×

We use cookies to help make LingQ better. By visiting the site, you agree to our cookie policy.


image

سلسلة المرأة, أنا مش شغالة البيت (1)

أنا مش شغالة البيت (1)

السَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ.

هلِ المطلوبُ منَ المرأةِ أنْ تعملَ شغّالةً عندَ زوجِها وأولادِها؟

هلْ تحاولونَ أنْ تضحكوا عليْنا بعبارةِ (مربِّيةِ الأجيالِ)

لتزيِّنوا لنا بها العملَ كشغّالةٍ في البيتِ؟

هلِ المطلوبُ منّي كامرأةٍ أنْ أحترقَ لأنيرَ الدَّربَ للآخرينَ،

زوجًا كانوا أوْ أولادًا؟

هلْ يطلبُ الإسلامُ منّي أنْ تتحوَّلَ حياتي إلى طبيخٍ وغسيلٍ وجليٍ وتنظيفٍ،

بما يستنفدُ ساعاتِ نهاري وقوَّةِ جسدي لحدِّ الإنهاكِ،

ثمَّ لا أجدُ وقتًا لتثقيفِ نفسي والتَّفاعلِ معَ مجتمعي،

بلْ وربما لإتقانِ عبادتي حتّى؟

هلْ مطلوبٌ منّي أنْ أطبخَ كلَّ يومٍ لزوجي وأولادي،

بحيثُ إذا وضعْتُ لهم خبزًا ولبنًا،

فمِنْ حقِّ الزَّوجِ أنْ يقولَ لي: قصَّرْتِ في عملِكِ؟

هلْ يحقُّ لزوجي أنْ يستعليَ على خدمةِ البيتِ

ويعتبرَ جليَ صحنِه أوْ تنظيفَ ثوبِه أوْ ترتيبَ ملابسِه منافيًا لرجولتِه؟

ثمَّ يلومَني إذا لمْ أقمْ بهذا كلِّهِ وراءَه؟

هلْ يحقُّ لأولادي وبناتي الصِّغارِ -فضلًا عنِ الكبارِ-

أنْ يعيشوا لشهواتِهم ولهْوِهم ولعبِهم،

ويُحدِثوا الفوضى وقلَّةَ التَّرتيبِ في البيتِ،

وأنا أخدمُ الجميعَ؟

هلِ المطلوبُ منَ الفتاةِ أنْ تخدمَ إخوانَها لمجرَّدِ أنَّها أنثى وهمْ ذكورٌ؟

هلْ يجبُ على المرأةِ خدمةُ أهلِ زوجِها؟

هلْ هناكَ حالاتٌ يحرُمُ على المرأةِ فيها خدمةُ زوجِها وأولادِها؟

إذا ضاقَتِ الحالةُ المادِّيَّةُ للأسرةِ، واحتاجَتِ المرأةُ إلى العملِ لتساعدَ الزَّوجَ،

ألا يُحمِّلُه ذلكَ مسؤوليَّةً أكبرَ في المشاركةِ في أعمالِ البيتِ؟

أمْ منْ حقِّه أنْ يقولَ لها: "هذهِ مشكلتُكِ دبِّري حالَكِ"

ويتوقَّعَ منها أنْ تؤدِّي الأدوارَ كلَّها ولو على حسابِ صحَّتِها وحقِّ نفسِها؟

الكلامُ الَّذي سنقولُه اليومَ -أيُّها الكرامُ-

هوَ بمثابةِ فكِّ الاشتباكِ في العلاقاتِ الأسريَّةِ،

﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ [الزُّمَر: 17-18]،

نبشِّرُهُم بأنَّ هذهِ الكلمةَ ستكونُ مريحةً لقلوبِهم،

ومساعِدةً على سيرِ مركبِ الأسرةِ بهناءٍ بإذنِ الله.

لسْنا هُنا اليومَ لنُجمِّلَ لكِ عملَ البيتِ على ما هوَ عليهِ حتّى نقنعَكِ بهِ،

بلْ سنقولُ لكِ:

وضعُ بيوتِ المسلمينَ اليومَ مشوَّهٌ بالفعلِ وغيرُ مُرضٍ،

فتعالَيْ نرى الأسبابَ لنتعاونَ على إصلاحِ بيوتِنا.

بدايةُ القصَّةِ:

خلقَ اللهُ الخلقَ لغايةٍ،

إنْ عملوا لها فالحياةُ الطَّيِّبةُ، وإنْ عكسوها فالمعيشةُ الضَّنك.

لوْ سألتَ أيَّ مسلمٍ: لماذا خلقَكَ اللهُ؟

فسيجيبُكَ: للعبادةِ، وسيتلو عليكَ:

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذّاريات: 56]،

لكنَّ عامَّةَ المسلمينَ إذا سمعَ: (عبادةً) تصوَّرَ سجّادةَ الصَّلاةِ والمسبحةَ،

ولمْ يفكِّرْ في مفهومِ العبادةِ الشّاملِ الَّذي يجبُ أنْ تنشأَ عليهِ الأُسرُ.

العبوديَّةُ للهِ هيَ حبلٌ منَ اللهِ،

﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمرانَ: 103]،

إنِ اعتصمْنا بهذا الحبلِ ترتَّبَتِ الأدوارُ والأولويَّاتُ والعلاقاتُ،

وعملَ الجميعُ بانسجامٍ

كالمغناطيسِ الَّذي تترتَّبُ القطعُ المعدنيَّةُ تجاهَهُ.

تنشأُ المشاكلُ عندَما يضيعُ هذا الهدفُ

فتختلطُ معَه الأولويّاتُ والأدوارُ،

تضيعُ البوصلةُ العظمى المشترَكةُ، فيصبحُ لكلٍّ بوصلتُه.

يقولُ الرَّجلُ: أريدُ إثباتَ ذاتي.

طبيعيٌّ جدًّا أنْ تسألَ المرأةُ حينئذٍ: - طيِّبٌ وذاتي؟

- أريدُ تلبيةَ رغباتي، - طيِّب، ورغباتي؟

فتختلفُ الأهواءُ، وتدبُّ الفرقةُ والنِّزاعُ والتَّهتُّكُ الأسريُّ.

بدايةُ التَّآلفِ هيَ بالاجتماعِ على العبوديَّةِ بمفهومِها الشّاملِ؛

العبوديَّةِ بمفهومِها الشّاملِ تعني:

كلَّ ما يحبُّه اللهُ منَ الأفعالِ والأقوالِ والمعاني القلبيَّةِ،

أنْ نحتكمَ في أمرِنا كلِّه للهِ، ونقيمَ شرعَه في حياتِنا،

ونتعلَّمَ العلمَ لنتلمَّسَ مُرادَه ورضاهُ سبحانَه.

أنْ ننظرَ في آياتِ اللهِ الكونيَّةِ ونتعلَّمَ العلومَ الطَّبيعيَّةَ ونتقنَها،

ونحقِّقَ الكفايةَ لأمَّتِنا، ونعملَ على إعزازِها،

﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61]،

بناءُ الأمَّةِ اقتصاديًّا وصناعيًّا وتقنيًّا،

معالجةُ مشكلةِ الفقرِ، الإعلامُ الهادفُ،

ابتكارُ العلاجاتِ لاستنقاذِ الأرواحِ

﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32]،

استعادةُ موازينِ القوى لأهلِ الحقِّ،

عرضُ الدّينِ الحقِّ للبشريَّةِ ومنعُ الافتراءِ عليهِ،

﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ...

...لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة:143]،

أنْ نعلِّمَ أبناءَنا ونُنشئَ فيهِم نفوسًا سويَّةً عزيزةً،

قويَّةً متميِّزةَ الهويَّةِ، بصيرةً بالغاياتِ،

أنْ نعملَ على الدِّفاعِ عنِ المظلومينَ في الأرضِ،

واستنقاذِ البشريَّةِ منَ استعبادِ النظام الدوليِّ،

﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ...

...وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَر﴾ [الحجّ: 41]،

أنْ تكونَ هذهِ الأهدافُ العظمى نصبَ أعينِنا،

ونُبرمجَ أوقاتَنا وأهدافَنا المرحليَّةَ على أساسِها،

أرجلُنا على الأرضِ وعيونُنا تتطلَّعُ إلى السماءِ،

نتنسَّمُ ريحَ الجنَّةِ، فإذا فتَرَتْ همَّتُنا نظرْنا إلى هذهِ الأهدافِ

فأشعلتْ فينا الحماسَ منْ جديدٍ.

هذهِ هيَ العبوديَّةُ بمفهومِها الشّاملِ، وهي رحمةٌ منَ اللهِ بعبادِه،

«يا عبادي إنَّكم لن تبلغوا ضُرِّي فتضُّروني...

ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني» [رواهُ مسلمٌ]،

﴿مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِه﴾ [الإسراء: 15].

العبوديَّةُ للهِ حبلٌ منَ اللهِ،

ينقذُهُم بهِ أنْ تتحوَّلَ سكينةُ الأسرةِ إلى شقاءٍ،

ويتحوَّلَ البنونَ -الَّذينَ يُفترضُ أنَّهُم زينةُ الحياةِ الدُّنيا؛

أنْ تتحوَّلَ هذهِ النِّعمةُ إلى عذابٍ.

إذا فهمْنا هذهِ المقدِّمةَ -يا كرامُ- عرفْنا سببَ المشكلةِ،

وعرفْنا الحلَّ، وعرفْنا الإجابةَ عنْ كثيرٍ منَ الأسئلةِ.

أيُّ تناولٍ لموضوعِ عملِ المرأةِ في البيتِ -بلْ ولأدوارِها عمومًا-

إذا لمْ يأخذْ هذهِ المقدِّمةَ بعينِ الاعتبارِ

فإنَّه سيكونُ تناولًا قاصرًا قدْ يسيءُ أكثرَ ممّا يحسِنُ،

مثلَ السُّؤالِ التَّقليديِّ المعروفِ:

هلْ يجبُ على المرأةِ القيامُ بحاجاتِ زوجِها وأولادِها

كالطَّبخِ وتنظيفِ البيتِ وغسلِ الملابسِ وغيرِه؟

الَّذي نفعلُه عادةً في الجوابِ عنْ هذا السُّؤالِ

هوَ أنَّنا نبدأُ بطرحِ الخلافِ الفقهيِّ،

وبأقوالِ الشّافعيِّ وأبي حنيفةَ وأحمدَ ومالكٍ، وترجيحاتِ مَنْ بعدَهم منَ العلماءِ.

لحظةً! أتِمَّ السُّؤالَ:

هلْ يجبُ على المرأةِ خدمةُ زوجِها الَّذي يُمضي وقتَه في قضاءِ رغباتِهِ،

ويتعالى عنِ القيامِ بشيءٍ منْ مهنةِ البيتِ،

ويظنُّ أنَّ له حقَّ الخدمةِ استحقاقًا مطلقًا لأنَّه الرَّجلُ وهيَ المرأةُ؟

هلْ يجبُ على المرأةِ خدمةُ أولادِها الَّذينَ يعيشونَ لاهتماماتٍ تافهةٍ،

يأكلونَ ويشربونَ ويُمضونَ السّاعاتِ على الـ (play station) أوِ الأفلامِ،

ويعتبرونَ أنَّ أمَّهم عليها خدمتُهُم أثناءَ ذلكَ، وأنَّ هذا منْ لوازمِ حنانِ الأمومةِ وتضحيتِها؟

الجوابُ عنْ هذهِ الأسئلةِ وبكلِّ وضوحٍ: لا، وألفُ لا!

والخوضُ في الخلافِ الفقهيِّ قبلَ تحديدِ الصّورةِ المسؤولِ عنْها

يعطي الانطباعَ بأنَّ مِنْ فقهاءِ الأمَّةِ -المتَّفقِ على إمامتِهم-

مَنْ يَقبلُ بهذهِ الصّورةِ المشوَّهةِ،

وهمْ أجلُّ وأرفعُ مِنْ أنْ يقبلوا بها.

لذلكَ -يا كرامُ- فانتزاعُ الفتاوى منْ واقعِها الَّذي صدرَتْ فيهِ،

وتركيبُها على واقعِنا المشوَّهِ، هوَ منَ الجهلِ وليسَ منَ الفقهِ في شيءٍ.

في المقابلِ إذا سألْتِ:

هلْ يجبُ على المرأةِ القيامُ بمهنةِ البيتِ لتكونَ ظهرًا وسندًا

لزوجٍ منهمكٍ في العملِ، لتهيئةِ العيشِ الكريمِ لها ولأبنائِها؟

زوجٍ يريدُ أنْ يكفيَها ويُعفَّها مواجهًا بذلكَ قوى العالمِ

الَّتي تريدُ أنْ تقطعَ صلتَها بأوليائِها، وتزُجَّ بها في أجواءٍ مسعورةٍ

لتعانيَ ما تعانيهِ المرأةُ الغربيَّةُ منْ ضياعٍ وإهدارٍ لكرامتِها وشرفِها

تحتَ عناوينِ: (التَّمكينِ الاقتصاديِّ للمرأةِ) كما رأيْنا.

هلْ يجبُ عليها القيامُ بمهنةِ البيتِ كجزءٍ منْ فريقٍ يعملُ لهدفٍ عظيمٍ،

مستعينةً في ذلكَ بأولادِها الَّذينَ ربَّتْهم على تحمُّلِ المسؤوليَّةِ،

وخدمةِ أنفسِهم، وبرِّ والدَيْهم،

ويعينُها زوجُها الَّذي لا يترفَّعُ عنْ عملِ البيتِ ولا يستكبرُ؟

إذا طرحْتِ السُّؤالَ بهذهِ الطَّريقةِ فلنْ تنتظري الجوابَ،

بلْ ستُجيبينَ نفسَكِ بنفسِكِ.

وكِلا السُّؤالَينِ بدأا بـِ: (هلْ على المرأةِ القيامُ بمهنةِ البيتِ)،

وشتّانَ بينَ الحالَيْنِ.

