×

We use cookies to help make LingQ better. By visiting the site, you agree to our cookie policy.


image

سلسلة المرأة, المدارس..تعليم أم تعليب؟ (2)

المدارس..تعليم أم تعليب؟ (2)

وحريصون على اتباعِ العاداتِ المُمْلاةِ عليهم،

وهذا ليس صُدفةً، بل نتيجةً للنظام التعليميِّ المُكثَّفِ،

والذي إن أردنا تعريفَه بشكلٍ علميٍّ:

هو عبارةٌ عن تقييدِ الفردِ، وتذويبِه ونزعِ فردانِيَّتِه"،

ثم ذِكْرِ مقترحاتٍ لعِلاجِ هذه القَولَبَة.

قد يقولُ قائلٌ: يا أخي، وما شأنُنا و(هارس) و (فشته)؟ هذا الكلامُ زمان،

الآن الغربُ يُعلي من قيمةِ حُريَّةِ التَّفكير،

هذه القَوْلبةُ ونَزْعُ حُريَّةِ الإرادةِ كانتْ زمان،

كانت زمان؟! ما قولك إذن في القَوْلَبة وغَسْلِ الأدمغةِ

الذي يَتعرَّضُ لهُ الطُّلابُ في العالمِ اليومَ فيما يَتَعَلَّقُ بملفِّ الشُّذوذِ الجِنْسيِّ مثلًا؟

بعدما تمَّ نَزْعُ الإرادةِ، وغَسْلُ الأدْمِغةِ مِنْ قِبَلُ بِتَحْويلِ الزِّنَا إلى حُرِّيَّةٍ شخصيَّةٍ.

إذا أصبحَ مُبرَّرًا أن تُنْتَزَعَ إرادةُ الطلابِ كما يُريدُ (فشته)،

ويتمَّ إدماجُهم حضاريًّا وإملاءُ القِيَمِ عليهم كَما يريدُ (هاريس)،

وكلُّ هذا تحتَ عُنْوانِ: (تَقْوِيةِ الدَّولةِ)،

ولم تكنْ هناك مرجعيةٌ ثابتةٌ صحيحةٌ من الوحي تَحكُمُ القِيَم،

فإنَّ القِيَمَ ستتغيرُ مِنْ زَمَنٍ لآخر،

فتقبُّلُ الشُّذوذِ -مثلا- هوَ الآنَ قيمةٌ حضاريَّةٌ يجبُ قَولَبةَ الطلابِ وغَسْلُ أدمِغتِهم لأجلِها،

بعدمَا كان الشذوذُ مرفوضًا رَفْضًا قاطعًا.

قارنْ هذا بالوضعِ الإسلاميِّ الصَّحيحِ

الذي يكون فيهِ الوَحْيُ هو المرجعَ والمِسْطرةَ التِّي لا تتغيرُ ولا تَتبدلُ مع مرورِ الزَّمن،

والذي يكونُ فيهِ: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) شعارَ الجَميعِ

في مُجتمعٍ مُحَصَّنٍ من أنْ يُملى على أطفالِه أهواءُ أو آراءُ طُغْمَةٍ من البشر.

حتَّى عامِ 1954

لم يكن مسموحًا للأطفالِ السُّودِ في أمريكا أن يَدرسوا في نفسِ الفُصول مع الأطفالِ البِيض،

ثمَّ قَرَّرتْ المَحكمةُ العُليا دمجَهم مع البِيض،

فثارتْ ثائرةُ الكَثيرينَ،

وخرجوا في مظاهراتٍ رافعينَ يافطاتٍ:

أَوقِفُوا دَمْجَ الأجناسِ... دَمْجُ الأجناس شيوعيَّة...

الطفلةُ روبي بريدجس "Ruby Bridges" كانت إذا دخلتْ الصَّفَّ

يَعترضُ الآباءُ ويُخرجون أبناءَهم البِيضَ منه لتبقى وحدَها،

ورُوبي لا زالتْ على قيدِ الحياة،

فَتَصوَّرُوا أنَّنا نُقلِّدُ هذه المنظومةَ، ونأخذُ منها النظامَ التعليميَّ دونَ كثيرِ غَرْبَلة،

وهيَ الَّتي بَقِيَتْ -لِعهْدٍ قريبٍ- تَتخبَّطُ بشكلٍ صارخٍ في التَّمْيِيزِ على أساسِ لونِ البشَرة،

مع أنَّنا أُمَّةُ (إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات :13]،

التي يقول فيها أميرُ المؤمنين القرشيُّ عمرُ بنُ الخطاب -رضي الله عنه:

"أبو بكرٍ سيِّدُنا وأَعْتَقَ سيِّدَنا"، يَعني: بِلالًا الحَبَشِيَّ الأسودَ -كما روى البخاري.

