا.. اخرج فورًا!».

أسرع (هاري) خارجًا وهو يتمنى لو كان سريع التفكير واخترع لها قصة ما. وكان قد اتفق مع (رون) و(هرمايني) على عدم سؤال السيدة (بنس) عما يبحثون عنه رغم أنهم كانوا متأكدين أنها كانت قادرة على إخبارهم أين يجدونه فإنهم كانوا غير مستعدين للمجازفة بأن يعرف (سنايب) ما يبحثون عنه.

انتظر (هاري) في الممر؛ عسى أن ينجح زميلاه في العثور على شيء.. لكنه لم يكن كثير التفاؤل. فقد كانوا يبحثون منذ أسبوعين بلا نتيجة.. وعلى أية حال، فقد كانت فترات البحث تقتصر على أوقات الراحة القصيرة بين الحصص، ولذلك كانت فرصتهم ضئيلة لإيجاد أي شيء..كانوا يحتاجون إلى البحث بحرية ولفترة طويلة وبدون تدخل من السيدة (بنس) حتى يجدوا ما يبحثون عنه.

وبعد خمس دقائق، لحق به (رون) و(هرمايني) وهما يهزان رأسيهما يأسًا.. واتجهوا جميعًا إلى قاعة الطعام!

قالت (هرمايني): «طبعًا ستقومان بالبحث في أثناء غيابي في الإجازة.. أرسلا لي بومة لو وجدتما أي شيء!».

قال (رون): «وعليك بسؤال والديك إذا كانا يعرفان شيئًا عن (فلاميل).. ما رأيك؟».

قالت (هرمايني) ضاحكة: «طبعًا.. ولم لا؟ خاصة أنهما طبيبا أسنان!! !».

وبمجرد أن بدأت الإجازة.. أخذ (هاري) و(رون) يتمتعان بوقتهما تمامًا.. كان عنبر النوم خاصًّا بهما وحدهما..والغرفة العامة كانت خالية تقريبًا.. وانشغلا عن البحث عن (فلاميل) بقضاء الساعات جالسين بالمقاعد المريحة بجوار المدفأة يأكلان أي شيء يمكن فرده فوق العيش المحمص والفطائر، ويدبران المقالب؛ لجعل (مالفوي) يُطرد من المدرسة، والتي كان من الممتع التحدث عنها حتى ولو كانت غير قابلة للتنفيذ.

وبدأ (رون) في تعليم (هاري) لعبة شطرنج السحرة، والتي تشبه شطرنج العامة، فيما عدا أن قطع الشطرنج كانت حية، فبدت اللعبة مثل توجيه القوات في معركة حقيقية.. كانت مجموعة الشطرنج الخاصة بـ(رون) قديمة.. مثل كل شيء آخر يملكه؛ حيث كانت تخص جده إلا أن كبر سن قطع الشطرنج لم يكن مشكلة لـ(رون) على الإطلاق الذي كان لاعبًا ماهرًا ولم يكن يجد مشكلة في تحريكها كما يريد، أما (هاري) الذي كان مبتدئًا في هذه اللعبة ويستخدم مجموعة شطرنج استعارها من (شيموس) فكان يجد مشكلة في تحريك القطع التي كانت تعترض على قراراته طوال الوقت وتسدي إليه نصائح مثل: «لا ترسلني إلى هذا المكان، ألا ترى الحصان؟ أرسله هو.. يمكننا أن نتحمل خسارته»؛ مما كان يربكه ويحيره.

في ليلة الكريسماس، نام (هاري) وهو يتطلع إلى وليمة العيد والمرح في اليوم التالي ولم يكن يتوقع أية هدايا، ولكنه عندما استيقظ في الصباح كان أول ما رآه كومة صغيرة من الهدايا بجوار فراشه!

قال (رون) وهو يتثاءب: «عيد سعيد..». بينما خرج (هاري) من فراشه ووضع روبه فوق ملابس النوم وقال: «عيد سعيد لك يا (رون).. انظر إلى هذا! لقد وصلتني بعض الهدايا!».

قال (رون): «ما الذي توقعته؟ بعض اللفت بدلًا من الهدايا مثلًا!». ثم التفت إلى كومة هداياه والتي كانت أكثر بكثير من هدايا (هاري)!

فتح (هاري) الربطة الأولى وكانت ملفوفة في ورق بني سميك ومكتوبًا عليها: «إلى (هاري).. من (هاجريد)».. ووجد بداخلها مزمارًا من الخشب بدائي الصنع.. من الواضح أن (هاجريد) صنعه بنفسه، وعزف (هاري) على المزمار فجاء صوته مثل صوت البوم!

الطرد الثاني كان صغيرًا جدًّا.. ومعه رسالة: «وصلتنا رسالتك ومرسل لك هدية العيد من الخال (فيرنون) والخالة (بتونيا)»، وملصق بالرسالة قطعة نقود قيمتها خمسون قرشًا!

نظر (رون) إلى النقود بانبهار وقال: «شكلها غريب جدًّا! هل هي نقود؟».

ضحك (هاري) وقال: «نعم..ويمكنك الاحتفاظ بها!».

وأمسك (هاري) بربطة أخرى وقال: «(هاجريد).. خالتي وزوجها. تُرَى من الذي أرسل لي الباقي؟».

قال (رون) بخجل وهو يشير إلى إحدى الربطات: «أظنني أعرف من أرسل هذه.. إنها أمي.. لقد أخبرتها أنك لا تتوقع هدايا... آه.. لا.. يبدو أنها صنعت لك أحد بلوفرات آل (ويزلي)!».

كان (هاري) قد فتح الطرد ووجد فيه «بلوفر» مصنوعًا يدويًّا.. لونه زمردي ومعه صندوق كبير من الحلوى المصنوعة منزليًّا!

قال (رون) وهو يفتح الربطة التي تحوي البلوفر الخاص به: «في كل عام تصنع لنا هذه البلوفرات.. البلوفر الخاص بي دائمًا لونه نبيتي».

قال (هاري) وهو يتذوق الحلوى التي كانت لذيذة جدًّا: «إنه عمل رائع منها!».

الهدية التالية كانت تحتوي على حلوى أيضًا؛ صندوق كبير من شيكولاتة الضفادع أرسلته له (هرمايني)!

ورفع (هاري) الهدية الأخيرة.. كانت خفيفة جدًّا! فتحها فورًا!

وخرج منها شيء ناعم وفضي انساب على الأرض.. واستقر في طبقات.

أسقط (رون) صندوق الحبوب بكل النكهات والذي وصله من (هرمايني) وقال مندهشًا: «إذا كان هذا ما أتصوره.. فهو شيء نادر وثمين جدًّا!».

وسأل (هاري): «ما هو؟».

ورفع القماش الفضي اللامع من على الأرض.. كان ملمسه غريبًا، يشبه ملمس الماء.

قال (رون) مبهورًا: «إنها عباءة الإخفاء، إنني متأكد من ذلك! هيَّا جربها!».

ووضع (هاري) العباءة على كتفيه.. وصرخ (رون): «إنها هي فعلًا! انظر إلى أسفل!».

نظر (هاري) إلى قدميه.. لكنهما لم تكونا موجودتين.. أسرع إلى المرآة.. فلم ير من انعكاس صورته سوى رأسه، وكأنه يطير وحده في الهواء وقد اختفى جسمه تمامًا! جذب العباءة على رأسه.. فاختفت صورته من المرآة تمامًا!

قال (رون) فجأة: «هناك رسالة.. توجد رسالة سقطت منها!».

وخلع (هاري) العباءة.. ووجد رسالة مكتوبة بخط رفيع غريب، لم يَرَ مثله من قبل كانت تحوي الكلمات التالية:

«ترك والدك هذه العباءة معي قبل أن يموت.

وقد حان وقت عودتها إليك!

استعملها في الخير..

عيد سعيد».

لم يجد (هاري) توقيعًا على الرسالة وأخذ يحدق بها، بينما أخذ (رون) ينظر إلى العباءة بإعجاب وقال: «أنا مستعد للاستغناء عن أي شيء لأحصل على واحدة منها.. أي شيء.. ما الأمر؟».

قال (هاري): «لا شيء.» كان يشعر بالحيرة الشديدة.. من الذي أرسلها؟ وهل كانت حقيقة ملكًا لأبيه؟

وقبل أن يتحدث أو يفكر في أي شيء آخر.. انفتح باب عنبر النوم.. ودخل (فريد) و(جورج ويزلي).. جمع (هاري) العباءة وخبأها.. لا يريد أن يراها أحد آخر..

«عيد سعيد!».

«هيه.. انظر، (هاري) معه بلوفر من بلوفرات آل (ويزلي)!».

كان (فريد) و(جورج) يرتديان بلوفرين أزرقيْن، أحدهما عليه حرف (ف) أصفر كبير والآخر عليه حرف (ج) أصفر كبير.

قال (فريد) وهو يمسك ببلوفر (هاري): «بلوفر (هاري) أفضل من بلوفراتنا، من الواضح أنها تبذل مجهودًا أكبر عندما يكون الشخص من خارج العائلة».

وقال (جورج): «(رون).. لماذا لا تلبس البلوفر الخاص بك؟ هيا ارْتَدِهِ.. إنه ناعم ودافئ!».

قال (رون) وهو يضعه فوق رأسه: «إنني أكره اللون النبيتي!».

قال (جورج) ملاحظًا: «على الأقل فإن البلوفر الخاص بك ليس عليه حرف، يبدو أنها تظن أنك لا تنسى اسمك، ولكننا لسنا أغبياء.. فنحن نعرف أن أسماءنا هي جريد وفورج».

ودس (بيرسي) رأسه داخل الحجرة، وقد بدا على وجهه الاستياء وقال: «ما هذا الضجيج؟».