وبذلكَ تفهمينَ لماذا لمْ يكنْ عملُ المرأةِ في مهنةِ البيتِ

يشكِّلُ محلَّ خلافٍ عامٍّ في القرونِ الفاضلةِ،

وكانَ الرَّأيُ الفقهيُّ موجودًا بأنَّ مهنةَ البيتِ ليسَتْ منْ عقدِ الزَّوجيَّةِ،

ومعَ ذلكَ لمْ يكنْ يتسبَّبُ في إشكاليَّةٍ

كانَتِ المرأةُ تشعرُ باللَّذةِ وهيَ تسندُ زوجَها وترعى بيتَها،

فيخرجُ ابنُها عالمًا أو قائدًا أو مجاهدًا،

وتشعرُ أنَّها أنجزَتْ وحقَّقَتْ ووهبَتْ للأمَّةِ،

وتستمتعُ فطريًّا بهذا العملِ،

وما كانَ يُتصوَّرُ -في ظلِّ وجودِ الهدفِ المشتركِ- أنْ تقولَ المرأةُ:

لا أريدُ أنْ أعملَ شيئًا في البيتِ،

لأنَّها بذلكَ كأنَّها تقولُ:

لا أريدُ أنْ أعيشَ لغايةٍ، بلْ أريدُ أنْ أعيشَ لشَهواتي وأهوائي،

أوْ أريدُ أنْ أحقِّقَ إنجازاتٍ أخرى،

وأتركُ إسنادَ زوجي وأولادي الَّذينَ يعملونَ لأهدافٍ عظيمةٍ.

ما أصبحَ عملُ البيتِ مشكلةً ومحلَّ نزاعٍ

إلّا لمّا ضاعَ الهدفُ العظيمُ المشتركُ،

واضمحلَّ معنى العبوديَّةِ في حياةِ الأسرةِ.

قدْ تقولينَ: طيِّب، كلامُكَ جميلٌ،

لكنَّ زوجي ليسَ كما وصفْتَ، ولا أولادي.

دورُكِ أنتِ -يا مسلمةً- حتّى لا تكوني مجرَّد (شغّالة)،

دورُكِ أنتِ أنْ تختاري ابتداءً الزَّوجَ الَّذي يشاركُكِ هذهِ الأهدافَ،

وإنْ كنتِ متزوِّجةً فأنْ تعيدي إحياءَ الهدفِ للجميعِ،

النِّساءُ معروفاتٌ بقدرةٍ فائقةٍ على تحقيقِ الأهدافِ الَّتي يضعْنَها نصبَ أعينِهنَّ،

بكثرةِ الحديثِ عنْها والتَّركيزِ علَيها؛

تريدُ ثيابًا جديدةً، قطعةَ أثاثٍ جديدةً…

تصوَّري عندَما يكونُ هدفُكِ إحياءَ الأهدافِ الصَّحيحةِ للأسرةِ منْ جديدٍ،

ويكونُ عندَكِ صبرٌ وطولُ نفَسٍ في تحقيقِ هذهِ الأهدافِ.

طيِّب، لم تجدي تجاوبًا منَ الزَّوجِ أوْ منَ الأولادِ،

ويريدونَكِ بالفعلِ مجرَّدَ شغّالةٍ، تخدمينَهُم وهمْ عاكفونَ على أهوائِهم،

أوْ لديهِم متطلَّباتٌ استهلاكيَّةٌ عاليةٌ،

أو زوجُك يكلِّفُكِ بخدمةِ أهلِه،

لا على سبيلِ حسنِ العشرةِ، وبذلِ المعروفِ والإحسانِ،

بلْ على وجهِ الإلزامِ وكأنَّه منْ واجباتِكِ،

هنا لا يفرضُ اللهُ عليكِ أنْ تقبلي بأداءِ تلكَ الأعمالِ،

بلْ ويلزمُكِ الحزمُ معَ الأبناءِ لصالحِكِ وصالحِهِم.

وقدْ تصبرينَ على زوجِكِ راجيةً بذلكَ الثَّوابَ وحسنَ العاقبةِ،

وأنْ يثمرَ معروفُكِ في أخلاقِهِ،

وأنتِ معَ ذلكَ قائمةٌ بالأساسيّاتِ الَّتي تكلَّمْنا عنْها

منْ حقِّ نفسِكِ وحقِّ ربِّكِ عليكِ،

لا يمنعُكِ الشَّرعُ منْ ذلكَ ما دامَ باختيارِكِ ورضاكِ.

في المقابلِ إذا أصبحْتِ تُحمَّلينَ فوقَ طاقتِكِ،

وأصبحَ أداؤُكِ لهذهِ الأعمالِ يضرُّ بجسمِكِ أوْ يؤذي نفسَكِ،

بلْ وقدْ يُفسدُ عليكِ أداءَ ما أوجبَه اللهُ عليكِ

كصلاتِكِ وطلبِكِ للعلمِ الواجبِ عليكِ،

هلْ نقولُ لكِ حينئذٍ:

(معلشْ اصبري وضَحّي، وكوني شمعةً تحترقُ لتنيرَ الدَّربَ للآخرينَ)؟

لا، بلْ لا يجوزُ لكِ ذلكَ.

ونعودُ هنا لترتيبِ الأولويّاتِ

الَّذي تكلَّمْنا عنْه في حلقةِ (البحثِ عنِ الذّاتِ)،

فنفسُكِ أولى الأولويّاتِ، وهيَ أوَّلُ ما تحاسَبينَ عليهِ،

﴿عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ﴾ [المائدة: 105]،

﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم: 6]،

نفسُكِ أولًا،

لا يجوز لكِ أن تُهلكي نفسَكِ وتقصِّري في الأساساتِ الَّتي أوجبَها اللهُ عليكِ

لرفاهيَّةِ غيرِكِ ولوْ بدافعِ الأمومةِ،

فهذا لنْ ينفعَكِ

﴿يومَ يفرُّ المرءُ مِنْ أخيهِ. وأمِّهِ وأبيهِ . وصاحبتِهِ وبنيهِ...

...لكلِّ امرِئٍ منهُمْ يومئذٍ شأنٌ يُغنيهِ﴾ [عبس:34-37].

فأنتِ وزوجُكِ وأولادُكما وحياتُكم ملكٌ للهِ ربِّ العالمينَ،

لستِ ملكًا لأحدٍ ليستهلكَ صحَّتَكِ الجسديَّةَ أوِ النَّفسيَّةَ،

أوْ يقتحمَ دائرةَ نجاحِكِ في الأساسيّاتِ منْ أجلِ رفاهيّاتِه، أوْ لرفضِ تحمُّلِ مسؤوليّاتِهِ،

وفي الحديثِ الَّذي رواهُ (البخاريُّ ومسلمٌ) قالَ نبيُّنا -صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:

«إنَّما الطّاعةُ في المعروفِ»

-لكنْ يا أخي أحيانًا لا خَيارَ، مشْ بكيفي،

أُجبَرُ على ذلكَ إجبارًا مِنْ زوجٍ قاسٍ،

وأهلي لا يتعرَّفونَ عليَّ ولا ينصفونَني إذا لجأْتُ إليهِم.