قد يقولُ قائلٌ: أنتَ تذكرُ سلبياتِ هذا النِّظامِ التعليميِّ، ولا تذكرُ إيجابياتِه، وهذا اِنحياز،

فنقول: هدفُنا هنا -يا كرام-

ليسَ العَرْضَ التَّاريخيَّ الأكاديميَّ الذي يذكرُ كافَّةَ تفاصيلِ الموضوعِ،

بلْ هدفُنا التَّركيزُ على النّقاطِ التي يفترقُ فيها هذا النِّظامُ التعليميُّ بشكلٍ كبيرٍ

عن مفهومِ التَّعليمِ والتَّعلُّم في الإسلام،

والثمارِ المشؤومةِ التي يُعانيها العالمُ من ذلك.

لسنا وحدَنا مَنْ يَنقِدُ هذهِ المنظومةَ ونتاجَها،

بل تَتَعالى أصواتٌ مِنْهُم هُم أنفسِهم بذلكَ،

عام 1983 وَجَّهتْ اللَّجنةُ الوطنيةُ للتميُّزِ التعليميِّ في أمريكا

تقريرًا للأمَّةِ الأمريكيَّةِ ولوَزارةِ التَّعليمِ بعنوان:

(أُمَّةٌ في خطر "A Nation at Risk": حتميةُ إصلاحِ التعليم.)

وكان مما قاله "James Harvey" كاتبُ التَّقرير:

"إنَّ الأُسُسَ التَّربويةَ لمجتمعِنا تتآكلُ في الوقتِ الحاضِرِ

بسببِ المدِّ المُتَصاعَدِ للرَّداءةِ التي تُهدِّد مستقبَلنا كدولةٍ وشعب،

فلو حاولتْ قوةٌ أجنبيَّةٌ وعدوَّةٌ فَرْضَ هذا الأداءِ التَّعليميِّ الرديءِ والفاشلِ

الذي نراه اليومَ على أمريكا،

لكُنَّا اعتبرْنَا هذا التَّصَرفَ بمثابةِ عُدوانٍ حَربيٍّ علينا".

طيِّب، هل تمَّ بالفعلِ إصلاحُ النِّظامِ التَّعليميِّ بعدَها؟

لعلَّ الجوابَ في كتاب "John Gatto" الذي نَشَرَهُ بعد (8) سنوات عام 1991،

(جون غاتو) كان قد عمل طويلًا في التدريس

ونَشَرَ كتابَه (Dumbing Us Down -يعني: جعلنا أغبياء أو إغباءنا:

المنهجَ المخفيَّ للتعليمِ الإجباريِّ)

ينتقدُ فيه المِنْهاجَ الأكاديميَّ في المدارس الأمريكية،

وانتشرَ الكتابُ بشكلٍ كبيرٍ، وأُصدرتْ منه نسخةٌ ثانيةٌ عام 2002،

وأودُّ أنْ أُترجمَ لكم مقتطفاتٍ مما جاء في هذا الكتاب؛ لتُدركوا حجمَ الأزمةِ،

يقول غاتو: "إنَّ المدارسَ والتعليمَّ المدرسيَّ هي بشكلٍ مُتزايدٍ

غيرُ خادمةٍ للمشاريعِ العظيمةِ على هذا الكوكب -يعني الأرض،

لم يَعدْ أحدٌّ يُصَدِّقُ أنَّ علماءَ الطَّبيعةِ يَحصلونَ على التَّأهيلِ اللَّازمِ في حِصَّةِ العلومِ،

ولا السِّياسِيُّون في حِصَّةِ التربية الوطنية،

ولا الشُّعراءُ في حِصِّة اللغةِ الإنجليزية"،

يعني أنَّ الناسَ النَّاجحين في تلك الدُّولِ لم تكنْ المدارسُ هي سببَ نجاحِهم.

يقول جون غاتو: "إنَّ الحقيقةَ هي أنَّ المدارسَ لا تُدرِّس أيَّ شيءٍ، إلا كيفَ تُطيعُ الأوامر،

يعني: (shaping) القولبة التي تكلمنا عنها،

يُتابع: "إنَّ المؤسسةَ المدرسيَّةَ سيكوباثية (psychopathic - معتلةٌ نفسيًّا)،

ليس لديها وَعْيٌ أو إدراك،

يرنُّ الجَرسُ فيكونُ على الولدِ أنْ يَقطعَ كتابةَ قصيدةٍ شِعريَّةٍ ويُغلقَ دفترَه،

لينتقلَ إلى خليةٍ أُخرى؛

حيثُ عليهِ أنْ يَحفظَ أنَّ الإنسانَ والقِرَدةَ ينحدرانِ من سَلَفٍ مشترَك".