يبدو أنه كان يفتح هداياه هو أيضًا؛ لأنه كان يحمل «بلوفر» مجعدًا على ذراعه، التقطه (فريد) وقال: «(بيرسي).. لماذا لا ترتدي البلوفر؟ إننا جميعًا نرتديه، حتى (هاري) معه بلوفر مثلنا..».

قال (بيرسي) بتثاقل: «ولكننى... لا أريد...» بينما أدخل التوءم البلوفر في رأسه بالقوة؛ مما أوقع نظارته عن عينيه.

قال (جورج): «كما أنك لن تجلس مع رواد المنازل اليوم. فالأعياد هي لاجتماع أفراد العائلة معًا».

ودفعا (بيرسي) أمامهما ويداه ملتصقتان بجسمه داخل البلوفر!

لم يتناول (هاري) طوال حياته وليمة كريسماس مثل هذه.. كانت مئات الديوك الرومي المشوية الضخمة تمتد على الموائد، ومعها جبال من البطاطس المشوية والمقلية، وأطباق ضخمة من السجق الدسم، وأطنان من الخضراوات المحمرة بالزبد، بالإضافة إلى أنواع مختلفة من الصلصات والسلطات، وقد انتشرت على الموائد أكياس هدايا السحرة المتفجرة.. وكانت مختلفة تمامًا عن أكياس الهدايا التي اعتاد آل (درسلي) شراءها في الأعياد والتي كانت تحتوي عادة على لعب بلاستيكية صغيرة، وقبعات ورقية ملونة. وجذبَ (هاري) و(فريد) أحد أكياس السحرة.. فانفجرت بصوت قوي كالمدفع.. وغطتهم جميعًا بسحابة زرقاء من الدخان.. وخرج منها قبعة مساعد قبطان بحري والكثير من الفئران البيضاء الحية.. وعلى مائدة الأساتذة، كان (دمبلدور) قد بدل قبعته السحرية إلى كاب من الزهور، وكان يضحك بسعادة على دعابة قالها له الأستاذ (فليتويك)!

وبعد الديوك الرومي جاءت حلوى الكريسماس المختلفة وكاد (بيرسي) أن يكسر أسنانه بسبب سيكل فضي داخل الحلوى، وشاهد (هاري) (هاجريد) جالسًا على مائدة الأساتذة.. يتكلم مع الأستاذة (ماكجونجال) ولدهشته شاهدها تضحك بمرح على شيء قاله لها.

وعندما غادر (هاري) المائدة أخيرًا، كان محملًا بالألعاب التي خرجت من أكياس الهدايا المتفجرة.. كيس من البالونات المضيئة التي لا تفرقع، وصندوق لإنبات الدمامل بنفسك، ومجموعة شطرنج جديدة خاصة به.. أما الفئران البيضاء فكانت قد اختفت تمامًا.. وأحس (هاري) أنها قد انتهت كعشاء العيد للسيدة (نوريس).

وبعد الظهر، قضى (هاري) وأولاد عائلة (ويزلي) وقتًا سعيدًا رائعًا في لعبة قتال بكرات الثلج في الفناء الخارجي.. ثم لجئوا من البرد ــ وهم يلهثون من التعب ــ إلى جوار المدفأة في غرفة (جريفندور) العامة؛ حيث فتح (هاري) مجموعة الشطرنج الجديدة ولعب مع (رون) دورًا هزمه فيه (رون) هزيمة منكَرة، وفكر (هاري) أنه لم يكن ليخسر بهذا الفارق الكبير لو أن (بيرسي) لم يحاول مساعدته بكل قوته.

وبعد الشاي الساخن وسندوتشات الديك الرومي وكعك العيد اللذيذ، شعروا جميعًا بالامتلاء، وداعب النوم جفونهم، ولم يعد بإمكان أي منهم فعل أي شيء سوى مراقبة (بيرسي) وهو يطارد التوءم في كل مكان ببرج (جريفندور).. بعد أن خطفا شارة رائد المنزل منه!

وكان هذا أسعد يوم عيد أمضاه (هاري) في حياته.. ولم يجد وقتًا ليفكر في عباءة الإخفاء أو في الذي أرسلها حتى وصل إلى السرير!

أما (رون) فلم يكن لديه ما يتذكره.. وساهم الشبع والامتلاء في سرعة استغراقه في النوم.. فلم يشعر بشيء حوله! انحنى (هاري) على جانب السرير.. وجذب العباءة من تحته.. هل كانت حقًّا ملكًا لأبيه؟ وتركها تنساب فوق يديه، ناعمة أكثر من الحرير.. خفيفة كالهواء.. قالت الرسالة: «استعملها في الخير!».

يجب أن يجربها.. الآن.. هبط من السرير.. ولفها حوله، نظر إلى قدميه.. لم يَرَ سوى نور القمر والظلال.. وشعر شعورًا غريبًا.. «استعملها في الخير!».

فجأة.. شعر (هاري) بيقظة تامة.. إن (هوجوورتس) كلها مفتوحة أمامه وهو يرتدي هذه العباءة.. وتملكته روح المغامرة وهو يقف صامتًا في الظلام.. يستطيع الآن أن يذهب إلى أي مكان.. أي مكان.. دون أن يعرف (فيلش) شيئًا!

كان (رون) مستغرقًا في النوم وفكر (هاري) أن يوقظه ثم تراجع وفكر إنها أول مرة يرتدي فيها عباءة والده، ويريد أن يجربها وحده هذه المرة.

تسلل من عنبر النوم.. هبط السلالم.. عبر الغرفة العامة.. وخرج من فتحة اللوحة.. وهتفت السيدة البدينة: «من هناك؟» لم يرد (هاري) ومضى مسرعًا في الممر!

ثم توقف.. أين يذهب؟ اشتدت ضربات قلبه.. دارت أفكاره.. فاتخذ قراره.. سيذهب إلى القسم المحظور في المكتبة.. يستطيع أن يقرأ ما يشاء.. ويبحث كما يشاء.. حتى يعرف من هو (فلاميل)، واتجه إلى هدفه وقد ضم عباءة الإخفاء حول جسمه جيدًا!

كانت المكتبة تسبح في بقعة من الظلام المخيف.. وأشعل (هاري) مصباحًا؛ حتى يعرف طريقه بين الكتب.. وبدا المصباح وكأنه يسبح في الهواء، ورغم أن (هاري) كان يشعر بذراعه التي تمسك بالمصباح فإن منظره كان مع ذلك مرعبًا.

كانت المنطقة المحظورة في مؤخرة المكتبة. وعبر (هاري) الحبل الذي يفصل هذه الكتب عن بقية كتب المكتبة وهو يمسك المصباح عاليًا؛ حتى يستطيع قراءة عناوين الكتب.

لم تخبره العناوين بشيء عن المحتوى، فقد كانت الحروف الذهبية تكوِّن كلمات بلغات لم يرها (هاري) من قبل.. وبعضها دون عنوان.. ورأى كتابًا عليه بقعة داكنة بدت كبقعة من الدماء.. فاقشعر بدنه خوفًا.. خيل إليه، ربما كان وهمًا أو حقيقة أنه يسمع همسًا دائرًا بين الكتب، وكأنها تشعر بوجود دخيل عليها!

يجب أن يبدأ بالبحث في مكان ما.. وضع المصباح على الأرض بحذر.. وجلس بجواره ينظر إلى الكتب الموجودة في الرف الأسفل.. لفت نظره مجلد ضخم أسود وفضي، جذبه من مكانه بصعوبة؛ فقد كان ثقيلًا.. حاول أن يضعه على ركبتيه، ولكنه سقط مفتوحًا على الأرض!

وقطع السكون صرخة حادة عالية.. مخيفة.. رهيبة صدرت عن الكتاب! أغلقه (هاري) بسرعة.. لكن الصراخ استمر.. واستمر عاليًا.. عاليًا يخترق الآذان.. وتعثر (هاري) في محاولة الهروب.. وسقط المصباح وانطفأ في الحال.. وازداد ارتباكًا؛ فقد سمع أصوات خطوات تقترب في الممر خارج المكتبة.. دس الكتاب مكانه.. وجرى؛ لينقذ حياته! ومر بجوار (فيلش) عند الباب تقريبًا.. وكان (فيلش) ينظر نحوه مباشرة دون أن يراه ومر (هاري) من تحت ذراعه الممدودة وأسرع يجري في الممر.. وصرخات الكتاب لا تزال تتوالى وراءه.. واستمر يجري دون أن يعرف طريقه؛ فقد كان الظلام حالكًا.. وتوقف أخيرًا بجوار بذلة حديدية، لم تكن لديه أي فكرة عن مكانه.. كان يعرف أن هناك بذلة حديدية بالقرب من المطابخ، ولكن.. لابد أنه فوقها بخمسة طوابق على الأقل..

فجأة، وصل إليه صوت (فيلش): «طلبت مني يا سيدي أن أخبرك إذا تجول أحد في المكان في أثناء الليل.. وقد سمعت صوت بعضهم في المنطقة المحظورة بالمكتبة!».

وتجمد الدم في عروق (هاري).. لا بد أن (فيلش) يعرف طريقًا مختصرًا، فقد كان صوته قريبًا وزاد رعبه عندما سمع الصوت الذي يجيبه.. إنه صوت (سنايب) الذي قال: «المنطقة المحظورة.. حسنًا.. لا يمكن أن يكونوا قد ابتعدوا.. هيا بنا..».

وتجمد (هاري) في مكانه وسمع صوت خطواتهما تقترب.. ثم رآهما وهما آتيان من طرف الممر.. ماذا لو اصطدما به؟! إن الممر ضيق.. إنهما لن يرياه حقًّا.. ولكن من الممكن أن يشعرا بجسده.. تراجع قليلًا بأكبر قدر ممكن من الهدوء.. ووجد على يساره بابًا نصف مفتوح.. كان أمله الوحيد.. لم يتردد.. دفع جسمه من فتحة الباب وقد كتم أنفاسه محاولًا ألا يحرك الباب ولحسن حظه استطاع الدخول دون أن يلاحظا شيئًا واستمرا في طريقهما.. استند (هاري) إلى الحائط وهو يتنفس بعمق، ويستمع إلى خطوات أقدامهما وهي تبتعد.. لقد نجا في اللحظة الأخيرة!