-آها، لازمٌ أنْ تكوني عارفةً حينئذٍ أنَّ هذا ظلمُ النّاسِ لكِ،

لا أنَّ الشَّريعةَ هيَ الَّتي ظلمَتْكِ،

يقينُكِ بذلكَ هوَ بدايةُ الحلِّ،

لمّا تكونُ الشَّريعةُ بظهرِكِ تستندينَ إليها

وتخاطبينَ بها أهلَكِ وزوجَكِ،

أنْ تعالَوْا! أنا وأنتُم مسلمونَ، فتعالَوْا إذنْ نرى حُكمَ اللهِ بينَنا،

ثمَّ تتَّخذينَ قراراتِكِ وتدرسينَ خياراتِكِ

على أساسِ تجاوبِهِم معَ ذلكَ، وقدرتِكِ على التَّحمُّلِ،

وأنتِ في هذا كلِّهِ مستعينةٌ بربِّكِ -سبحانَه

تُحسنينَ الظَّنَّ بِه وبحكمتِه ورحمتِه وعدلِه.

عملُ البيتِ -على وضعِه الحاليِّ اليومَ في كثيرٍ منَ الأُسرِ- ثقيلٌ منفِّرٌ بالفعلِ،

لسْنا هنا لنزيِّنَه لكِ، ولا لنضعَ حِملَه عليكِ،

بلْ لنرى مشاكلَه ونعملَ على إصلاحِها، ونوزِّعَ أدوارَه.

يمكنُ أنْ نلخِّصَ أسبابَ تحوُّلِ مهنةِ البيتِ إلى مشكلةٍ في خمسةِ أسبابٍ:

1- غيابُ الهدفِ العظيمِ المشتركِ.

وهذا نتجَ عنه:

2- تقصيرُ الوالدَينِ في تربيةِ الأولادِ على معاني البرّ،ِ

والعملِ لغايةٍ، والتَّخفُّفِ منَ الدُّنيا.

وهذا نتجَ منْهُ أنْ يعيشَ البيتُ والأولادُ -الَّذينَ جفَّتْ أرواحُهم-

3- أن يعيشوا حياةً مادِّيَّةً استهلاكيَّةً كثيرةَ المتطلَّباتِ.

4. بالإضافةِ إلى تعالي الرِّجالِ في كثيرٍ منَ الأحيانِ على المشاركةِ في عملِ البيتِ.

5- وعدمِ تمييزِ حدودِ الفضلِ والعدلِ بحيثُ تُطالَبُ المرأةُ بأمور،ٍ

الأصلُ أنْ تكونَ مخيَّرةً في عملِها على سبيلِ الفضلِ والإحسانِ منْها،

ومعَ ذلكَ تُفرَضُ علَيها وتُعتبَرُ مقصِّرةً إذا لمْ تقُمْ بها.

لكنْ خذي بالَكِ يا أختي،

ليسَ الإسلامُ هوَ الَّذي أوجدَ هذهِ المشاكل، بلْ غيابُ الإسلامُ.

فالإسلامُ أوجدَ الأهدافَ العُظمى المشتركةَ

الَّتي تجعلُ الأبَ والأمَّ والأولادَ -كلًّا منهُم- يشاركُ في عملِ البيتِ بسرورٍ وهناءِ نَفْسٍ،

والإسلامُ أمرَ الآباءَ بإحسانِ تربيةِ أبنائِهم، والأبناءَ ببرِّ والديهِم وخدمتِهِم،

والإسلامُ حضَّ على التَّخفُّفِ منَ الدُّنيا

وعدمِ الاستكثارِ منَ الاستهلاكيّاتِ، وما ينتجُ عنها منْ متطلَّباتٍ منزليَّةٍ،

والإسلامُ حضَّ الزَّوج على المشاركةِ في عملِ البيتِ،

والإسلامُ ميَّزَ حدودَ الفضلِ والعدلِ،

وأعطى المرأةَ الخيارَ في قبولِ أوْ رفضِ القيامِ بأعمالٍ

يعتبرها البعض منْ واجباتِها، وليسَتْ كذلكَ -كما سنرى.

لمَّا خالفْنا الإسلامَ في هذا كلِّهِ أصبحَ عملُ البيتِ ثقيلًا كريهًا،

وطبيعيٌّ ألّا تجدي نفسَكِ في مثلِ هذا العملِ.

العجيبُ في الموضوعِ

أنَّنا ابتعدْنا عنِ الإسلامِ في حياتِنا فنتجَ عن ذلكَ علاقاتٌ مشوَّهةٌ ومشاكلُ،

ثمَّ صارَ البعض يحاكمُ الإسلامَ

كأنَّه أنتجَ هذهِ المشاكلَ الَّتي ما نتجَتْ إلّا منْ تغييبِهِ!

أمَّا الأهدافُ العظمى فقدْ تكلَّمْنا عنْها،

والمرأةُ الَّتي تحضِّرُ الأطباقَ لزوجِها وأولادِها ليأكلوا،

وتهيِّئُ لهم جوًّا مريحًا نظيفًا

سوفَ تستمتعُ إذا كانَ هذا كلُّه في سبيلِ هدفٍ سامٍ يعملُ لأجلِه الجميعُ.

أعرف أسرةً طيِّبةً تعيشُ لهدفٍ،

الزَّوجُ دكتورٌ جامعيٌّ في نُظمِ معلوماتٍ حاسوبيَّةٍ،

متقِنٌ لعملِه، يحضِّرُ للأستاذيَّةِ (Professorship)،

صاحبُ أبحاثٍ في مجلّاتٍ عالميَّةٍ،

محبوبٌ لطلّابِه، يعلِّمُهمُ العلمَ النَّافعَ، ويزرعُ فيهِمُ القيمَ الإسلاميَّةَ،

ويسعى معَ هذا كلِّه على الأراملِ والمساكينِ.

وزوجتُه الفاضلةُ درسَتْ -وهيَ متزوجةٌ منْه- علمَ الحديثِ،

ونالَتْ درجةَ الدُّكتوراةِ في تخصُّصٍ دقيقٍ منْه،

وأعانَها زوجُها على ذلكَ،

وهما مربِّيانِ فاضلانِ،

كما يظهرُ في انسجامِ بيتِهِما وأخلاقِ أولادِهما

ونجاحِهم في الدّينِ والدُّنيا -فيما نحسبُهم.

في ما يُعرفُ بِـ(يومِ المرأةِ العالميِّ) الماضي،

وردًّا على النَّزعةِ النَّسويَّةِ

نشرَتْ هذهِ الدُّكتورةُ الفاضلةُ مقالًا تقولُ فيهِ:

"في يومِ المرأةِ العالميِّ أعترفُ أنَّني أحبُّ كَوْنيَ امرأةً؛

فأنا ما زلتُ أحبُّ أنْ أرعى أسرتي،

وأنْ أطهوَ لهُم ما يحبّونَه بقلبٍ سعيدٍ.

ما زلتُ أحبُّ أنْ أعتنيَ ببَيْتي منْ تنظيفٍ، وغسيلٍ للملابسِ، وطيِّها.

ما زلتُ أحبُّ أنْ أقصَّ أظافرَ صغيراتي، وأنْ أتابعَ دروسَهنَّ وتحصيلَهنَّ العلميَّ.

ما زلتُ أحبُّ تهويةَ البيتِ، وتعطيرَه، وتلميعَ الزُّجاجِ.

ما زلتُ أشعرُ بسعادةٍ عندَما أرتِّبُ الرُّفوفَ وأنسِّقُ الألوانَ.

ما زلتُ أحبُّ أنْ أجمعَ عائلتي حَولي، وأنْ أكونَ لهُم ملاذًا مِنْ قسوةِ هذهِ الدُّنيا.