أي: أنَّ الطالبَ يتعلمُ معلوماتٍ متناقضةً،

فيرى بنفسِه في حِصَّةِ الآدابِ أو اللغةِ قدراتِهِ البشريَّةَ التي تُميِّزُهُ عن الحيوانات،

ثمَّ في حِصَّةِ العُلومِ عليه أنْ يَحْفَظَ أنَّه أخٌ لهذهِ الحَيَوانات لأبٍ مشترَك؛

طبعًا لأنَّه ليسَ هناكَ رؤيةٌ موحَّدةٌ مُنطلقةٌ من الوحي الصادقِ،

بل تفكيكٌ لمكوناتِ الإنسانِ ووعيِه.

هذا الِفصامُ بين الموادِّ هو الطابعُ الموجودُ الآنَ في عامِّةِ المناهجِ المدرسيَّةِ عبر العالم،

خاصَّةً المناهجَ التي تُدغْدِغُ عاطفةَ الناس بموادّ دينيةٍ،

وفي الوقتِ ذاتِه، تُملي على الطُّلابِ ما تريدُه الدولةُ

أو ما يُمليهِ العِلمُ الزَّائفُ عن الكونِ والحياة.

يقول جون غاتو -أيضًا- في كتابه:

"لنْ يحصلَ إصلاحٌ على مستوى واسعٍ لطُلَّابِنا المدمَّرين، ولا لمجتمعِنا المدمَّرِ

إلا بتوسيعِنا لمفهومِ المدرسةِ، ليشملَ الأُسرةَ كمحرِّكٍ أساسٍ للتَّعليم"،

وهو ما تحدثنا عنه مِن تولِّي كل راعٍ مسئوليتَه في التعليم.

ويقول عن التعليم بشكلٍ عام:

"يجبُ أن يجعلَك غنيًّا روحيًّا،

يجبُ أنْ يُعلِّمَك أمرين مُهمَّين: كيفَ تَعيشُ، وكيفَ تموت"،

وهو ما لا تُعلِّمهُ المنظومةُ التَّعليميَّةُ الَّتي تُعنَى بالمادةِ أكثرَ من الإنسان.

حتى من نَّاحيةٍ ماديَّةٍ إنتاجيَّة، هل يُعتبر هذا النِّظامُ التعليميُّ ناجحًا؟

بل لا زالت الأصواتُ تتعالى بقصورِه حتى من هذه الناحية!

عام 2006 المُستشارُ الدَّوليُّ "Sir Ken Robinson"،

والذي مُنِحَ لقبَ (فارس) لخَدَماتِه في التعليم،

ألقى محاضرةً على "TED" هي الأكثرُ مشاهدةً في تاريخِ البرنامج

-حوالي 66 مليون مشاهدة حتى الآن،

بعنوان: (هل المدارسُ تقتلُ الإبداع؟)

انتقدَ فيها النظامَ التعليميَّ للمدارسِ،

مِن حيثُ إِنَّه يوجِدُ رهبةً من الخطأ؛ مِما يقتلُ في الطلابِ الإقدامَ والقدرةَ على الإبداع،

وأنَّه لا يُراعي حاجةَ الأطفالِ للحركةِ واللَّعب،

ومن حيث الجمودُ في التَّسلسلِ الهَرميِّ للموادِّ؛ فلا يَستكشفُ المواهبَ بل يدفِنُها.

ويقول روبينسون:

"إنَّ التعليمَ مثلُ أداةِ التَّنقيبِ التي تبحثُ وتُنقِّبُ عن أشياءَ مُحدَّدةٍ فقط، من مَنْجَمِ العقل،

وما دون ذلك فقد يُوصَمُ الطَّالبُ بأنَّهُ مريضٌ

بدلا من كونِه متميزًا في جوانبَ أخرى غيرِ المُنقَّبِ عنها".

ثم جاءَ الدكتور "George Land" ليتحدَّثَ في فيديو بعنوان: (فَشَلُ النَّجاح)

أنَّ وكالةَ الفضاءِ الأمريكيَّةَ ناسا

كانتْ طلبتْ منهُ ومِنْ زميلِه "Beth Jarman"

اختبارًا لِفَحْصِ الإِبداعيَّةِ لدى موظَّفِيها،

طوَّر هو وزميلًه هذا الاختبارَ

ثم قالا: فلنُجرِّبْهُ على الأطفالِ...

فوجدَا أنّه كُلَّما تعلَّم الأطفالُ في المدارسِ قُتلت القُدُراتُ الإبداعيَّةُ

التي كانتْ لديهم في البداية.