ومرت عدة ثوان قبل أن ينظر حوله.. وجد نفسه في إحدى الغرف الدراسية غير المستغلة، كانت مكاتب ومقاعد الدراسة القديمة مكدسة فوق بعضها بجوار الحائط.. وهناك سلة مهملات مقلوبة.. لكن برز على الحائط المقابل له شيء غريب، يبدو وكأنه لا ينتمي إلى المكان.. ربما كان موضوعًا مؤقتًا حتى ينقل إلى مكان آخر..

كانت مرآة فاخرة.. ترتفع إلى السقف.. لها برواز مزخرف من الذهب.. تقف على حامل من قدمين..وهناك قوس في قمتها مكتوب عليها (إريسيد سترا اهرو ايت يوبي كافرو يوت أون وهسي).

كان خوفه قد تبدَّد الآن بعد أن ابتعد (سنايب) و(فيلش) واقترب من المرآة.. يريد أن ينظر إليها؛ ليتأكد أنه خفيٌّ فعلًا، وتوقف أمامها!

واستطاع في اللحظة الأخيرة أن يضع يده على فمه؛ حتى يمنع صرخة من الانطلاق عاليًا، واستدار ينظر خلفه، كان قلبه يدق أكثر من اللحظة التي فوجئ فيها بصرخة الكتاب؛ لأنه رأى ليس فقط صورته في المرآة.. بل عددًا كبيرًا من الناس يقف وراءه!

استدار خلفه، لكن الغرفة كانت خالية، عاد يدور ببطء ليواجه المرآة.. ومرة أخرى رأى نفسه وقد ابيض وجهه من الرعب ووراءه عشرة أشخاص على الأقل.. ونظر من فوق كتفيه إلى الخلف، لكنه لم يجد أحدًا.. هل يرتدون هم أيضًا عباءات الإخفاء؟ ربما كانت هذه المرآة سحرية تعكس الناس حتى لو كانوا خفيين.

عاد ينظر إلى المرآة، رأى سيدة تقف وراءه تمامًا، تبتسم وتلوح بيدها له.. مد يده.. لو أنها موجودة فسوف يلمسها..لكن يده لامست الهواء.

كانت هي والآخرون موجودين فقط في المرآة!

إنها جميلة جدًّا.. شعرها أحمر داكن، وعيناها مثل عينيه تمامًا.. وفكر (هاري) وهو يقترب أكثر من المرآة في أن عينيها خضراوان مثل لون عينيه وشكلهما شكل عينيه تمامًا.. ولكنه لاحظ أنها تبكي.. كانت تبتسم وتبكي في وقت واحد! وبجوارها رجل طويل ورفيع ذو شعر أسود.. يضع ذراعه حول كتفيها..كان يضع نظارة..وكان شعره غير مرتب ومسرَّحًا إلى الخلف تمامًا مثل شعر (هاري)!

اقترب (هاري) من المرآة الآن حتى لامس أنفه أنف انعكاس صورته في المرآة.

وهمس: «أمي.. أبي».

ووقفا مكانهما يبتسمان.. ونظر (هاري) بتمعن إلى بقية الموجودين في المرآة؛ عيون خضراء أخرى مثله.. وأنوف مثل أنفه، كان (هاري) ينظر إلى عائلته لأول مرة في حياته!

وابتسمت له عائلة (بوتر).. ولوحوا بأيديهم.. ونظر إليهم (هاري) بلهفة شديدة.. ومد يده إلى المرآة.. وكأنه يريد أن يعبر المرآة ويصل إليهم.. وكان يشعر داخله بشعور غريب؛ نصف سعيد.. ونصف حزين!

ولم يعرف كم مضى من الوقت وهو يقف مكانه.. ظلت الخيالات في المرآة مكانها..وظل (هاري) ينظر إليها حتى أعاده إلى صوابه سماعُه صوت ضجيج قادمًا من بعيد.. لم يعد بإمكانه البقاء أكثر من ذلك.. يجب أن يبحث عن طريق العودة، وأن يعود إلى فراشه.. وأبعد نظراته عن وجه أمه بصعوبة..وهمس وهو يسرع خارجًا: «سأعود مرة أخرى!».

قال (رون) لائمًا: «لماذا لم توقظني لأذهب معك؟».

(هاري): «تعالَ معي الليلة، سأعود إلى هناك.. أريدك أن ترى هذه المرآة».

قال (رون) بحماس: «أريد أن أرى والدك ووالدتك!».

(هاري): «وأنا أريد أن أرى باقي عائلة (ويزلي)، سيكون بإمكانك أن تريني باقي إخوتك والجميع».

(رون): «يمكنك أن تراهم في أي وقت. تعالَ إلى منزلي خلال الصيف وسترى الجميع.. وعلى أية حال، ربما تكون المرآة تظهر الموتى فقط، ولكن من المؤسف أنك لم تجد (فلاميل). خذ بعض هذا اللحم..لماذا لا تأكل أي شيء؟».

لم يستطع (هاري) أن يأكل في هذا اليوم؛ لقد قابل والديه، وسوف يراهما الليلة مرة أخرى.. كيف يفكر في شيء آخر.. لقد نسي كل شيء عن (فلاميل) وفقد الأمر أهميته بالنسبة له، ولماذا يفكر في الكلب ذي الرءوس الثلاثة؟ ولماذا يهتم بما يريد (سنايب) أن يسرقه؟ لا شيء يهم! !

سأله (رون): «هل أنت بخير؟ تبدو غريبًا!».

أكثر ما كان يشغل (هاري) هو خوفه من أن يضل طريقه ولا يعرف مكان حجرة المرآة.. اصطحب (رون) ووضعا العباءة حولهما..وسارا ببطء في ظلام الليل، حاولا أن يتبعا طريق (هاري) في أثناء عودته من المكتبة.. وأخذا يتجولان في الممرات المظلمة ومرت ساعة كاملة..

قال (رون): «الجو بارد جدًّا.. إنني أتجمد.. فلننس الأمر.. هيا بنا نَعُدْ».

همس (هاري): «لا، أنا متأكد أنها هنا في مكان ما».

مرَّا بشبح ساحرة طويلة متجه في الجهة الأخرى، ولكنهما لم يريا أحدًا آخر.. وفي اللحظة التي بدا فيها (رون) يتأوه شاكيًا أن قدميه قد تجمدتا تمامًا.. استطاع (هاري) أن يرى البذلة الحديدية.

«نعم..ها هي ذي.. إنها هذه الحجرة».

دفعا الباب.. وألقى (هاري) العباءة عن كتفيه، وأسرع إلى المرآة! كانوا هناك وابتسم أبوه وأمه مرحبيْن بعودته!

وهمس (هاري): «هل رأيت؟».

(رون): «لا أرى شيئًا!».

(هاري): «انظر.. انظر جيدًا، إنهم مجموعة كبيرة..».

(رون): «إنني أراك أنت فقط!».

(هاري): «تعالَ مكاني، ربما ترى أفضل..».

وتبادلا الأماكن..وما إن أصبح (رون) أمام المرآة حتى أصبح (هاري) غير قادر على رؤية أسرته في المرآة ولم ير إلا (رون) الذي أخذ ينظر إلى صورته متعجبًا وقال: «انظر إلي!».

(هاري): «هل ترى أهلك حولك؟».

(رون): «لا.. إنني وحدي.. لكنني أكبر سنًّا.. مختلف..وأنا رائد المنزل!».

(هاري): «ماذا؟».

(رون): «إنني أضع الشارة التي اعتاد (بيل) أن يضعها، وأحمل كأس المنازل.. وكأس (الكويدتش)..إنني كابتن فريق (الكويدتش) أيضًا!».

وانتزع (رون) نظراته بصعوبة عن صورته، ونظر إلى (هاري) بحماس وقال: «هل تعتقد أن المرآة تُظهر المستقبل؟».

(هاري): «كيف؟ إن كل عائلتي قد ماتت..دعني أُلْقِ نظرة أخرى!».

قال (رون): «دعها لي.. لقد استأثرت بها طوال ليلة أمس!».

(هاري): «وماذا ترى؟ صورتك وأنت تحمل الكأس.. وماذا في هذا؟ أريد أن أرى عائلتي!».

(رون): «لا تدفعني..».

وفجأة سمعا صوتًا في الممر بالخارج وضع حدًّا لهذه المناقشة.. لم يشعرا بأنهما كانا يتحدثان بصوت مرتفع!

«بسرعة!»

أسرع (رون) يضع العباءة عليهما في اللحظة التي لمعت فيها عينا السيدة (نوريس) التي تسللت داخلةً من الباب.. وقفا مكانهما ثابتين وهما يفكران في نفس الشيء.. تُرَى، هل يمكن للقطط أن تراهما رغم عباءة الإخفاء؟ وتصورا أن دهرًا قد مضى، قبل أن تستدير القطة وتخرج! وقال (رون): «يجب أن نذهب فورًا.. قد تكون في طريقها الآن إلى (فيلش).. يمكن أن تكون قد سمعتنا! هيا بنا».

وجر (رون) (هاري) من يده وخرجا من الحجرة!

لم يكن الجليد قد توقف عن السقوط في الصباح التالي..

قال (رون): «هل تلعب الشطرنج يا (هاري)؟».

(هاري): «لا».

(رون): «تعالَ إذًا لنزور (هاجريد)!».

(هاري): «لا.. اذهب أنت!».

(رون): «إنني أعرف ما تفكر فيه يا (هاري).. تلك المرآة..ولكن هذا خطير.. لا تعد هذه الليلة!».

(هاري): «لماذا؟».

