×

We use cookies to help make LingQ better. By visiting the site, you agree to our cookie policy.


image

حياة طالب العلم مكتبته, مدرسة الصيام

مدرسة الصيام

إنَّ الحمد لله ؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلَّ له ، ومن يُضلِل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ، وصفيُّه وخليله ، وأمينه على وحيه ، ومبلِّغ الناس شرعه ، ما ترك خيرًا إلا دل الأمة عليه ، ولا شرًا إلا حذَّرها منه ؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

أمَّا بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله ربكم ، وراقبوه في جميع أعمالكم ؛ مراقبة من يعلمُ أن ربَّه يسمعُه ويراه. وتقوى الله: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله ، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله .

أيها المؤمنون: شهر رمضان المبارك شهر عظيم ؛ كثيرةٌ خيراته ، عظيمةٌ بركاته ، متعددةٌ فيه العطايا والهبات ، وهو أيها العباد مدرسةٌ إيمانية تربوية عظيمة يتلقى فيه المسلم من عظيم الأخلاق وكامل الآداب وتهذيب السلوك وأطر النفس على الحق والهدى ما قد لا يجده في غيره من الشهور ؛ ولهذا -عباد الله- يجب على من أدرك هذا الموسم العظيم أن يغنم خيراته العظيمة وبركاته العميمة وأن يستفيد من مدرسته المباركة ، يقول الله تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }[البقرة:183] ، نعم عباد الله {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ففي الصيام حِكم بالغات ومقاصد عظيمات وغايات ساميات لابد أن يفيدها كل صائم .

عباد الله : ليس الصيام مجرد حبس للنفس ومنعٍ لها من الطعام والشراب ، بل فيه أعمال وغايات ومقاصد لابد من تحقيقها ، فإن لم يكن عبد الله محققًا لها ضعف حظه من الصيام بل ربما كان صيامه عديم الأثر ، وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ)) ؛ قوله «إلا الجوع والعطش» أي أنه منع نفسه في صيامه من الطعام والشراب لكن لم يكن له حظٌ من صيامه إلا الجوع والعطش ؛ أي أن صيامه عديم الأثر أو ضعيفه . وهذا جانبٌ -عباد الله- لابد أن يُفقَه في هذا الباب العظيم حتى يكمِّل المرء صيامه ويتمِّم عبادته ليعلو بذلك ثوابه عند الله تبارك وتعالى ويفوز بربحٍ عظيم في هذه المدرسة المباركة مدرسة الصيام .

أيها المؤمنون : جاء في صحيح البخاري ومسلم عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((الصِّيَامُ جُنَّةٌ ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ)) ، ولعلك تجد في هذا الحديث هدايةً عظيمة للاستفادة من مدرسة الصيام وما فيه من تهذيبٍ للأخلاق وتقويم للسلوك و أطرٍ للنفس على الحق والهدى ، ففي الصيام منعٌ للنفس ، «الصيام جُنَّة» أي إذا حقق المرء صيامه وتممه فإنه جُنة وواقٍ له ؛ قيل: من الذنوب والمعاصي ، وقيل: من النار وسخط الجبار ، وهما معنيان يتمِّم أحدهما الآخر وكلاهما مقصود بهذا الحديث العظيم . فإن العبد في صيامه إذا وظَّف صيامه على متمِّه وكماله أفاده بعدًا عن الذنوب وتجنبًا للخطايا والسيئات واتقاءً لكل ما يسخط رب الأرض والسماوات ، وأفاده وقاية وسترًا ونجاة من النار وسخط الجبار جل في علاه .

أيها المؤمنون : وفي هذا الباب نفسه يقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)) ، ليست القضية -عباد الله- في الصيام أن يترك المرء الطعام والشراب حسب ، بل الصيام تربيةٌ للنفوس وتهذيبٌ للأخلاق ورقيٌ بالقيم والآداب إلى أعلى المقامات ورفيعها ، فمن لم يدع في صيامه قول الزور وهو الباطل بكل أنواعه والجهل والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه .

يا معاشر العباد ، أيها المؤمنون : اتقوا الله تعالى في صيامكم ، وراقبوا الله جل وعلا في جميع أعمالكم ، واحرصوا يا رعاكم الله على تكميل الصيام وتتميمه لنفيد الفائدة العظيمة من هذه المدرسة المباركة مدرسة الصيام ، حتى يكون هذا الصيام مرتقى لنا أجمعين إلى كل خُلق فاضل وأدب رفيع ومعاملة حسنة طيبة .

نسأل الله جل في علاه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا وبأنه الله الذي لا إله إلا هو أن يغنِّمنا أجمعين خيرات رمضان وبركاته ، وأن يعيننا فيه على ما يحبه ويرضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال ، وأن يصلح لنا شأننا كله وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل .

الخطبة الثانية :

الحمد لله حمدًا كثيرًا ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداًعبده ورسوله ؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد أيها المؤمنون:اتقوا الله تعالى .