ثمَّ عادَ روبينسون عام 2013 ليَظْهَرَ على تيد في محاضرةٍ بعُنوان:

(كيفَ نَجتازُ وادي الموت التعليمي)،

سيقولُ قائلٌ: كيفَ يَصِفُ هؤلاءِ النِّظامَ التدريسيَّ بِقَتْلِ المواهبِ،

ونحن نشهدُ هذا التقدُّمَ الهائلَ في المُخترَعاتِ والاكتشافاتِ؟!

فنقولُ لكم: القُدراتُ التي مَنَحَها اللهُ للإنسانِ هائلةُ،

ومُكتَشفاتُ اليومِ هي نتيجةُ تَراكمٍ معرفيٍّ لقرونٍ كثيرةٍ

كان للمسلمينَ فيها باعٌ كبيرٌ -كما ذكرنا،

فالتَّقدُّمُ في الاكتشافاتِ لا يعني أنَّ النِّظامَ التعليميَّ في المدارسِ ناجحٌ،

بل في كتابِ: (دعائم التَّميز)، والمنشور عام 1962

تمَّ استعراضُ طفولةِ أكثرَ من 400 شخصيةٍ مؤثرةٍ في القرن العشرين،

ووُجِد أنَّ (3) من كلِّ (5) منهم -يعني 60%-

كانوا غيرَ راضينَ عن المدارسِ ولا عن المعلمين المَدرسيين.

وللعِلم، "Thomas Addison" كان مُدَرِّسُوهُ قد وصفُوه بأنَّه

غيرُ كُفءٍ للتَّعليمِ المدرسيِّ "Misfit".

لم يُكمل تعليمَه المدرسي، وتوقَّفَ عند المرحلةِ الابتدائية،

ثمَّ أصبح هذا الـ "Misfit" أحدَ أكبرِ المكتَشِفِين في العصرِ الحديث،

ولديه 1093 براءةَ اختراعٍ أمريكيَّة تَحملُ اسمَه.

"Albert Einstein" كان أستاذُ اللُّغةِ الاغريقيَّة قد أخبَره

أنَّه لن يُفلَحَ في شيء، وأَنَّه يُضِيعُ وقتَ الجميعِ، وعليهِ أنْ يُغَادِرَ المدرسةَ مباشرة.

واللهُ أعلمُ كم من الأذكياءِ والموهوبين شرقًا وغربًا دُفنتْ مواهبُهم؛

لعدمِ قدرةِ النِّظامِ التَّعليميِّ على اكتشافِهم وتنميةِ مواهبِهم.

هناك محاولاتٌ للخروجِ عن هذا النَّمطِ المدرسيِّ المعروف،

مثل: مدارس "Waldrof" التي تتجنَّبُ استخدامَ التِّكنولوجيا،

وترفعُ شعارَ: (التركيز على تنميةِ المواهب)،

وعَددٌ من موظفي ما يُعرف بـ "Silicon Valley" في أمريكا يضعونَ أبناءَهم فيها.

مؤسِّسُ فكرةِ هذه المدارسِ هو"Rudolf Steiner" المتأثرُ بالفلسفةِ الشرقيَّة،

لذلك لا تَستَغربْ عندما ترى أنَّ البرنامجَ الذي يُوزَّع على أولياء أمورِ الأطفال في الحضاناتِ

يتضمَّنُ في الـ "Snack time" أغنيةً

يشكرُ الطلابُ فيها الشمسَ والأرضَ والماءَ على الطَّعامِ الذي منحونا إيَّاه

وهذا هُنا في بلاد المسلمين،

ورحمة الله على ابن تيمية إذْ قال في كتابه: (اقتضاء الصراط المستقيم)

-في تبيِين الحِكمةِ من أمرِنا بمخالفةِ المشركين-

قال: " يكفيكَ أنَّ فسادَ الأصْلِ لابدَّ أن يُؤثِّرَ في الفرع،

ومن انتبهَ لهذا قد يعلمُ بعضَ الحكمةِ التي أنزلَها اللهُ؛

فإنَّ مَنْ في قلبِه مرضٌ قدْ يرتابُ في الأمرِ بنفسِ المخالفةِ لعدمِ استبانتِه لفائدته،

وحقيقة الأمرِ أنَّ جميعَ أعمالِ الكافرِ وأمورِه لا بُدَّ فيها من خللٍ يَمنعُها أنْ تتمَّ له منفعةٌ بها.

ولو فُرِض صلاحُ شيءٍ من أمورِه على التَّمام لاستحقَّ بذلك ثوابَ الآخرة،

ولكنْ كلُّ أمورِه إِمَّا فاسدةٌ وإما ناقصة".