أنا مش شغالة البيت (1) I don't work at home (1)

السَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ.

هلِ المطلوبُ منَ المرأةِ أنْ تعملَ شغّالةً عندَ زوجِها وأولادِها؟

هلْ تحاولونَ أنْ تضحكوا عليْنا بعبارةِ (مربِّيةِ الأجيالِ)

لتزيِّنوا لنا بها العملَ كشغّالةٍ في البيتِ؟

هلِ المطلوبُ منّي كامرأةٍ أنْ أحترقَ لأنيرَ الدَّربَ للآخرينَ،

زوجًا كانوا أوْ أولادًا؟

هلْ يطلبُ الإسلامُ منّي أنْ تتحوَّلَ حياتي إلى طبيخٍ وغسيلٍ وجليٍ وتنظيفٍ،

بما يستنفدُ ساعاتِ نهاري وقوَّةِ جسدي لحدِّ الإنهاكِ،

ثمَّ لا أجدُ وقتًا لتثقيفِ نفسي والتَّفاعلِ معَ مجتمعي،

بلْ وربما لإتقانِ عبادتي حتّى؟

هلْ مطلوبٌ منّي أنْ أطبخَ كلَّ يومٍ لزوجي وأولادي،

بحيثُ إذا وضعْتُ لهم خبزًا ولبنًا،

فمِنْ حقِّ الزَّوجِ أنْ يقولَ لي: قصَّرْتِ في عملِكِ؟

هلْ يحقُّ لزوجي أنْ يستعليَ على خدمةِ البيتِ

ويعتبرَ جليَ صحنِه أوْ تنظيفَ ثوبِه أوْ ترتيبَ ملابسِه منافيًا لرجولتِه؟

ثمَّ يلومَني إذا لمْ أقمْ بهذا كلِّهِ وراءَه؟

هلْ يحقُّ لأولادي وبناتي الصِّغارِ -فضلًا عنِ الكبارِ-

أنْ يعيشوا لشهواتِهم ولهْوِهم ولعبِهم،

ويُحدِثوا الفوضى وقلَّةَ التَّرتيبِ في البيتِ،

وأنا أخدمُ الجميعَ؟

هلِ المطلوبُ منَ الفتاةِ أنْ تخدمَ إخوانَها لمجرَّدِ أنَّها أنثى وهمْ ذكورٌ؟

هلْ يجبُ على المرأةِ خدمةُ أهلِ زوجِها؟

هلْ هناكَ حالاتٌ يحرُمُ على المرأةِ فيها خدمةُ زوجِها وأولادِها؟

إذا ضاقَتِ الحالةُ المادِّيَّةُ للأسرةِ، واحتاجَتِ المرأةُ إلى العملِ لتساعدَ الزَّوجَ،

ألا يُحمِّلُه ذلكَ مسؤوليَّةً أكبرَ في المشاركةِ في أعمالِ البيتِ؟

أمْ منْ حقِّه أنْ يقولَ لها: "هذهِ مشكلتُكِ دبِّري حالَكِ"

ويتوقَّعَ منها أنْ تؤدِّي الأدوارَ كلَّها ولو على حسابِ صحَّتِها وحقِّ نفسِها؟

الكلامُ الَّذي سنقولُه اليومَ -أيُّها الكرامُ-

هوَ بمثابةِ فكِّ الاشتباكِ في العلاقاتِ الأسريَّةِ،

﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ [الزُّمَر: 17-18]،

نبشِّرُهُم بأنَّ هذهِ الكلمةَ ستكونُ مريحةً لقلوبِهم،

ومساعِدةً على سيرِ مركبِ الأسرةِ بهناءٍ بإذنِ الله.

لسْنا هُنا اليومَ لنُجمِّلَ لكِ عملَ البيتِ على ما هوَ عليهِ حتّى نقنعَكِ بهِ،

بلْ سنقولُ لكِ:

وضعُ بيوتِ المسلمينَ اليومَ مشوَّهٌ بالفعلِ وغيرُ مُرضٍ،

فتعالَيْ نرى الأسبابَ لنتعاونَ على إصلاحِ بيوتِنا.

بدايةُ القصَّةِ:

خلقَ اللهُ الخلقَ لغايةٍ،

إنْ عملوا لها فالحياةُ الطَّيِّبةُ، وإنْ عكسوها فالمعيشةُ الضَّنك.

لوْ سألتَ أيَّ مسلمٍ: لماذا خلقَكَ اللهُ؟

فسيجيبُكَ: للعبادةِ، وسيتلو عليكَ:

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذّاريات: 56]،

لكنَّ عامَّةَ المسلمينَ إذا سمعَ: (عبادةً) تصوَّرَ سجّادةَ الصَّلاةِ والمسبحةَ،

ولمْ يفكِّرْ في مفهومِ العبادةِ الشّاملِ الَّذي يجبُ أنْ تنشأَ عليهِ الأُسرُ.

العبوديَّةُ للهِ هيَ حبلٌ منَ اللهِ،

﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمرانَ: 103]،

إنِ اعتصمْنا بهذا الحبلِ ترتَّبَتِ الأدوارُ والأولويَّاتُ والعلاقاتُ،

وعملَ الجميعُ بانسجامٍ

كالمغناطيسِ الَّذي تترتَّبُ القطعُ المعدنيَّةُ تجاهَهُ.

تنشأُ المشاكلُ عندَما يضيعُ هذا الهدفُ

فتختلطُ معَه الأولويّاتُ والأدوارُ،

تضيعُ البوصلةُ العظمى المشترَكةُ، فيصبحُ لكلٍّ بوصلتُه.

يقولُ الرَّجلُ: أريدُ إثباتَ ذاتي.

طبيعيٌّ جدًّا أنْ تسألَ المرأةُ حينئذٍ: - طيِّبٌ وذاتي؟

- أريدُ تلبيةَ رغباتي، - طيِّب، ورغباتي؟

فتختلفُ الأهواءُ، وتدبُّ الفرقةُ والنِّزاعُ والتَّهتُّكُ الأسريُّ.

بدايةُ التَّآلفِ هيَ بالاجتماعِ على العبوديَّةِ بمفهومِها الشّاملِ؛

العبوديَّةِ بمفهومِها الشّاملِ تعني:

كلَّ ما يحبُّه اللهُ منَ الأفعالِ والأقوالِ والمعاني القلبيَّةِ،

أنْ نحتكمَ في أمرِنا كلِّه للهِ، ونقيمَ شرعَه في حياتِنا،

ونتعلَّمَ العلمَ لنتلمَّسَ مُرادَه ورضاهُ سبحانَه.

أنْ ننظرَ في آياتِ اللهِ الكونيَّةِ ونتعلَّمَ العلومَ الطَّبيعيَّةَ ونتقنَها،

ونحقِّقَ الكفايةَ لأمَّتِنا، ونعملَ على إعزازِها،

﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61]،

بناءُ الأمَّةِ اقتصاديًّا وصناعيًّا وتقنيًّا،

معالجةُ مشكلةِ الفقرِ، الإعلامُ الهادفُ،

ابتكارُ العلاجاتِ لاستنقاذِ الأرواحِ

﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32]،

استعادةُ موازينِ القوى لأهلِ الحقِّ،

عرضُ الدّينِ الحقِّ للبشريَّةِ ومنعُ الافتراءِ عليهِ،

﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ...

...لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة:143]،

أنْ نعلِّمَ أبناءَنا ونُنشئَ فيهِم نفوسًا سويَّةً عزيزةً،

قويَّةً متميِّزةَ الهويَّةِ، بصيرةً بالغاياتِ،

أنْ نعملَ على الدِّفاعِ عنِ المظلومينَ في الأرضِ،

واستنقاذِ البشريَّةِ منَ استعبادِ النظام الدوليِّ،

﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ...

...وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَر﴾ [الحجّ: 41]،

أنْ تكونَ هذهِ الأهدافُ العظمى نصبَ أعينِنا،

ونُبرمجَ أوقاتَنا وأهدافَنا المرحليَّةَ على أساسِها،

أرجلُنا على الأرضِ وعيونُنا تتطلَّعُ إلى السماءِ،

نتنسَّمُ ريحَ الجنَّةِ، فإذا فتَرَتْ همَّتُنا نظرْنا إلى هذهِ الأهدافِ

فأشعلتْ فينا الحماسَ منْ جديدٍ.

هذهِ هيَ العبوديَّةُ بمفهومِها الشّاملِ، وهي رحمةٌ منَ اللهِ بعبادِه،

«يا عبادي إنَّكم لن تبلغوا ضُرِّي فتضُّروني...

ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني» [رواهُ مسلمٌ]،

﴿مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِه﴾ [الإسراء: 15].

العبوديَّةُ للهِ حبلٌ منَ اللهِ،

ينقذُهُم بهِ أنْ تتحوَّلَ سكينةُ الأسرةِ إلى شقاءٍ،

ويتحوَّلَ البنونَ -الَّذينَ يُفترضُ أنَّهُم زينةُ الحياةِ الدُّنيا؛

أنْ تتحوَّلَ هذهِ النِّعمةُ إلى عذابٍ.

إذا فهمْنا هذهِ المقدِّمةَ -يا كرامُ- عرفْنا سببَ المشكلةِ،

وعرفْنا الحلَّ، وعرفْنا الإجابةَ عنْ كثيرٍ منَ الأسئلةِ.

أيُّ تناولٍ لموضوعِ عملِ المرأةِ في البيتِ -بلْ ولأدوارِها عمومًا-

إذا لمْ يأخذْ هذهِ المقدِّمةَ بعينِ الاعتبارِ

فإنَّه سيكونُ تناولًا قاصرًا قدْ يسيءُ أكثرَ ممّا يحسِنُ،

مثلَ السُّؤالِ التَّقليديِّ المعروفِ:

هلْ يجبُ على المرأةِ القيامُ بحاجاتِ زوجِها وأولادِها

كالطَّبخِ وتنظيفِ البيتِ وغسلِ الملابسِ وغيرِه؟

الَّذي نفعلُه عادةً في الجوابِ عنْ هذا السُّؤالِ

هوَ أنَّنا نبدأُ بطرحِ الخلافِ الفقهيِّ،

وبأقوالِ الشّافعيِّ وأبي حنيفةَ وأحمدَ ومالكٍ، وترجيحاتِ مَنْ بعدَهم منَ العلماءِ.

لحظةً! أتِمَّ السُّؤالَ:

هلْ يجبُ على المرأةِ خدمةُ زوجِها الَّذي يُمضي وقتَه في قضاءِ رغباتِهِ،

ويتعالى عنِ القيامِ بشيءٍ منْ مهنةِ البيتِ،

ويظنُّ أنَّ له حقَّ الخدمةِ استحقاقًا مطلقًا لأنَّه الرَّجلُ وهيَ المرأةُ؟

هلْ يجبُ على المرأةِ خدمةُ أولادِها الَّذينَ يعيشونَ لاهتماماتٍ تافهةٍ،

يأكلونَ ويشربونَ ويُمضونَ السّاعاتِ على الـ (play station) أوِ الأفلامِ،

ويعتبرونَ أنَّ أمَّهم عليها خدمتُهُم أثناءَ ذلكَ، وأنَّ هذا منْ لوازمِ حنانِ الأمومةِ وتضحيتِها؟

الجوابُ عنْ هذهِ الأسئلةِ وبكلِّ وضوحٍ: لا، وألفُ لا!

والخوضُ في الخلافِ الفقهيِّ قبلَ تحديدِ الصّورةِ المسؤولِ عنْها

يعطي الانطباعَ بأنَّ مِنْ فقهاءِ الأمَّةِ -المتَّفقِ على إمامتِهم-

مَنْ يَقبلُ بهذهِ الصّورةِ المشوَّهةِ،

وهمْ أجلُّ وأرفعُ مِنْ أنْ يقبلوا بها.

لذلكَ -يا كرامُ- فانتزاعُ الفتاوى منْ واقعِها الَّذي صدرَتْ فيهِ،

وتركيبُها على واقعِنا المشوَّهِ، هوَ منَ الجهلِ وليسَ منَ الفقهِ في شيءٍ.

في المقابلِ إذا سألْتِ:

هلْ يجبُ على المرأةِ القيامُ بمهنةِ البيتِ لتكونَ ظهرًا وسندًا

لزوجٍ منهمكٍ في العملِ، لتهيئةِ العيشِ الكريمِ لها ولأبنائِها؟

زوجٍ يريدُ أنْ يكفيَها ويُعفَّها مواجهًا بذلكَ قوى العالمِ

الَّتي تريدُ أنْ تقطعَ صلتَها بأوليائِها، وتزُجَّ بها في أجواءٍ مسعورةٍ

لتعانيَ ما تعانيهِ المرأةُ الغربيَّةُ منْ ضياعٍ وإهدارٍ لكرامتِها وشرفِها

تحتَ عناوينِ: (التَّمكينِ الاقتصاديِّ للمرأةِ) كما رأيْنا.

هلْ يجبُ عليها القيامُ بمهنةِ البيتِ كجزءٍ منْ فريقٍ يعملُ لهدفٍ عظيمٍ،

مستعينةً في ذلكَ بأولادِها الَّذينَ ربَّتْهم على تحمُّلِ المسؤوليَّةِ،

وخدمةِ أنفسِهم، وبرِّ والدَيْهم،

ويعينُها زوجُها الَّذي لا يترفَّعُ عنْ عملِ البيتِ ولا يستكبرُ؟

إذا طرحْتِ السُّؤالَ بهذهِ الطَّريقةِ فلنْ تنتظري الجوابَ،

بلْ ستُجيبينَ نفسَكِ بنفسِكِ.

وكِلا السُّؤالَينِ بدأا بـِ: (هلْ على المرأةِ القيامُ بمهنةِ البيتِ)،

وشتّانَ بينَ الحالَيْنِ.