(رون): «لا أعرف بالضبط.. لديَّ إحساس سيئ بخصوصها، كما أنني أخاف عليك، هناك الكثيرون الذين يراقبون المكان.. (فيلش) و(سنايب) والسيدة (نوريس).. حتى لو كانوا لا يرونك؛ ماذا لو اصطدمت بأحدهم؟ أو أسقطت شيئًا بدون قصد؟».

(هاري): «تتكلم مثل (هرمايني)».

(رون): «(هاري)، أنا جاد.. أرجوك لا تذهب».

لكن (هاري) كان يفكر في شيء واحد فقط؛ العودة إلى المرآة.. ولن يوقفه (رون) أبدًا!

وفي هذه الليلة الثالثة، وجد طريقه بسرعة.. وكان يتحرك بسرعة كبيرة ويصدر الكثير من الأصوات.. غير أنه لم يقابل أحدًا..

وهناك، وجد أمه وأباه يبتسمان له مرة أخرى.. وأحد أجداده يشير إليه في سرور.. لم يكن هناك ما يوقفه الآن، وجلس على الأرض.. سوف يقضي الليلة كلها مع عائلته.

إلا...

«إذًا.. فقد عدت مرة أخرى يا (هاري)!».

شعر (هاري) بأنه غارق في الجليد.. ونظر خلفه وعلى أحد مقاعد الدراسة، رأى شخصًا.. إنه (ألباس دمبلدور)! يبدو أن (هاري) مرَّ من أمامه دون أن يراه؛ فقد كان اهتمامه على أية حال منصبًّا على العودة أمام المرآة في أسرع وقت.

قال (هاري): «إنني لم... لم أرك يا سيدي!».

(دمبلدور): «من الغريب أن يجعلك الاختفاء قصير النظر» اطمأن (هاري) عندما وجده يبتسم!

ترك (دمبلدور) مقعده وانتقل ليجلس على الأرض بجوار (هاري) وقال: «إذًا يا (هاري) لقد اكتشفت مثل مئات قبلك متعة النظر في مرآة (إريسيد)!».

(هاري): «لم أكن أعرف اسمها!».

(دمبلدور): «لكنني أعتقد أنك تعرف ما تفعله».

(هاري): «إنها.. حسنًا.. لقد جعلتني أرى عائلتي!».

(دمبلدور): «ورأى (رون) صديقك أنه رائد المنزل».

(هاري): «كيف عرفت؟».

قال (دمبلدور) بلطف: «لست في حاجة إلى عباءة لكي أصبح خفيًّا.. والآن، هل تستطيع أن تعرف ماذا ترينا مرآة (إريسيد)؟».

هز (هاري) رأسه بالنفي!

قال: «سوف أشرح لك.. إن أسعد رجل في العالم يستطيع أن ينظر إلى مرآة (إريسيد) كأنها مرآة عادية.. سوف يرى نفسه كما هو تمامًا.. هل يساعدك هذا؟».

فكر (هاري) قليلًا وقال: «هي ترينا ما نريد أن نراه!».

أجابه (دمبلدور) بهدوء: «نعم.. ولا.. إنها تريك رغبات قلبك الدفينة.. أنت الذي لم تعرف عائلتك يومًا.. تراهم جميعًا حولك.. و(رونالد ويزلي) الذي يشعر بأنه أضعف من باقي إخوته، يرى نفسه الأفضل.. لن تعطينا هذه المرآة المعرفة، أو ترينا الحقيقة..كثير من الرجال ضيعوا حياتهم، والبعض أصابهم الجنون.. ولم يعرفوا، إذا كان ما تظهره حقيقيًّا أو ممكنًا! فسوف تنقل المرآة غدًا إلى مكان آخر.. لا تحاول البحث عنها.. لا تجرِ وراء الأحلام وتنس أن تعيش الحياة! والآن، لماذا لا ترتدي هذه العباءة الرائعة، وتعود إلى فراشك؟».

وقف (هاري)! وقال: «سيدي.. هل يمكن أن أوجه إليك سؤالًا أخيرًا؟».

ابتسم (دمبلدور) وقال: «لقد قمت بالسؤال فعلًا، ومع ذلك يمكنك السؤال لمرة واحدة».

(هاري): «ماذا ترى عندما تنظر في المرآة؟».

(دمبلدور): «أنا؟ أرى نفسي واقفًا وفي يدي زوجان من الجوارب الصوفية الثقيلة».

حدق (هاري) إليه.

قال (دمبلدور): «المرء يحتاج إلى هذه الجوارب دائمًا.. لقد مر عيد آخر من أعياد الكريسماس.. ولم يُهدني أحد أي جوارب..دائمًا يصر الناس على إهدائي الكتب..».

عندما عاد (هاري) إلى فراشه، فكر أن (دمبلدور) ربما لم يكن صادقًا معه، ثم فكر ــ وهو يرفع (سكابرز) عن وسادته ــ في أنه كان يوجه إليه سؤالًا شخصيًّا! !


١٢ مــــرآة إريــسيــد 12 Iridescent mirror 12 Miroir irisé 12 Specchio iridescente 12 Yanardöner ayna

ذات صباح في منتصف شهر ديسمبر وقد اقتربت أعياد الكريسماس.. استيقظت (هوجوورتس) لتجد نفسها تحت أمتار من الجليد.. و قد تجمدت البحيرة وأصبحت كتلة من الصلب.. وقد عوقب التوءم (ويزلي)؛ لأنهما سحرا بعض كرات الثلج لتتقافز حول عمامة (كويريل).. وكان على البومات المعدودة التي استطاعت الوصول بالبريد في هذا الجو الجليدي العاصف أن تتلقى علاجًا على يد (هاجريد) قبل أن تستطيع الطيران مرة أخرى!

كان الجميع ينتظرون الإجازة على أحر من الجمر، ورغم أن المدافئ كانت مشتعلة طوال الوقت في الغرفة العامة في (جريفندور) والبهو العظيم فإن الممرات والدهاليز أصبحت شديدة البرودة، والرياح القوية كانت تهز نوافذ الفصول بشدة، أما أصعب الحصص فكانت حصص الأستاذ (سنايب) بالأسفل في الأقبية.. كان زفيرهم يخرج أمامهم على شكل ضباب، وكانوا يقتربون من مراجلهم الساخنة قدر المستطاع ليشعروا بالدفء.

وفي إحدى حصص الوصفات، قال (دراكو مالفوي) وهو ينظر إلى (هاري): «مساكين هؤلاء الذين سيقضون العيد وحدهم هنا؛ لأن أهلهم لا يريدونهم معهم!».

ضحك (كراب) و(جويل) ولكن (هاري) الذي كان يزن كمية من شوك سمك الأسد المطحون تجاهلهما؛ فقد كان يعرف أنهما في حالة شديدة من الضيق والغضب منذ هزيمتهما في مباراة (الكويدتش)! وكان (مالفوي) قد حاول بعد المباراة أن يجعل الجميع يسخرون من (هاري) وقال: إن على (جريفندور) أن يحضروا ضفدعًا ويُلبسوه نظارة ليحل محل (هاري) في المباراة القادمة، لكنَّ أحدًا لم يضحك؛ لأنهم جميعًا كانوا معجبين بالطريقة التي استطاع بها (هاري) البقاء فوق مقشته الجامحة، فعاد (مالفوي) غاضبًا وحاسدًا إلى معايرة (هاري) بافتقاده الأسرة من جديد.

لم يكن (هاري) عائدًا إلى (بريفت درايف) لقضاء إجازة الكريسماس وكانت الأستاذة (ماكجونجال) قد جاءت في منتصف الأسبوع الماضي لتسجيل أسماء الطلاب الذين سيقضون العيد في المدرسة، وسجل (هاري) اسمه في أول القائمة.. لم يكن حزينًا بأية حال.. من المؤكد أنه أفضل عيد في حياته..ومن حسن الحظ أن (رون) وإخوته أيضًا باقون في المدرسة.. فقد ذهبت أمهم وأبوهم إلى رومانيا؛ لزيارة شقيقهم (تشارلي).

وعندما خرجوا من الفصل بعد حصة الوصفات، وجدوا شجرة ضخمة تسد الممر، تحتها قدمان ضخمتان.. وصوت أنفاس تلهث وراءها.

مد (رون) رأسه بين الفروع وقال: «(هاجريد).. هل تريد مساعدة؟».

(هاجريد): «لا.. شكرًا يا (رون).. إنني بخير!».

وأتى صوت (مالفوي) البارد المتشدق من ورائهم: «هل يمكن أن تخلي الممر؛ حتى نستطيع المرور؟ ما الأمر يا (ويزلي)؟ هل تريد كسب بعض المال على أمل أن تعمل كحارس للبيوت عندما تترك (هوجوورتس)؟ لابد أن كوخ (هاجريد) يبدو كالقصر مقارنة بمنزل أسرتك».

كان (رون) على وشك أن يشتبك مع (مالفوي) في نفس اللحظة التي ظهر فيها (سنايب) صاعدًا السلم وصاح: «(ويزلي)!».

ترك (رون) ملابس (مالفوي).

قال (هاجريد) وقد أخرج وجهه الضخم المشعر من خلف الشجرة: «لقد استفزَّه (مالفوي) يا أستاذ (سنايب) وأهان أسرته».

قال (سنايب) بنعومة: «حتى لو كان هذا صحيحًا، فالشجار ضد قوانين (هوجوورتس) يا (هاجريد). تخصم خمس درجات من (جريفندور) يا (ويزلي). وكن شاكرًا أنها ليست أكثر من ذلك.. هيا أفسحوا الطريق جميعًا».

سلك (مالفوي) و(كراب) و(جويل) طريقهم بصعوبة حول غصون الشجرة وهم يبتسمون مستهزئين.

قال (رون) وهو يضغط على أسنانه غيظًا ناظرًا إلى ظهر (مالفوي): «لن أتركه..سأنال منه في يوم آخر..».