يعني قد يستغربُ المسلمُ:

لماذا يأمرُ اللهُ ورسولُه -صلى الله عليه وسلم- بمُخالفةِ المشركين وعدمِ تقليدِهم

-تقليدهم في المناهج الثقافية مثلًا، لا نتكلمُ عن الاستفادةِ من المُكْتَشَفَات-

لكنْ تقليدُهم في المناهجِ التي لها علاقةٌ بالتصوُّرِ عن الكونِ والحياةِ،

تقليدهم في هذا متضمِّنٌ لفسادٍ قد تُلاحظُه وقد لا تُلاحظُه؛

فإنَّ أعمالَهم إما فاسدةٌ وإما ناقصة،

والجَدِيرُ بالمسلمينَ أنْ يُصوِّغُوا هم طريقتَهم في التعليم، اِنْطِلاقًا من مرجعيَّةِ الوحي.

من المحاولاتِ للخروج عن النَّمط التَّدريسيِّ الشَّائعِ

محاولاتُ الأميركي بنغالي الأصل (سلمان خان)

الحاصل على شهاداتٍ متنوِّعةٍ، وصاحبُ أسلوبٍ مُبسَّطٍ في الشرح،

والذي انتقدَ النِّظامَ التعليميَّ في كلمةٍ له على (تيد)،

وكذلك في مقابلةٍ لهُ بعنوان: (تاريخُ التَّعليم)،

وبعضُ معلومات حلقتنا مذكورةٌ في مقابلته هذه.

أسَّسَ سلمان خان مِنَصَّةً تعليميَّةً مجانيَّةً عالميَّةً تُدرِّسُ الكثيرَ من العلومِ،

بما يُفيدُه ذلك من مراعاةٍ للفُروقَاتِ الفرديَّةِ في الاستيعاب،

فتتيحُ للطالبِ أنْ يُشاهِدَ الموضوعَ الذي يُريدُ دراستَه،

ويُعيدُ الموضوعَ الذي لم يفهمْه بأسلوبِ شرحٍ مبسَّط.

لكنْ ما إن اشتهرتْ هذهِ المِنصةُ حتَّى احتواهَا حِيتَان الرَّأسمالية،

-مثل: جوجل "Google" وبيل جيتس "Bill Gates"- بِمِنَحٍ بِملايينِ الدُّولارَات،

ومع المِنَحِ المَالِيَّةِ تَأتِي الأَجِنْدَاتُ الفِكْريَّةُ والأخلاقيَّةُ كالعادة.

العامُ الماضي في العيدِ الخمسينَ للشَّواذِ،

والذي احتفلت به جوجل و مايكروسوفت

عَزَفَت (Khan Academy) على أنغامِهم بتغريداتٍ على انستغرام

تَرمِزُ شخصيَّاتٍ شاذَّةً جِنسيًّا.

ورصدت CBN NEWS كيف تقوم المِنصَّةُ بالزجِّ بِهذه الأجندةِ في دُروسِ الأطفالِ

بتَركِ فراغٍ مثلًا في دُروس اللغة الإنجليزيةِ في الحديث عن امرأتين،

وعلى الطالبِ أن يختارَ الإجابةَ الصَّحيحةَ لُغَوِيًّا، ما هي هذهِ الإجابةُ؟

زوجَتَيهِما! يعني: كلُّ امرأةٍ كانت تخرجُ مع (زوجتِها) إلى الغداء،

شَكْلٌ مِنْ أشكالِ الـIndoctrination؛

غَسْلِ أَدْمِغةِ الأطفالِ، وإملاءِ ما يُريدُه حِيتانُ الرَّأسمالية.

وعادتْ الأكاديمية فاحتفلتْ هذهِ السَّنةَ أيضًا بيوم الشَّواذِّ،

بِتَغْيِيِرِ شِعَارِها على تويتر إلى ألوانِ عَلَمِ الشَّواذِّ أثناءَ يومِهم،

فما دامَ التَّغييرُ إنَّما هو في الأسلوبِ والشَّكل، وليسَ في الدَّوافعِ والغاياتِ والمرجعيَّةِ،

فلن يَحصلَ الإصلاحُ المنشُود.

وما دامَ كثيرٌ من الدُّولِ ليسَ همَّها الأكبرَ تعليمُ الطُّلابِ ما ينفعُهم في دِينِهم ودُنياهُم،

وإنِّما (Indoctrination) القَولَبةُ، وتَكريسُ ما يُرادُ للأطفالِ أنْ يَقتنِعوا به،

وتعليمُ الانصياعِ -كما بيَّن أيمن عبد الرحيم في محاضرتِه: (مجتمعٌ بلا مدارس)-

فلنْ يحصلَ التَّغييرُ المنشود.