عباد الله : يتفاوت الصائمون في صيامهم وإن اتفقوا أجمعين في الإمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، يتفاوتون تفاوتًا عظيما وذلك -عباد الله- بحسب حظهم من حفظهم لصيامهم وإفادتهم منه ، فالفرق بينهم شاسع ومتباين ، ومِن أعظم ما يبين لك الفرق بين الصائمين قول النبي عليه الصلاة والسلام لما سئل «أَيُّ الصَّائِمِينَ أَعْظَمُ لِلَّهِ أَجْرًا؟» قَالَ: ((أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا)) ، وهو حديث حسن أورده الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه «الوابل الصيب»واستخلص منه قاعدةً عظيمة في باب العبادات ألا وهي : أن أعظم الناس أجرًا في كل عبادة أكثرهم لله ذكرًا فيها ، فالمصلُّون والصائمون والحجاج والمعتمرون وأهل كل طاعة أجرهم فيها على قدر ذكرهم لله فيها قلةً وكثرة ، فأعظم الناس أجرًا في كل طاعة أكثرهم لله ذكرًا فيها .

فيا أيها الصائم : احفظ صيامك بكثرة ذكر الله وبخاصةٍ قراءة القرآن الكريم ، واعمر أوقاتك في وقت صيامك تسبيحًا وتهليلا وتحميدًا وتكبيرا وذكرًا لله جل في علاه ؛ فإن ثوابك في صيامك على قدر حظك من ذكر لله فيه ، نسأل الله عز وجل أن يعيننا أجمعين على ذكره وشكره وحسن عبادته .

واعلموا -رعاكم الله- أن أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة .

وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) .

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد . وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبى بكرٍوعمرَ وعثمانَ وعلي ، وارض اللهمَّ عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعينا وحافظًا ومؤيدا ، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم . اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين . اللهم وفق ولي أمرنا لهداك ، واجعل عمله في رضاك ، اللهم وفقه وولي عهده لما تحبه وتضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال .

اللهم آت نفوسنا تقواها ، زكها أنت خير من زكاها ، أنت وليُّها ومولاها . اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى . اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، اللهم واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت . اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير ، والموت راحة لنا من كل شر . اللهم اغفر لنا ذنبنا كله ؛ دقه وجلَّه ، أوله وآخره ، علانيته وسره ، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وأخَّرنا ، وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا ، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت . اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . ربنا إنَّا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .

{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.

1


مدرسة الصيام Fasting school

إنَّ الحمد لله ؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلَّ له ، ومن يُضلِل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ، وصفيُّه وخليله ، وأمينه على وحيه ، ومبلِّغ الناس شرعه ، ما ترك خيرًا إلا دل الأمة عليه ، ولا شرًا إلا حذَّرها منه ؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

أمَّا بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله ربكم ، وراقبوه في جميع أعمالكم ؛ مراقبة من يعلمُ أن ربَّه يسمعُه ويراه. وتقوى الله: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله ، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله .

أيها المؤمنون: شهر رمضان المبارك شهر عظيم ؛ كثيرةٌ خيراته ، عظيمةٌ بركاته ، متعددةٌ فيه العطايا والهبات ، وهو أيها العباد مدرسةٌ إيمانية تربوية عظيمة يتلقى فيه المسلم من عظيم الأخلاق وكامل الآداب وتهذيب السلوك وأطر النفس على الحق والهدى ما قد لا يجده في غيره من الشهور ؛ ولهذا -عباد الله- يجب على من أدرك هذا الموسم العظيم أن يغنم خيراته العظيمة وبركاته العميمة وأن يستفيد من مدرسته المباركة ، يقول الله تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }[البقرة:183] ، نعم عباد الله {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ففي الصيام حِكم بالغات ومقاصد عظيمات وغايات ساميات لابد أن يفيدها كل صائم .

عباد الله : ليس الصيام مجرد حبس للنفس ومنعٍ لها من الطعام والشراب ، بل فيه أعمال وغايات ومقاصد لابد من تحقيقها ، فإن لم يكن عبد الله محققًا لها ضعف حظه من الصيام بل ربما كان صيامه عديم الأثر ، وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ)) ؛ قوله «إلا الجوع والعطش» أي أنه منع نفسه في صيامه من الطعام والشراب لكن لم يكن له حظٌ من صيامه إلا الجوع والعطش ؛ أي أن صيامه عديم الأثر أو ضعيفه . وهذا جانبٌ -عباد الله- لابد أن يُفقَه في هذا الباب العظيم حتى يكمِّل المرء صيامه ويتمِّم عبادته ليعلو بذلك ثوابه عند الله تبارك وتعالى ويفوز بربحٍ عظيم في هذه المدرسة المباركة مدرسة الصيام .