قال (هاري): «إنني أكرههما.. (مالفوي) و(سنايب)».

قال (هاجريد): «هيا.. انسوا الأمر وابتهجوا.. إنه الكريسماس! أقول لكم....تعالوا معي لتروا البهو العظيم بعد تزيينه».

وهكذا تبع (هاري) و(رون) و(هرمايني) (هاجريد) وشجرته إلى البهو العظيم.. وهناك شاهدوا الأستاذة (ماكجونجال) والأستاذ (فليتويك) وهما مشغولان بعمل ديكور البهو!

قالت الأستاذة: «آهٍ.. (هاجريد)، إنها الشجرة الأخيرة.. ضعها في هذا الركن البعيد لو سمحت!».

كان منظر البهو رائعًا يلمع بالأضواء.. وقد علقت حبال الزينة المصنوعة من فروع الشجر، والزهور حول الحوائط. ووزع ما لا يقل عن اثنتي عشرة شجرة كريسماس عالية في المكان.. بعضها يتألق بكرات بلُّورية لامعة.. وبعضها تضيئه مئات الشموع!

سألهما (هاجريد): «متى تبدأ إجازتكما؟».

قالت (هرمايني): «بعد يوم واحد.. وهذا يذكرني..(هاري) و(رون).. لدينا نصف ساعة للراحة قبل الغداء.. يجب أن نتجه إلى المكتبة!».

قال (رون): «آهٍ.. صحيح.. عندك حق». وأبعد نظره بصعوبة عن الأستاذ (فليتويك) الذي كان يُخرج من طرف عصاه فقاقيع ذهبية متلألئة ثم يوجهها لتزين فروع الشجرة الجديدة التي أحضرها (هاجريد).

قال (هاجريد) وهو يتبعهم إلى خارج البهو: «عظيم.. إنكم تهتمون جيدًا بالدراسة!».

قال (هاري) بمرح: «أوه! إننا لا نذهب للدراسة.. الحقيقة أنك منذ ذكرت (نيكولاس فلاميل)، ونحن نبحث في الكتب عن أي معلومات عنه!».

بدا (هاجريد) مصدومًا وقال: «أنتم... ماذا؟! قلت لكم: انسوا الموضوع، فما يحرسه هذا الكلب لا يعنيكم في شيء!».

(هرمايني): «نريد أن نعرف من هو (نيكولاس فلاميل)، هذا كل ما في الأمر!».

(هاري): «إلا إذا تفضلت بإخبارنا ووفرت علينا عناء البحث في المزيد من الكتب، فقد بحثنا في مئات الكتب حتى الآن ولم نجد شيئًا.. لمَ لا تعطينا إشارة؟ أنا متأكد أنني قرأت الاسم في مكان ما!».

قال (هاجريد) بشكل حاسم: «لا.. لن أقول شيئًا!».

(رون): «يجب أن نعرف بأنفسنا إذًا!» وتركوا (هاجريد) غاضبًا وأسرعوا إلى المكتبة!

والحقيقة أنهم كانوا يبحثون في الكتب عن (فلاميل) منذ نطق (هاجريد) بالاسم؛ لأن هذه هي الوسيلة الوحيدة لمعرفة الشيء الذي يريد (سنايب) سرقته! لكن المشكلة أنهم لا يعرفون من أين تكون البداية.. فهم لا يعرفون ماذا فعل فلاميل حتى يكون اسمه في كتاب! لم يكن في كتاب أعظم السحرة في القرن العشرين ولا أشهر السحرة في هذا الزمان ولا في أهم الاكتشافات السحرية الحديثة ولا دراسة لأحدث التطورات في عالم السحر، ومع ذلك بقيت مئات الألوف من الكتب في المكتبة.. آلاف فوق الرفوف.. وآلاف مؤلفة مرصوصة في صفوف لا تنتهي!

أخرجت (هرمايني) قائمة بها موضوعات وعناوين كتب تريد البحث عنها، بينما اتجه (رون) إلى صف من الكتب وبدأ يسحب من الرفوف بشكل عشوائي. أما (هاري) فقد ذهب يتجول بالقرب من القسم المحظور في المكتبة، وكان يتساءل إذا كان اسم (فلاميل) موجودًا في أحد الكتب هناك، ولكن للأسف لا يسمح للطلاب بالاطلاع على كتب هذا القسم إلا بإذن كتابي من أحد المدرسين، وكان متأكدًا أنه لا يستطيع الحصول على هذا الإذن أبدًا، فقد كانت هذه الكتب هي التي تتكلم عن فنون السحر الأسود الخطيرة التي لا يتم تدريسها في (هوجوورتس) أبدًا ولا يقرؤها إلا الطلاب الأكبر سنًّا الذين يدرسون المستوى المتقدم في مادة (الدفاع عن النفس ضد فنون الظلام).

فوجئ (هاري) بالسيدة (بنس) أمينة المكتبة تسأله: «ما الذي تبحث عنه يا فتى؟».

أفزعته المفاجأة فقال: «لا شيء».

أشارت إليه بريشة إزالة الأتربة وقالت: «إذًا إلى الخارج.. هيَّا.. اخرج فورًا!».

أسرع (هاري) خارجًا وهو يتمنى لو كان سريع التفكير واخترع لها قصة ما. وكان قد اتفق مع (رون) و(هرمايني) على عدم سؤال السيدة (بنس) عما يبحثون عنه رغم أنهم كانوا متأكدين أنها كانت قادرة على إخبارهم أين يجدونه فإنهم كانوا غير مستعدين للمجازفة بأن يعرف (سنايب) ما يبحثون عنه.

انتظر (هاري) في الممر؛ عسى أن ينجح زميلاه في العثور على شيء.. لكنه لم يكن كثير التفاؤل. فقد كانوا يبحثون منذ أسبوعين بلا نتيجة.. وعلى أية حال، فقد كانت فترات البحث تقتصر على أوقات الراحة القصيرة بين الحصص، ولذلك كانت فرصتهم ضئيلة لإيجاد أي شيء..كانوا يحتاجون إلى البحث بحرية ولفترة طويلة وبدون تدخل من السيدة (بنس) حتى يجدوا ما يبحثون عنه.

وبعد خمس دقائق، لحق به (رون) و(هرمايني) وهما يهزان رأسيهما يأسًا.. واتجهوا جميعًا إلى قاعة الطعام!

قالت (هرمايني): «طبعًا ستقومان بالبحث في أثناء غيابي في الإجازة.. أرسلا لي بومة لو وجدتما أي شيء!».

قال (رون): «وعليك بسؤال والديك إذا كانا يعرفان شيئًا عن (فلاميل).. ما رأيك؟».

قالت (هرمايني) ضاحكة: «طبعًا.. ولم لا؟ خاصة أنهما طبيبا أسنان!! !».

وبمجرد أن بدأت الإجازة.. أخذ (هاري) و(رون) يتمتعان بوقتهما تمامًا.. كان عنبر النوم خاصًّا بهما وحدهما..والغرفة العامة كانت خالية تقريبًا.. وانشغلا عن البحث عن (فلاميل) بقضاء الساعات جالسين بالمقاعد المريحة بجوار المدفأة يأكلان أي شيء يمكن فرده فوق العيش المحمص والفطائر، ويدبران المقالب؛ لجعل (مالفوي) يُطرد من المدرسة، والتي كان من الممتع التحدث عنها حتى ولو كانت غير قابلة للتنفيذ.

وبدأ (رون) في تعليم (هاري) لعبة شطرنج السحرة، والتي تشبه شطرنج العامة، فيما عدا أن قطع الشطرنج كانت حية، فبدت اللعبة مثل توجيه القوات في معركة حقيقية.. كانت مجموعة الشطرنج الخاصة بـ(رون) قديمة.. مثل كل شيء آخر يملكه؛ حيث كانت تخص جده إلا أن كبر سن قطع الشطرنج لم يكن مشكلة لـ(رون) على الإطلاق الذي كان لاعبًا ماهرًا ولم يكن يجد مشكلة في تحريكها كما يريد، أما (هاري) الذي كان مبتدئًا في هذه اللعبة ويستخدم مجموعة شطرنج استعارها من (شيموس) فكان يجد مشكلة في تحريك القطع التي كانت تعترض على قراراته طوال الوقت وتسدي إليه نصائح مثل: «لا ترسلني إلى هذا المكان، ألا ترى الحصان؟ أرسله هو.. يمكننا أن نتحمل خسارته»؛ مما كان يربكه ويحيره.

في ليلة الكريسماس، نام (هاري) وهو يتطلع إلى وليمة العيد والمرح في اليوم التالي ولم يكن يتوقع أية هدايا، ولكنه عندما استيقظ في الصباح كان أول ما رآه كومة صغيرة من الهدايا بجوار فراشه!

قال (رون) وهو يتثاءب: «عيد سعيد..». بينما خرج (هاري) من فراشه ووضع روبه فوق ملابس النوم وقال: «عيد سعيد لك يا (رون).. انظر إلى هذا! لقد وصلتني بعض الهدايا!».

قال (رون): «ما الذي توقعته؟ بعض اللفت بدلًا من الهدايا مثلًا!». ثم التفت إلى كومة هداياه والتي كانت أكثر بكثير من هدايا (هاري)!

فتح (هاري) الربطة الأولى وكانت ملفوفة في ورق بني سميك ومكتوبًا عليها: «إلى (هاري).. من (هاجريد)».. ووجد بداخلها مزمارًا من الخشب بدائي الصنع.. من الواضح أن (هاجريد) صنعه بنفسه، وعزف (هاري) على المزمار فجاء صوته مثل صوت البوم!

الطرد الثاني كان صغيرًا جدًّا.. ومعه رسالة: «وصلتنا رسالتك ومرسل لك هدية العيد من الخال (فيرنون) والخالة (بتونيا)»، وملصق بالرسالة قطعة نقود قيمتها خمسون قرشًا!