ظَهَرتْ أيضًا البرامجُ الدَّوليةُ مثل: IG وSAT وIB،

لكنْ تبقى هناكَ عناصرُ مشترَكةُ بينَ هذه الأشكالِ جميعًا،

-كلِّ أشكالِ التَّعليمِ التِّي ذكرناها اليوم:

- انقطاعُ العلمِ عن مرجعيَّةِ الوحي.

- قطعَ دِلالةِ العِلْم على الخالق والإيمانِ به.

- غيابُ المعنى التَّعبديِّ في طَلبِ العلمِ.

- القَولبةُ، وترسيخُ الاعتقاداتِ المُرادِ للطُلاب أن يَعتقدوها

بمرجعياتٍ متغيِّرةٍ يُمليها أصحابُ القُوَّةِ أو رأسِ المال،

- القابليةُ لتَغييرِ القِيَمِ بِشَكْلٍ مُستمرّ.

- قياسُ مُخرجاتِ التَّعليمِ بالعَلامةِ، والتأهُّلِ لسوقِ العمل،

وليسَ ببناءِ الإنسانِ المُتكاملِ المُؤهَّلِ لتحقيقِ العبوديةِ للهِ بمفهومِها الشَّامل،

- وفي كثيرٍ من المناهجِ: انفصالُ المَوادِّ بعضِها عن بعض، وتعارضُها فيما بينها،

بحيثُ يُدرَّس الطُّلابُ في حِصَّةِ الأحياءِ

ما يُصادِمُ الذي يتعلمونَه في حِصَّةِ الدِّين عن نَّشأةِ الكون والحياةِ مثلًا.

طيب، ما البديلُ؟ ما التعليمُ الذي نُريد؟ ما أركانُه؟

وما هو مكانُ المرأةِ من هذا كلِّه متأثرةً أو مؤثرة؟

هذا ما سنُجيبُ عنهُ في الحلَقةِ القادمةِ بإذن الله.

يَجدُر الذِّكرُ بأنني حصلتُ على كثيرٍ من معلوماتِ هذه الحلقة من مَادَّةٍ

قامَ بتجميعِها أخي الدكتور: عبدُالرحمن ذاكر،

الطبيبُ المعالِجُ النَّفسيُّ والتَّربويُّ، المهتمُّ بملفِ النَّفسِ والتعليمِ.

وكذلكَ استفدتُ في إعدادِها من مناقشةٍ مع أخي الأستاذ: أنس شيخ كريِّم

المختصِّ في الشريعةِ وعلمِ النَّفسِ التَّربوي،

ومِن جهودِ بعضِ الإخوةِ والأخواتِ

الذين ساعدوني في التَّحرِّي واستخراجِ المعلومات لِحلَقة اليوم،

فجزاهم الله خيرًا جميعًا.

والسلام عليكم ورحمة الله.


المدارس..تعليم أم تعليب؟ (2) Schools.. education or canning? (2)

وحريصون على اتباعِ العاداتِ المُمْلاةِ عليهم،

وهذا ليس صُدفةً، بل نتيجةً للنظام التعليميِّ المُكثَّفِ،

والذي إن أردنا تعريفَه بشكلٍ علميٍّ:

هو عبارةٌ عن تقييدِ الفردِ، وتذويبِه ونزعِ فردانِيَّتِه"،

ثم ذِكْرِ مقترحاتٍ لعِلاجِ هذه القَولَبَة.

قد يقولُ قائلٌ: يا أخي، وما شأنُنا و(هارس) و (فشته)؟ هذا الكلامُ زمان،

الآن الغربُ يُعلي من قيمةِ حُريَّةِ التَّفكير،

هذه القَوْلبةُ ونَزْعُ حُريَّةِ الإرادةِ كانتْ زمان،

كانت زمان؟! ما قولك إذن في القَوْلَبة وغَسْلِ الأدمغةِ

الذي يَتعرَّضُ لهُ الطُّلابُ في العالمِ اليومَ فيما يَتَعَلَّقُ بملفِّ الشُّذوذِ الجِنْسيِّ مثلًا؟

بعدما تمَّ نَزْعُ الإرادةِ، وغَسْلُ الأدْمِغةِ مِنْ قِبَلُ بِتَحْويلِ الزِّنَا إلى حُرِّيَّةٍ شخصيَّةٍ.