وبذلكَ تفهمينَ لماذا لمْ يكنْ عملُ المرأةِ في مهنةِ البيتِ

يشكِّلُ محلَّ خلافٍ عامٍّ في القرونِ الفاضلةِ،

وكانَ الرَّأيُ الفقهيُّ موجودًا بأنَّ مهنةَ البيتِ ليسَتْ منْ عقدِ الزَّوجيَّةِ،

ومعَ ذلكَ لمْ يكنْ يتسبَّبُ في إشكاليَّةٍ

كانَتِ المرأةُ تشعرُ باللَّذةِ وهيَ تسندُ زوجَها وترعى بيتَها،

فيخرجُ ابنُها عالمًا أو قائدًا أو مجاهدًا،

وتشعرُ أنَّها أنجزَتْ وحقَّقَتْ ووهبَتْ للأمَّةِ،

وتستمتعُ فطريًّا بهذا العملِ،

وما كانَ يُتصوَّرُ -في ظلِّ وجودِ الهدفِ المشتركِ- أنْ تقولَ المرأةُ:

لا أريدُ أنْ أعملَ شيئًا في البيتِ،

لأنَّها بذلكَ كأنَّها تقولُ:

لا أريدُ أنْ أعيشَ لغايةٍ، بلْ أريدُ أنْ أعيشَ لشَهواتي وأهوائي،

أوْ أريدُ أنْ أحقِّقَ إنجازاتٍ أخرى،

وأتركُ إسنادَ زوجي وأولادي الَّذينَ يعملونَ لأهدافٍ عظيمةٍ.

ما أصبحَ عملُ البيتِ مشكلةً ومحلَّ نزاعٍ

إلّا لمّا ضاعَ الهدفُ العظيمُ المشتركُ،

واضمحلَّ معنى العبوديَّةِ في حياةِ الأسرةِ.

قدْ تقولينَ: طيِّب، كلامُكَ جميلٌ،

لكنَّ زوجي ليسَ كما وصفْتَ، ولا أولادي.

دورُكِ أنتِ -يا مسلمةً- حتّى لا تكوني مجرَّد (شغّالة)،

دورُكِ أنتِ أنْ تختاري ابتداءً الزَّوجَ الَّذي يشاركُكِ هذهِ الأهدافَ،

وإنْ كنتِ متزوِّجةً فأنْ تعيدي إحياءَ الهدفِ للجميعِ،

النِّساءُ معروفاتٌ بقدرةٍ فائقةٍ على تحقيقِ الأهدافِ الَّتي يضعْنَها نصبَ أعينِهنَّ،

بكثرةِ الحديثِ عنْها والتَّركيزِ علَيها؛

تريدُ ثيابًا جديدةً، قطعةَ أثاثٍ جديدةً…

تصوَّري عندَما يكونُ هدفُكِ إحياءَ الأهدافِ الصَّحيحةِ للأسرةِ منْ جديدٍ،

ويكونُ عندَكِ صبرٌ وطولُ نفَسٍ في تحقيقِ هذهِ الأهدافِ.

طيِّب، لم تجدي تجاوبًا منَ الزَّوجِ أوْ منَ الأولادِ،

ويريدونَكِ بالفعلِ مجرَّدَ شغّالةٍ، تخدمينَهُم وهمْ عاكفونَ على أهوائِهم،

أوْ لديهِم متطلَّباتٌ استهلاكيَّةٌ عاليةٌ،

أو زوجُك يكلِّفُكِ بخدمةِ أهلِه،

لا على سبيلِ حسنِ العشرةِ، وبذلِ المعروفِ والإحسانِ،

بلْ على وجهِ الإلزامِ وكأنَّه منْ واجباتِكِ،

هنا لا يفرضُ اللهُ عليكِ أنْ تقبلي بأداءِ تلكَ الأعمالِ،

بلْ ويلزمُكِ الحزمُ معَ الأبناءِ لصالحِكِ وصالحِهِم.

وقدْ تصبرينَ على زوجِكِ راجيةً بذلكَ الثَّوابَ وحسنَ العاقبةِ،

وأنْ يثمرَ معروفُكِ في أخلاقِهِ،

وأنتِ معَ ذلكَ قائمةٌ بالأساسيّاتِ الَّتي تكلَّمْنا عنْها

منْ حقِّ نفسِكِ وحقِّ ربِّكِ عليكِ،

لا يمنعُكِ الشَّرعُ منْ ذلكَ ما دامَ باختيارِكِ ورضاكِ.

في المقابلِ إذا أصبحْتِ تُحمَّلينَ فوقَ طاقتِكِ،

وأصبحَ أداؤُكِ لهذهِ الأعمالِ يضرُّ بجسمِكِ أوْ يؤذي نفسَكِ،

بلْ وقدْ يُفسدُ عليكِ أداءَ ما أوجبَه اللهُ عليكِ

كصلاتِكِ وطلبِكِ للعلمِ الواجبِ عليكِ،

هلْ نقولُ لكِ حينئذٍ:

(معلشْ اصبري وضَحّي، وكوني شمعةً تحترقُ لتنيرَ الدَّربَ للآخرينَ)؟

لا، بلْ لا يجوزُ لكِ ذلكَ.

ونعودُ هنا لترتيبِ الأولويّاتِ

الَّذي تكلَّمْنا عنْه في حلقةِ (البحثِ عنِ الذّاتِ)،

فنفسُكِ أولى الأولويّاتِ، وهيَ أوَّلُ ما تحاسَبينَ عليهِ،

﴿عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ﴾ [المائدة: 105]،

﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم: 6]،

نفسُكِ أولًا،

لا يجوز لكِ أن تُهلكي نفسَكِ وتقصِّري في الأساساتِ الَّتي أوجبَها اللهُ عليكِ

لرفاهيَّةِ غيرِكِ ولوْ بدافعِ الأمومةِ،

فهذا لنْ ينفعَكِ

﴿يومَ يفرُّ المرءُ مِنْ أخيهِ. وأمِّهِ وأبيهِ . وصاحبتِهِ وبنيهِ...

...لكلِّ امرِئٍ منهُمْ يومئذٍ شأنٌ يُغنيهِ﴾ [عبس:34-37].

فأنتِ وزوجُكِ وأولادُكما وحياتُكم ملكٌ للهِ ربِّ العالمينَ،

لستِ ملكًا لأحدٍ ليستهلكَ صحَّتَكِ الجسديَّةَ أوِ النَّفسيَّةَ،

أوْ يقتحمَ دائرةَ نجاحِكِ في الأساسيّاتِ منْ أجلِ رفاهيّاتِه، أوْ لرفضِ تحمُّلِ مسؤوليّاتِهِ،

وفي الحديثِ الَّذي رواهُ (البخاريُّ ومسلمٌ) قالَ نبيُّنا -صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:

«إنَّما الطّاعةُ في المعروفِ»

-لكنْ يا أخي أحيانًا لا خَيارَ، مشْ بكيفي،

أُجبَرُ على ذلكَ إجبارًا مِنْ زوجٍ قاسٍ،

وأهلي لا يتعرَّفونَ عليَّ ولا ينصفونَني إذا لجأْتُ إليهِم.