نظر (رون) إلى النقود بانبهار وقال: «شكلها غريب جدًّا! هل هي نقود؟».

ضحك (هاري) وقال: «نعم..ويمكنك الاحتفاظ بها!».

وأمسك (هاري) بربطة أخرى وقال: «(هاجريد).. خالتي وزوجها. تُرَى من الذي أرسل لي الباقي؟».

قال (رون) بخجل وهو يشير إلى إحدى الربطات: «أظنني أعرف من أرسل هذه.. إنها أمي.. لقد أخبرتها أنك لا تتوقع هدايا... آه.. لا.. يبدو أنها صنعت لك أحد بلوفرات آل (ويزلي)!».

كان (هاري) قد فتح الطرد ووجد فيه «بلوفر» مصنوعًا يدويًّا.. لونه زمردي ومعه صندوق كبير من الحلوى المصنوعة منزليًّا!

قال (رون) وهو يفتح الربطة التي تحوي البلوفر الخاص به: «في كل عام تصنع لنا هذه البلوفرات.. البلوفر الخاص بي دائمًا لونه نبيتي».

قال (هاري) وهو يتذوق الحلوى التي كانت لذيذة جدًّا: «إنه عمل رائع منها!».

الهدية التالية كانت تحتوي على حلوى أيضًا؛ صندوق كبير من شيكولاتة الضفادع أرسلته له (هرمايني)!

ورفع (هاري) الهدية الأخيرة.. كانت خفيفة جدًّا! فتحها فورًا!

وخرج منها شيء ناعم وفضي انساب على الأرض.. واستقر في طبقات.

أسقط (رون) صندوق الحبوب بكل النكهات والذي وصله من (هرمايني) وقال مندهشًا: «إذا كان هذا ما أتصوره.. فهو شيء نادر وثمين جدًّا!».

وسأل (هاري): «ما هو؟».

ورفع القماش الفضي اللامع من على الأرض.. كان ملمسه غريبًا، يشبه ملمس الماء.

قال (رون) مبهورًا: «إنها عباءة الإخفاء، إنني متأكد من ذلك! هيَّا جربها!».

ووضع (هاري) العباءة على كتفيه.. وصرخ (رون): «إنها هي فعلًا! انظر إلى أسفل!».

نظر (هاري) إلى قدميه.. لكنهما لم تكونا موجودتين.. أسرع إلى المرآة.. فلم ير من انعكاس صورته سوى رأسه، وكأنه يطير وحده في الهواء وقد اختفى جسمه تمامًا! جذب العباءة على رأسه.. فاختفت صورته من المرآة تمامًا!

قال (رون) فجأة: «هناك رسالة.. توجد رسالة سقطت منها!».

وخلع (هاري) العباءة.. ووجد رسالة مكتوبة بخط رفيع غريب، لم يَرَ مثله من قبل كانت تحوي الكلمات التالية:

«ترك والدك هذه العباءة معي قبل أن يموت.

وقد حان وقت عودتها إليك!

استعملها في الخير..

عيد سعيد».

لم يجد (هاري) توقيعًا على الرسالة وأخذ يحدق بها، بينما أخذ (رون) ينظر إلى العباءة بإعجاب وقال: «أنا مستعد للاستغناء عن أي شيء لأحصل على واحدة منها.. أي شيء.. ما الأمر؟».

قال (هاري): «لا شيء.» كان يشعر بالحيرة الشديدة.. من الذي أرسلها؟ وهل كانت حقيقة ملكًا لأبيه؟

وقبل أن يتحدث أو يفكر في أي شيء آخر.. انفتح باب عنبر النوم.. ودخل (فريد) و(جورج ويزلي).. جمع (هاري) العباءة وخبأها.. لا يريد أن يراها أحد آخر..

«عيد سعيد!».

«هيه.. انظر، (هاري) معه بلوفر من بلوفرات آل (ويزلي)!».

كان (فريد) و(جورج) يرتديان بلوفرين أزرقيْن، أحدهما عليه حرف (ف) أصفر كبير والآخر عليه حرف (ج) أصفر كبير.

قال (فريد) وهو يمسك ببلوفر (هاري): «بلوفر (هاري) أفضل من بلوفراتنا، من الواضح أنها تبذل مجهودًا أكبر عندما يكون الشخص من خارج العائلة».

وقال (جورج): «(رون).. لماذا لا تلبس البلوفر الخاص بك؟ هيا ارْتَدِهِ.. إنه ناعم ودافئ!».

قال (رون) وهو يضعه فوق رأسه: «إنني أكره اللون النبيتي!».

قال (جورج) ملاحظًا: «على الأقل فإن البلوفر الخاص بك ليس عليه حرف، يبدو أنها تظن أنك لا تنسى اسمك، ولكننا لسنا أغبياء.. فنحن نعرف أن أسماءنا هي جريد وفورج».

ودس (بيرسي) رأسه داخل الحجرة، وقد بدا على وجهه الاستياء وقال: «ما هذا الضجيج؟».

يبدو أنه كان يفتح هداياه هو أيضًا؛ لأنه كان يحمل «بلوفر» مجعدًا على ذراعه، التقطه (فريد) وقال: «(بيرسي).. لماذا لا ترتدي البلوفر؟ إننا جميعًا نرتديه، حتى (هاري) معه بلوفر مثلنا..».

قال (بيرسي) بتثاقل: «ولكننى... لا أريد...» بينما أدخل التوءم البلوفر في رأسه بالقوة؛ مما أوقع نظارته عن عينيه.

قال (جورج): «كما أنك لن تجلس مع رواد المنازل اليوم. فالأعياد هي لاجتماع أفراد العائلة معًا».

ودفعا (بيرسي) أمامهما ويداه ملتصقتان بجسمه داخل البلوفر!

لم يتناول (هاري) طوال حياته وليمة كريسماس مثل هذه.. كانت مئات الديوك الرومي المشوية الضخمة تمتد على الموائد، ومعها جبال من البطاطس المشوية والمقلية، وأطباق ضخمة من السجق الدسم، وأطنان من الخضراوات المحمرة بالزبد، بالإضافة إلى أنواع مختلفة من الصلصات والسلطات، وقد انتشرت على الموائد أكياس هدايا السحرة المتفجرة.. وكانت مختلفة تمامًا عن أكياس الهدايا التي اعتاد آل (درسلي) شراءها في الأعياد والتي كانت تحتوي عادة على لعب بلاستيكية صغيرة، وقبعات ورقية ملونة. وجذبَ (هاري) و(فريد) أحد أكياس السحرة.. فانفجرت بصوت قوي كالمدفع.. وغطتهم جميعًا بسحابة زرقاء من الدخان.. وخرج منها قبعة مساعد قبطان بحري والكثير من الفئران البيضاء الحية.. وعلى مائدة الأساتذة، كان (دمبلدور) قد بدل قبعته السحرية إلى كاب من الزهور، وكان يضحك بسعادة على دعابة قالها له الأستاذ (فليتويك)!

وبعد الديوك الرومي جاءت حلوى الكريسماس المختلفة وكاد (بيرسي) أن يكسر أسنانه بسبب سيكل فضي داخل الحلوى، وشاهد (هاري) (هاجريد) جالسًا على مائدة الأساتذة.. يتكلم مع الأستاذة (ماكجونجال) ولدهشته شاهدها تضحك بمرح على شيء قاله لها.

وعندما غادر (هاري) المائدة أخيرًا، كان محملًا بالألعاب التي خرجت من أكياس الهدايا المتفجرة.. كيس من البالونات المضيئة التي لا تفرقع، وصندوق لإنبات الدمامل بنفسك، ومجموعة شطرنج جديدة خاصة به.. أما الفئران البيضاء فكانت قد اختفت تمامًا.. وأحس (هاري) أنها قد انتهت كعشاء العيد للسيدة (نوريس).

وبعد الظهر، قضى (هاري) وأولاد عائلة (ويزلي) وقتًا سعيدًا رائعًا في لعبة قتال بكرات الثلج في الفناء الخارجي.. ثم لجئوا من البرد ــ وهم يلهثون من التعب ــ إلى جوار المدفأة في غرفة (جريفندور) العامة؛ حيث فتح (هاري) مجموعة الشطرنج الجديدة ولعب مع (رون) دورًا هزمه فيه (رون) هزيمة منكَرة، وفكر (هاري) أنه لم يكن ليخسر بهذا الفارق الكبير لو أن (بيرسي) لم يحاول مساعدته بكل قوته.

وبعد الشاي الساخن وسندوتشات الديك الرومي وكعك العيد اللذيذ، شعروا جميعًا بالامتلاء، وداعب النوم جفونهم، ولم يعد بإمكان أي منهم فعل أي شيء سوى مراقبة (بيرسي) وهو يطارد التوءم في كل مكان ببرج (جريفندور).. بعد أن خطفا شارة رائد المنزل منه!

وكان هذا أسعد يوم عيد أمضاه (هاري) في حياته.. ولم يجد وقتًا ليفكر في عباءة الإخفاء أو في الذي أرسلها حتى وصل إلى السرير!

أما (رون) فلم يكن لديه ما يتذكره.. وساهم الشبع والامتلاء في سرعة استغراقه في النوم.. فلم يشعر بشيء حوله! انحنى (هاري) على جانب السرير.. وجذب العباءة من تحته.. هل كانت حقًّا ملكًا لأبيه؟ وتركها تنساب فوق يديه، ناعمة أكثر من الحرير.. خفيفة كالهواء.. قالت الرسالة: «استعملها في الخير!».

يجب أن يجربها.. الآن.. هبط من السرير.. ولفها حوله، نظر إلى قدميه.. لم يَرَ سوى نور القمر والظلال.. وشعر شعورًا غريبًا.. «استعملها في الخير!».