إذا أصبحَ مُبرَّرًا أن تُنْتَزَعَ إرادةُ الطلابِ كما يُريدُ (فشته)،

ويتمَّ إدماجُهم حضاريًّا وإملاءُ القِيَمِ عليهم كَما يريدُ (هاريس)،

وكلُّ هذا تحتَ عُنْوانِ: (تَقْوِيةِ الدَّولةِ)،

ولم تكنْ هناك مرجعيةٌ ثابتةٌ صحيحةٌ من الوحي تَحكُمُ القِيَم،

فإنَّ القِيَمَ ستتغيرُ مِنْ زَمَنٍ لآخر،

فتقبُّلُ الشُّذوذِ -مثلا- هوَ الآنَ قيمةٌ حضاريَّةٌ يجبُ قَولَبةَ الطلابِ وغَسْلُ أدمِغتِهم لأجلِها،

بعدمَا كان الشذوذُ مرفوضًا رَفْضًا قاطعًا.

قارنْ هذا بالوضعِ الإسلاميِّ الصَّحيحِ

الذي يكون فيهِ الوَحْيُ هو المرجعَ والمِسْطرةَ التِّي لا تتغيرُ ولا تَتبدلُ مع مرورِ الزَّمن،

والذي يكونُ فيهِ: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) شعارَ الجَميعِ

في مُجتمعٍ مُحَصَّنٍ من أنْ يُملى على أطفالِه أهواءُ أو آراءُ طُغْمَةٍ من البشر.

حتَّى عامِ 1954

لم يكن مسموحًا للأطفالِ السُّودِ في أمريكا أن يَدرسوا في نفسِ الفُصول مع الأطفالِ البِيض،

ثمَّ قَرَّرتْ المَحكمةُ العُليا دمجَهم مع البِيض،

فثارتْ ثائرةُ الكَثيرينَ،

وخرجوا في مظاهراتٍ رافعينَ يافطاتٍ:

أَوقِفُوا دَمْجَ الأجناسِ... دَمْجُ الأجناس شيوعيَّة...

الطفلةُ روبي بريدجس "Ruby Bridges" كانت إذا دخلتْ الصَّفَّ

يَعترضُ الآباءُ ويُخرجون أبناءَهم البِيضَ منه لتبقى وحدَها،

ورُوبي لا زالتْ على قيدِ الحياة،

فَتَصوَّرُوا أنَّنا نُقلِّدُ هذه المنظومةَ، ونأخذُ منها النظامَ التعليميَّ دونَ كثيرِ غَرْبَلة،

وهيَ الَّتي بَقِيَتْ -لِعهْدٍ قريبٍ- تَتخبَّطُ بشكلٍ صارخٍ في التَّمْيِيزِ على أساسِ لونِ البشَرة،

مع أنَّنا أُمَّةُ (إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات :13]،

التي يقول فيها أميرُ المؤمنين القرشيُّ عمرُ بنُ الخطاب -رضي الله عنه:

"أبو بكرٍ سيِّدُنا وأَعْتَقَ سيِّدَنا"، يَعني: بِلالًا الحَبَشِيَّ الأسودَ -كما روى البخاري.

قد يقولُ قائلٌ: أنتَ تذكرُ سلبياتِ هذا النِّظامِ التعليميِّ، ولا تذكرُ إيجابياتِه، وهذا اِنحياز،

فنقول: هدفُنا هنا -يا كرام-

ليسَ العَرْضَ التَّاريخيَّ الأكاديميَّ الذي يذكرُ كافَّةَ تفاصيلِ الموضوعِ،

بلْ هدفُنا التَّركيزُ على النّقاطِ التي يفترقُ فيها هذا النِّظامُ التعليميُّ بشكلٍ كبيرٍ

عن مفهومِ التَّعليمِ والتَّعلُّم في الإسلام،

والثمارِ المشؤومةِ التي يُعانيها العالمُ من ذلك.

لسنا وحدَنا مَنْ يَنقِدُ هذهِ المنظومةَ ونتاجَها،

بل تَتَعالى أصواتٌ مِنْهُم هُم أنفسِهم بذلكَ،

عام 1983 وَجَّهتْ اللَّجنةُ الوطنيةُ للتميُّزِ التعليميِّ في أمريكا

تقريرًا للأمَّةِ الأمريكيَّةِ ولوَزارةِ التَّعليمِ بعنوان:

(أُمَّةٌ في خطر "A Nation at Risk": حتميةُ إصلاحِ التعليم.)

وكان مما قاله "James Harvey" كاتبُ التَّقرير:

"إنَّ الأُسُسَ التَّربويةَ لمجتمعِنا تتآكلُ في الوقتِ الحاضِرِ

بسببِ المدِّ المُتَصاعَدِ للرَّداءةِ التي تُهدِّد مستقبَلنا كدولةٍ وشعب،

فلو حاولتْ قوةٌ أجنبيَّةٌ وعدوَّةٌ فَرْضَ هذا الأداءِ التَّعليميِّ الرديءِ والفاشلِ

الذي نراه اليومَ على أمريكا،

لكُنَّا اعتبرْنَا هذا التَّصَرفَ بمثابةِ عُدوانٍ حَربيٍّ علينا".