أيها المؤمنون : جاء في صحيح البخاري ومسلم عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((الصِّيَامُ جُنَّةٌ ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ)) ، ولعلك تجد في هذا الحديث هدايةً عظيمة للاستفادة من مدرسة الصيام وما فيه من تهذيبٍ للأخلاق وتقويم للسلوك و أطرٍ للنفس على الحق والهدى ، ففي الصيام منعٌ للنفس ، «الصيام جُنَّة» أي إذا حقق المرء صيامه وتممه فإنه جُنة وواقٍ له ؛ قيل: من الذنوب والمعاصي ، وقيل: من النار وسخط الجبار ، وهما معنيان يتمِّم أحدهما الآخر وكلاهما مقصود بهذا الحديث العظيم . فإن العبد في صيامه إذا وظَّف صيامه على متمِّه وكماله أفاده بعدًا عن الذنوب وتجنبًا للخطايا والسيئات واتقاءً لكل ما يسخط رب الأرض والسماوات ، وأفاده وقاية وسترًا ونجاة من النار وسخط الجبار جل في علاه .

أيها المؤمنون : وفي هذا الباب نفسه يقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)) ، ليست القضية -عباد الله- في الصيام أن يترك المرء الطعام والشراب حسب ، بل الصيام تربيةٌ للنفوس وتهذيبٌ للأخلاق ورقيٌ بالقيم والآداب إلى أعلى المقامات ورفيعها ، فمن لم يدع في صيامه قول الزور وهو الباطل بكل أنواعه والجهل والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه .

يا معاشر العباد ، أيها المؤمنون : اتقوا الله تعالى في صيامكم ، وراقبوا الله جل وعلا في جميع أعمالكم ، واحرصوا يا رعاكم الله على تكميل الصيام وتتميمه لنفيد الفائدة العظيمة من هذه المدرسة المباركة مدرسة الصيام ، حتى يكون هذا الصيام مرتقى لنا أجمعين إلى كل خُلق فاضل وأدب رفيع ومعاملة حسنة طيبة .

نسأل الله جل في علاه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا وبأنه الله الذي لا إله إلا هو أن يغنِّمنا أجمعين خيرات رمضان وبركاته ، وأن يعيننا فيه على ما يحبه ويرضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال ، وأن يصلح لنا شأننا كله وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل .

**الخطبة الثانية :**

الحمد لله حمدًا كثيرًا ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداًعبده ورسوله ؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد أيها المؤمنون:اتقوا الله تعالى .

عباد الله : يتفاوت الصائمون في صيامهم وإن اتفقوا أجمعين في الإمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، يتفاوتون تفاوتًا عظيما وذلك -عباد الله- بحسب حظهم من حفظهم لصيامهم وإفادتهم منه ، فالفرق بينهم شاسع ومتباين ، ومِن أعظم ما يبين لك الفرق بين الصائمين قول النبي عليه الصلاة والسلام لما سئل «أَيُّ الصَّائِمِينَ أَعْظَمُ لِلَّهِ أَجْرًا؟» قَالَ: ((أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا)) ، وهو حديث حسن أورده الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه «الوابل الصيب»واستخلص منه قاعدةً عظيمة في باب العبادات ألا وهي : أن أعظم الناس أجرًا في كل عبادة أكثرهم لله ذكرًا فيها ، فالمصلُّون والصائمون والحجاج والمعتمرون وأهل كل طاعة أجرهم فيها على قدر ذكرهم لله فيها قلةً وكثرة ، فأعظم الناس أجرًا في كل طاعة أكثرهم لله ذكرًا فيها .

فيا أيها الصائم : احفظ صيامك بكثرة ذكر الله وبخاصةٍ قراءة القرآن الكريم ، واعمر أوقاتك في وقت صيامك تسبيحًا وتهليلا وتحميدًا وتكبيرا وذكرًا لله جل في علاه ؛ فإن ثوابك في صيامك على قدر حظك من ذكر لله فيه ، نسأل الله عز وجل أن يعيننا أجمعين على ذكره وشكره وحسن عبادته .

واعلموا -رعاكم الله- أن أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة .

وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) .

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد . وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبى بكرٍوعمرَ وعثمانَ وعلي ، وارض اللهمَّ عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعينا وحافظًا ومؤيدا ، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم . اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين . اللهم وفق ولي أمرنا لهداك ، واجعل عمله في رضاك ، اللهم وفقه وولي عهده لما تحبه وتضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال .

اللهم آت نفوسنا تقواها ، زكها أنت خير من زكاها ، أنت وليُّها ومولاها . اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى . اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، اللهم واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت . اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير ، والموت راحة لنا من كل شر . اللهم اغفر لنا ذنبنا كله ؛ دقه وجلَّه ، أوله وآخره ، علانيته وسره ، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وأخَّرنا ، وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا ، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت . اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . ربنا إنَّا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .

{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.

1