فجأة.. شعر (هاري) بيقظة تامة.. إن (هوجوورتس) كلها مفتوحة أمامه وهو يرتدي هذه العباءة.. وتملكته روح المغامرة وهو يقف صامتًا في الظلام.. يستطيع الآن أن يذهب إلى أي مكان.. أي مكان.. دون أن يعرف (فيلش) شيئًا!

كان (رون) مستغرقًا في النوم وفكر (هاري) أن يوقظه ثم تراجع وفكر إنها أول مرة يرتدي فيها عباءة والده، ويريد أن يجربها وحده هذه المرة.

تسلل من عنبر النوم.. هبط السلالم.. عبر الغرفة العامة.. وخرج من فتحة اللوحة.. وهتفت السيدة البدينة: «من هناك؟» لم يرد (هاري) ومضى مسرعًا في الممر!

ثم توقف.. أين يذهب؟ اشتدت ضربات قلبه.. دارت أفكاره.. فاتخذ قراره.. سيذهب إلى القسم المحظور في المكتبة.. يستطيع أن يقرأ ما يشاء.. ويبحث كما يشاء.. حتى يعرف من هو (فلاميل)، واتجه إلى هدفه وقد ضم عباءة الإخفاء حول جسمه جيدًا!

كانت المكتبة تسبح في بقعة من الظلام المخيف.. وأشعل (هاري) مصباحًا؛ حتى يعرف طريقه بين الكتب.. وبدا المصباح وكأنه يسبح في الهواء، ورغم أن (هاري) كان يشعر بذراعه التي تمسك بالمصباح فإن منظره كان مع ذلك مرعبًا.

كانت المنطقة المحظورة في مؤخرة المكتبة. وعبر (هاري) الحبل الذي يفصل هذه الكتب عن بقية كتب المكتبة وهو يمسك المصباح عاليًا؛ حتى يستطيع قراءة عناوين الكتب.

لم تخبره العناوين بشيء عن المحتوى، فقد كانت الحروف الذهبية تكوِّن كلمات بلغات لم يرها (هاري) من قبل.. وبعضها دون عنوان.. ورأى كتابًا عليه بقعة داكنة بدت كبقعة من الدماء.. فاقشعر بدنه خوفًا.. خيل إليه، ربما كان وهمًا أو حقيقة أنه يسمع همسًا دائرًا بين الكتب، وكأنها تشعر بوجود دخيل عليها!

يجب أن يبدأ بالبحث في مكان ما.. وضع المصباح على الأرض بحذر.. وجلس بجواره ينظر إلى الكتب الموجودة في الرف الأسفل.. لفت نظره مجلد ضخم أسود وفضي، جذبه من مكانه بصعوبة؛ فقد كان ثقيلًا.. حاول أن يضعه على ركبتيه، ولكنه سقط مفتوحًا على الأرض!

وقطع السكون صرخة حادة عالية.. مخيفة.. رهيبة صدرت عن الكتاب! أغلقه (هاري) بسرعة.. لكن الصراخ استمر.. واستمر عاليًا.. عاليًا يخترق الآذان.. وتعثر (هاري) في محاولة الهروب.. وسقط المصباح وانطفأ في الحال.. وازداد ارتباكًا؛ فقد سمع أصوات خطوات تقترب في الممر خارج المكتبة.. دس الكتاب مكانه.. وجرى؛ لينقذ حياته! ومر بجوار (فيلش) عند الباب تقريبًا.. وكان (فيلش) ينظر نحوه مباشرة دون أن يراه ومر (هاري) من تحت ذراعه الممدودة وأسرع يجري في الممر.. وصرخات الكتاب لا تزال تتوالى وراءه.. واستمر يجري دون أن يعرف طريقه؛ فقد كان الظلام حالكًا.. وتوقف أخيرًا بجوار بذلة حديدية، لم تكن لديه أي فكرة عن مكانه.. كان يعرف أن هناك بذلة حديدية بالقرب من المطابخ، ولكن.. لابد أنه فوقها بخمسة طوابق على الأقل..

فجأة، وصل إليه صوت (فيلش): «طلبت مني يا سيدي أن أخبرك إذا تجول أحد في المكان في أثناء الليل.. وقد سمعت صوت بعضهم في المنطقة المحظورة بالمكتبة!».

وتجمد الدم في عروق (هاري).. لا بد أن (فيلش) يعرف طريقًا مختصرًا، فقد كان صوته قريبًا وزاد رعبه عندما سمع الصوت الذي يجيبه.. إنه صوت (سنايب) الذي قال: «المنطقة المحظورة.. حسنًا.. لا يمكن أن يكونوا قد ابتعدوا.. هيا بنا..».

وتجمد (هاري) في مكانه وسمع صوت خطواتهما تقترب.. ثم رآهما وهما آتيان من طرف الممر.. ماذا لو اصطدما به؟! إن الممر ضيق.. إنهما لن يرياه حقًّا.. ولكن من الممكن أن يشعرا بجسده.. تراجع قليلًا بأكبر قدر ممكن من الهدوء.. ووجد على يساره بابًا نصف مفتوح.. كان أمله الوحيد.. لم يتردد.. دفع جسمه من فتحة الباب وقد كتم أنفاسه محاولًا ألا يحرك الباب ولحسن حظه استطاع الدخول دون أن يلاحظا شيئًا واستمرا في طريقهما.. استند (هاري) إلى الحائط وهو يتنفس بعمق، ويستمع إلى خطوات أقدامهما وهي تبتعد.. لقد نجا في اللحظة الأخيرة!

ومرت عدة ثوان قبل أن ينظر حوله.. وجد نفسه في إحدى الغرف الدراسية غير المستغلة، كانت مكاتب ومقاعد الدراسة القديمة مكدسة فوق بعضها بجوار الحائط.. وهناك سلة مهملات مقلوبة.. لكن برز على الحائط المقابل له شيء غريب، يبدو وكأنه لا ينتمي إلى المكان.. ربما كان موضوعًا مؤقتًا حتى ينقل إلى مكان آخر..

كانت مرآة فاخرة.. ترتفع إلى السقف.. لها برواز مزخرف من الذهب.. تقف على حامل من قدمين..وهناك قوس في قمتها مكتوب عليها (إريسيد سترا اهرو ايت يوبي كافرو يوت أون وهسي).

كان خوفه قد تبدَّد الآن بعد أن ابتعد (سنايب) و(فيلش) واقترب من المرآة.. يريد أن ينظر إليها؛ ليتأكد أنه خفيٌّ فعلًا، وتوقف أمامها!

واستطاع في اللحظة الأخيرة أن يضع يده على فمه؛ حتى يمنع صرخة من الانطلاق عاليًا، واستدار ينظر خلفه، كان قلبه يدق أكثر من اللحظة التي فوجئ فيها بصرخة الكتاب؛ لأنه رأى ليس فقط صورته في المرآة.. بل عددًا كبيرًا من الناس يقف وراءه!

استدار خلفه، لكن الغرفة كانت خالية، عاد يدور ببطء ليواجه المرآة.. ومرة أخرى رأى نفسه وقد ابيض وجهه من الرعب ووراءه عشرة أشخاص على الأقل.. ونظر من فوق كتفيه إلى الخلف، لكنه لم يجد أحدًا.. هل يرتدون هم أيضًا عباءات الإخفاء؟ ربما كانت هذه المرآة سحرية تعكس الناس حتى لو كانوا خفيين.

عاد ينظر إلى المرآة، رأى سيدة تقف وراءه تمامًا، تبتسم وتلوح بيدها له.. مد يده.. لو أنها موجودة فسوف يلمسها..لكن يده لامست الهواء.

كانت هي والآخرون موجودين فقط في المرآة!

إنها جميلة جدًّا.. شعرها أحمر داكن، وعيناها مثل عينيه تمامًا.. وفكر (هاري) وهو يقترب أكثر من المرآة في أن عينيها خضراوان مثل لون عينيه وشكلهما شكل عينيه تمامًا.. ولكنه لاحظ أنها تبكي.. كانت تبتسم وتبكي في وقت واحد! وبجوارها رجل طويل ورفيع ذو شعر أسود.. يضع ذراعه حول كتفيها..كان يضع نظارة..وكان شعره غير مرتب ومسرَّحًا إلى الخلف تمامًا مثل شعر (هاري)!

اقترب (هاري) من المرآة الآن حتى لامس أنفه أنف انعكاس صورته في المرآة.

وهمس: «أمي.. أبي».

ووقفا مكانهما يبتسمان.. ونظر (هاري) بتمعن إلى بقية الموجودين في المرآة؛ عيون خضراء أخرى مثله.. وأنوف مثل أنفه، كان (هاري) ينظر إلى عائلته لأول مرة في حياته!

وابتسمت له عائلة (بوتر).. ولوحوا بأيديهم.. ونظر إليهم (هاري) بلهفة شديدة.. ومد يده إلى المرآة.. وكأنه يريد أن يعبر المرآة ويصل إليهم.. وكان يشعر داخله بشعور غريب؛ نصف سعيد.. ونصف حزين!

ولم يعرف كم مضى من الوقت وهو يقف مكانه.. ظلت الخيالات في المرآة مكانها..وظل (هاري) ينظر إليها حتى أعاده إلى صوابه سماعُه صوت ضجيج قادمًا من بعيد.. لم يعد بإمكانه البقاء أكثر من ذلك.. يجب أن يبحث عن طريق العودة، وأن يعود إلى فراشه.. وأبعد نظراته عن وجه أمه بصعوبة..وهمس وهو يسرع خارجًا: «سأعود مرة أخرى!».

قال (رون) لائمًا: «لماذا لم توقظني لأذهب معك؟».

(هاري): «تعالَ معي الليلة، سأعود إلى هناك.. أريدك أن ترى هذه المرآة».

قال (رون) بحماس: «أريد أن أرى والدك ووالدتك!».

(هاري): «وأنا أريد أن أرى باقي عائلة (ويزلي)، سيكون بإمكانك أن تريني باقي إخوتك والجميع».