-آها، لازمٌ أنْ تكوني عارفةً حينئذٍ أنَّ هذا ظلمُ النّاسِ لكِ،

لا أنَّ الشَّريعةَ هيَ الَّتي ظلمَتْكِ،

يقينُكِ بذلكَ هوَ بدايةُ الحلِّ،

لمّا تكونُ الشَّريعةُ بظهرِكِ تستندينَ إليها

وتخاطبينَ بها أهلَكِ وزوجَكِ،

أنْ تعالَوْا! أنا وأنتُم مسلمونَ، فتعالَوْا إذنْ نرى حُكمَ اللهِ بينَنا،

ثمَّ تتَّخذينَ قراراتِكِ وتدرسينَ خياراتِكِ

على أساسِ تجاوبِهِم معَ ذلكَ، وقدرتِكِ على التَّحمُّلِ،

وأنتِ في هذا كلِّهِ مستعينةٌ بربِّكِ -سبحانَه

تُحسنينَ الظَّنَّ بِه وبحكمتِه ورحمتِه وعدلِه.

عملُ البيتِ -على وضعِه الحاليِّ اليومَ في كثيرٍ منَ الأُسرِ- ثقيلٌ منفِّرٌ بالفعلِ،

لسْنا هنا لنزيِّنَه لكِ، ولا لنضعَ حِملَه عليكِ،

بلْ لنرى مشاكلَه ونعملَ على إصلاحِها، ونوزِّعَ أدوارَه.

يمكنُ أنْ نلخِّصَ أسبابَ تحوُّلِ مهنةِ البيتِ إلى مشكلةٍ في خمسةِ أسبابٍ:

1- غيابُ الهدفِ العظيمِ المشتركِ.

وهذا نتجَ عنه:

2- تقصيرُ الوالدَينِ في تربيةِ الأولادِ على معاني البرّ،ِ

والعملِ لغايةٍ، والتَّخفُّفِ منَ الدُّنيا.

وهذا نتجَ منْهُ أنْ يعيشَ البيتُ والأولادُ -الَّذينَ جفَّتْ أرواحُهم-

3- أن يعيشوا حياةً مادِّيَّةً استهلاكيَّةً كثيرةَ المتطلَّباتِ.

4\. بالإضافةِ إلى تعالي الرِّجالِ في كثيرٍ منَ الأحيانِ على المشاركةِ في عملِ البيتِ.

5- وعدمِ تمييزِ حدودِ الفضلِ والعدلِ بحيثُ تُطالَبُ المرأةُ بأمور،ٍ

الأصلُ أنْ تكونَ مخيَّرةً في عملِها على سبيلِ الفضلِ والإحسانِ منْها،

ومعَ ذلكَ تُفرَضُ علَيها وتُعتبَرُ مقصِّرةً إذا لمْ تقُمْ بها.

لكنْ خذي بالَكِ يا أختي،

ليسَ الإسلامُ هوَ الَّذي أوجدَ هذهِ المشاكل، بلْ غيابُ الإسلامُ.

فالإسلامُ أوجدَ الأهدافَ العُظمى المشتركةَ

الَّتي تجعلُ الأبَ والأمَّ والأولادَ -كلًّا منهُم- يشاركُ في عملِ البيتِ بسرورٍ وهناءِ نَفْسٍ،

والإسلامُ أمرَ الآباءَ بإحسانِ تربيةِ أبنائِهم، والأبناءَ ببرِّ والديهِم وخدمتِهِم،

والإسلامُ حضَّ على التَّخفُّفِ منَ الدُّنيا

وعدمِ الاستكثارِ منَ الاستهلاكيّاتِ، وما ينتجُ عنها منْ متطلَّباتٍ منزليَّةٍ،

والإسلامُ حضَّ الزَّوج على المشاركةِ في عملِ البيتِ،

والإسلامُ ميَّزَ حدودَ الفضلِ والعدلِ،

وأعطى المرأةَ الخيارَ في قبولِ أوْ رفضِ القيامِ بأعمالٍ

يعتبرها البعض منْ واجباتِها، وليسَتْ كذلكَ -كما سنرى.

لمَّا خالفْنا الإسلامَ في هذا كلِّهِ أصبحَ عملُ البيتِ ثقيلًا كريهًا،

وطبيعيٌّ ألّا تجدي نفسَكِ في مثلِ هذا العملِ.

العجيبُ في الموضوعِ

أنَّنا ابتعدْنا عنِ الإسلامِ في حياتِنا فنتجَ عن ذلكَ علاقاتٌ مشوَّهةٌ ومشاكلُ،

ثمَّ صارَ البعض يحاكمُ الإسلامَ

كأنَّه أنتجَ هذهِ المشاكلَ الَّتي ما نتجَتْ إلّا منْ تغييبِهِ!

أمَّا الأهدافُ العظمى فقدْ تكلَّمْنا عنْها،

والمرأةُ الَّتي تحضِّرُ الأطباقَ لزوجِها وأولادِها ليأكلوا،

وتهيِّئُ لهم جوًّا مريحًا نظيفًا

سوفَ تستمتعُ إذا كانَ هذا كلُّه في سبيلِ هدفٍ سامٍ يعملُ لأجلِه الجميعُ.

أعرف أسرةً طيِّبةً تعيشُ لهدفٍ،

الزَّوجُ دكتورٌ جامعيٌّ في نُظمِ معلوماتٍ حاسوبيَّةٍ،

متقِنٌ لعملِه، يحضِّرُ للأستاذيَّةِ (Professorship)،

صاحبُ أبحاثٍ في مجلّاتٍ عالميَّةٍ،

محبوبٌ لطلّابِه، يعلِّمُهمُ العلمَ النَّافعَ، ويزرعُ فيهِمُ القيمَ الإسلاميَّةَ،

ويسعى معَ هذا كلِّه على الأراملِ والمساكينِ.

وزوجتُه الفاضلةُ درسَتْ -وهيَ متزوجةٌ منْه- علمَ الحديثِ،

ونالَتْ درجةَ الدُّكتوراةِ في تخصُّصٍ دقيقٍ منْه،

وأعانَها زوجُها على ذلكَ،

وهما مربِّيانِ فاضلانِ،

كما يظهرُ في انسجامِ بيتِهِما وأخلاقِ أولادِهما

ونجاحِهم في الدّينِ والدُّنيا -فيما نحسبُهم.

في ما يُعرفُ بِـ(يومِ المرأةِ العالميِّ) الماضي،

وردًّا على النَّزعةِ النَّسويَّةِ

نشرَتْ هذهِ الدُّكتورةُ الفاضلةُ مقالًا تقولُ فيهِ:

"في يومِ المرأةِ العالميِّ أعترفُ أنَّني أحبُّ كَوْنيَ امرأةً؛

فأنا ما زلتُ أحبُّ أنْ أرعى أسرتي،

وأنْ أطهوَ لهُم ما يحبّونَه بقلبٍ سعيدٍ.

ما زلتُ أحبُّ أنْ أعتنيَ ببَيْتي منْ تنظيفٍ، وغسيلٍ للملابسِ، وطيِّها.

ما زلتُ أحبُّ أنْ أقصَّ أظافرَ صغيراتي، وأنْ أتابعَ دروسَهنَّ وتحصيلَهنَّ العلميَّ.

ما زلتُ أحبُّ تهويةَ البيتِ، وتعطيرَه، وتلميعَ الزُّجاجِ.

ما زلتُ أشعرُ بسعادةٍ عندَما أرتِّبُ الرُّفوفَ وأنسِّقُ الألوانَ.

ما زلتُ أحبُّ أنْ أجمعَ عائلتي حَولي، وأنْ أكونَ لهُم ملاذًا مِنْ قسوةِ هذهِ الدُّنيا.