(رون): «يمكنك أن تراهم في أي وقت. تعالَ إلى منزلي خلال الصيف وسترى الجميع.. وعلى أية حال، ربما تكون المرآة تظهر الموتى فقط، ولكن من المؤسف أنك لم تجد (فلاميل). خذ بعض هذا اللحم..لماذا لا تأكل أي شيء؟».

لم يستطع (هاري) أن يأكل في هذا اليوم؛ لقد قابل والديه، وسوف يراهما الليلة مرة أخرى.. كيف يفكر في شيء آخر.. لقد نسي كل شيء عن (فلاميل) وفقد الأمر أهميته بالنسبة له، ولماذا يفكر في الكلب ذي الرءوس الثلاثة؟ ولماذا يهتم بما يريد (سنايب) أن يسرقه؟ لا شيء يهم! !

سأله (رون): «هل أنت بخير؟ تبدو غريبًا!».

أكثر ما كان يشغل (هاري) هو خوفه من أن يضل طريقه ولا يعرف مكان حجرة المرآة.. اصطحب (رون) ووضعا العباءة حولهما..وسارا ببطء في ظلام الليل، حاولا أن يتبعا طريق (هاري) في أثناء عودته من المكتبة.. وأخذا يتجولان في الممرات المظلمة ومرت ساعة كاملة..

قال (رون): «الجو بارد جدًّا.. إنني أتجمد.. فلننس الأمر.. هيا بنا نَعُدْ».

همس (هاري): «لا، أنا متأكد أنها هنا في مكان ما».

مرَّا بشبح ساحرة طويلة متجه في الجهة الأخرى، ولكنهما لم يريا أحدًا آخر.. وفي اللحظة التي بدا فيها (رون) يتأوه شاكيًا أن قدميه قد تجمدتا تمامًا.. استطاع (هاري) أن يرى البذلة الحديدية.

«نعم..ها هي ذي.. إنها هذه الحجرة».

دفعا الباب.. وألقى (هاري) العباءة عن كتفيه، وأسرع إلى المرآة! كانوا هناك وابتسم أبوه وأمه مرحبيْن بعودته!

وهمس (هاري): «هل رأيت؟».

(رون): «لا أرى شيئًا!».

(هاري): «انظر.. انظر جيدًا، إنهم مجموعة كبيرة..».

(رون): «إنني أراك أنت فقط!».

(هاري): «تعالَ مكاني، ربما ترى أفضل..».

وتبادلا الأماكن..وما إن أصبح (رون) أمام المرآة حتى أصبح (هاري) غير قادر على رؤية أسرته في المرآة ولم ير إلا (رون) الذي أخذ ينظر إلى صورته متعجبًا وقال: «انظر إلي!».

(هاري): «هل ترى أهلك حولك؟».

(رون): «لا.. إنني وحدي.. لكنني أكبر سنًّا.. مختلف..وأنا رائد المنزل!».

(هاري): «ماذا؟».

(رون): «إنني أضع الشارة التي اعتاد (بيل) أن يضعها، وأحمل كأس المنازل.. وكأس (الكويدتش)..إنني كابتن فريق (الكويدتش) أيضًا!».

وانتزع (رون) نظراته بصعوبة عن صورته، ونظر إلى (هاري) بحماس وقال: «هل تعتقد أن المرآة تُظهر المستقبل؟».

(هاري): «كيف؟ إن كل عائلتي قد ماتت..دعني أُلْقِ نظرة أخرى!».

قال (رون): «دعها لي.. لقد استأثرت بها طوال ليلة أمس!».

(هاري): «وماذا ترى؟ صورتك وأنت تحمل الكأس.. وماذا في هذا؟ أريد أن أرى عائلتي!».

(رون): «لا تدفعني..».

وفجأة سمعا صوتًا في الممر بالخارج وضع حدًّا لهذه المناقشة.. لم يشعرا بأنهما كانا يتحدثان بصوت مرتفع!

«بسرعة!»

أسرع (رون) يضع العباءة عليهما في اللحظة التي لمعت فيها عينا السيدة (نوريس) التي تسللت داخلةً من الباب.. وقفا مكانهما ثابتين وهما يفكران في نفس الشيء.. تُرَى، هل يمكن للقطط أن تراهما رغم عباءة الإخفاء؟ وتصورا أن دهرًا قد مضى، قبل أن تستدير القطة وتخرج! وقال (رون): «يجب أن نذهب فورًا.. قد تكون في طريقها الآن إلى (فيلش).. يمكن أن تكون قد سمعتنا! هيا بنا».

وجر (رون) (هاري) من يده وخرجا من الحجرة!

لم يكن الجليد قد توقف عن السقوط في الصباح التالي..

قال (رون): «هل تلعب الشطرنج يا (هاري)؟».

(هاري): «لا».

(رون): «تعالَ إذًا لنزور (هاجريد)!».

(هاري): «لا.. اذهب أنت!».

(رون): «إنني أعرف ما تفكر فيه يا (هاري).. تلك المرآة..ولكن هذا خطير.. لا تعد هذه الليلة!».

(هاري): «لماذا؟».

(رون): «لا أعرف بالضبط.. لديَّ إحساس سيئ بخصوصها، كما أنني أخاف عليك، هناك الكثيرون الذين يراقبون المكان.. (فيلش) و(سنايب) والسيدة (نوريس).. حتى لو كانوا لا يرونك؛ ماذا لو اصطدمت بأحدهم؟ أو أسقطت شيئًا بدون قصد؟».

(هاري): «تتكلم مثل (هرمايني)».

(رون): «(هاري)، أنا جاد.. أرجوك لا تذهب».

لكن (هاري) كان يفكر في شيء واحد فقط؛ العودة إلى المرآة.. ولن يوقفه (رون) أبدًا!

وفي هذه الليلة الثالثة، وجد طريقه بسرعة.. وكان يتحرك بسرعة كبيرة ويصدر الكثير من الأصوات.. غير أنه لم يقابل أحدًا..

وهناك، وجد أمه وأباه يبتسمان له مرة أخرى.. وأحد أجداده يشير إليه في سرور.. لم يكن هناك ما يوقفه الآن، وجلس على الأرض.. سوف يقضي الليلة كلها مع عائلته.

إلا...

«إذًا.. فقد عدت مرة أخرى يا (هاري)!».

شعر (هاري) بأنه غارق في الجليد.. ونظر خلفه وعلى أحد مقاعد الدراسة، رأى شخصًا.. إنه (ألباس دمبلدور)! يبدو أن (هاري) مرَّ من أمامه دون أن يراه؛ فقد كان اهتمامه على أية حال منصبًّا على العودة أمام المرآة في أسرع وقت.

قال (هاري): «إنني لم... لم أرك يا سيدي!».

(دمبلدور): «من الغريب أن يجعلك الاختفاء قصير النظر» اطمأن (هاري) عندما وجده يبتسم!

ترك (دمبلدور) مقعده وانتقل ليجلس على الأرض بجوار (هاري) وقال: «إذًا يا (هاري) لقد اكتشفت مثل مئات قبلك متعة النظر في مرآة (إريسيد)!».

(هاري): «لم أكن أعرف اسمها!».

(دمبلدور): «لكنني أعتقد أنك تعرف ما تفعله».

(هاري): «إنها.. حسنًا.. لقد جعلتني أرى عائلتي!».

(دمبلدور): «ورأى (رون) صديقك أنه رائد المنزل».

(هاري): «كيف عرفت؟».

قال (دمبلدور) بلطف: «لست في حاجة إلى عباءة لكي أصبح خفيًّا.. والآن، هل تستطيع أن تعرف ماذا ترينا مرآة (إريسيد)؟».

هز (هاري) رأسه بالنفي!

قال: «سوف أشرح لك.. إن أسعد رجل في العالم يستطيع أن ينظر إلى مرآة (إريسيد) كأنها مرآة عادية.. سوف يرى نفسه كما هو تمامًا.. هل يساعدك هذا؟».

فكر (هاري) قليلًا وقال: «هي ترينا ما نريد أن نراه!».

أجابه (دمبلدور) بهدوء: «نعم.. ولا.. إنها تريك رغبات قلبك الدفينة.. أنت الذي لم تعرف عائلتك يومًا.. تراهم جميعًا حولك.. و(رونالد ويزلي) الذي يشعر بأنه أضعف من باقي إخوته، يرى نفسه الأفضل.. لن تعطينا هذه المرآة المعرفة، أو ترينا الحقيقة..كثير من الرجال ضيعوا حياتهم، والبعض أصابهم الجنون.. ولم يعرفوا، إذا كان ما تظهره حقيقيًّا أو ممكنًا! فسوف تنقل المرآة غدًا إلى مكان آخر.. لا تحاول البحث عنها.. لا تجرِ وراء الأحلام وتنس أن تعيش الحياة! والآن، لماذا لا ترتدي هذه العباءة الرائعة، وتعود إلى فراشك؟».

وقف (هاري)! وقال: «سيدي.. هل يمكن أن أوجه إليك سؤالًا أخيرًا؟».

ابتسم (دمبلدور) وقال: «لقد قمت بالسؤال فعلًا، ومع ذلك يمكنك السؤال لمرة واحدة».

(هاري): «ماذا ترى عندما تنظر في المرآة؟».

(دمبلدور): «أنا؟ أرى نفسي واقفًا وفي يدي زوجان من الجوارب الصوفية الثقيلة».

حدق (هاري) إليه.

قال (دمبلدور): «المرء يحتاج إلى هذه الجوارب دائمًا.. لقد مر عيد آخر من أعياد الكريسماس.. ولم يُهدني أحد أي جوارب..دائمًا يصر الناس على إهدائي الكتب..».

عندما عاد (هاري) إلى فراشه، فكر أن (دمبلدور) ربما لم يكن صادقًا معه، ثم فكر ــ وهو يرفع (سكابرز) عن وسادته ــ في أنه كان يوجه إليه سؤالًا شخصيًّا! !