طيِّب، هل تمَّ بالفعلِ إصلاحُ النِّظامِ التَّعليميِّ بعدَها؟

لعلَّ الجوابَ في كتاب "John Gatto" الذي نَشَرَهُ بعد (8) سنوات عام 1991،

(جون غاتو) كان قد عمل طويلًا في التدريس

ونَشَرَ كتابَه (Dumbing Us Down -يعني: جعلنا أغبياء أو إغباءنا:

المنهجَ المخفيَّ للتعليمِ الإجباريِّ)

ينتقدُ فيه المِنْهاجَ الأكاديميَّ في المدارس الأمريكية،

وانتشرَ الكتابُ بشكلٍ كبيرٍ، وأُصدرتْ منه نسخةٌ ثانيةٌ عام 2002،

وأودُّ أنْ أُترجمَ لكم مقتطفاتٍ مما جاء في هذا الكتاب؛ لتُدركوا حجمَ الأزمةِ،

يقول غاتو: "إنَّ المدارسَ والتعليمَّ المدرسيَّ هي بشكلٍ مُتزايدٍ

غيرُ خادمةٍ للمشاريعِ العظيمةِ على هذا الكوكب -يعني الأرض،

لم يَعدْ أحدٌّ يُصَدِّقُ أنَّ علماءَ الطَّبيعةِ يَحصلونَ على التَّأهيلِ اللَّازمِ في حِصَّةِ العلومِ،

ولا السِّياسِيُّون في حِصَّةِ التربية الوطنية،

ولا الشُّعراءُ في حِصِّة اللغةِ الإنجليزية"،

يعني أنَّ الناسَ النَّاجحين في تلك الدُّولِ لم تكنْ المدارسُ هي سببَ نجاحِهم.

يقول جون غاتو: "إنَّ الحقيقةَ هي أنَّ المدارسَ لا تُدرِّس أيَّ شيءٍ، إلا كيفَ تُطيعُ الأوامر،

يعني: (shaping) القولبة التي تكلمنا عنها،

يُتابع: "إنَّ المؤسسةَ المدرسيَّةَ سيكوباثية (psychopathic - معتلةٌ نفسيًّا)،

ليس لديها وَعْيٌ أو إدراك،

يرنُّ الجَرسُ فيكونُ على الولدِ أنْ يَقطعَ كتابةَ قصيدةٍ شِعريَّةٍ ويُغلقَ دفترَه،

لينتقلَ إلى خليةٍ أُخرى؛

حيثُ عليهِ أنْ يَحفظَ أنَّ الإنسانَ والقِرَدةَ ينحدرانِ من سَلَفٍ مشترَك".

أي: أنَّ الطالبَ يتعلمُ معلوماتٍ متناقضةً،

فيرى بنفسِه في حِصَّةِ الآدابِ أو اللغةِ قدراتِهِ البشريَّةَ التي تُميِّزُهُ عن الحيوانات،

ثمَّ في حِصَّةِ العُلومِ عليه أنْ يَحْفَظَ أنَّه أخٌ لهذهِ الحَيَوانات لأبٍ مشترَك؛

طبعًا لأنَّه ليسَ هناكَ رؤيةٌ موحَّدةٌ مُنطلقةٌ من الوحي الصادقِ،

بل تفكيكٌ لمكوناتِ الإنسانِ ووعيِه.

هذا الِفصامُ بين الموادِّ هو الطابعُ الموجودُ الآنَ في عامِّةِ المناهجِ المدرسيَّةِ عبر العالم،

خاصَّةً المناهجَ التي تُدغْدِغُ عاطفةَ الناس بموادّ دينيةٍ،

وفي الوقتِ ذاتِه، تُملي على الطُّلابِ ما تريدُه الدولةُ

أو ما يُمليهِ العِلمُ الزَّائفُ عن الكونِ والحياة.

يقول جون غاتو -أيضًا- في كتابه:

"لنْ يحصلَ إصلاحٌ على مستوى واسعٍ لطُلَّابِنا المدمَّرين، ولا لمجتمعِنا المدمَّرِ

إلا بتوسيعِنا لمفهومِ المدرسةِ، ليشملَ الأُسرةَ كمحرِّكٍ أساسٍ للتَّعليم"،

وهو ما تحدثنا عنه مِن تولِّي كل راعٍ مسئوليتَه في التعليم.

ويقول عن التعليم بشكلٍ عام:

"يجبُ أن يجعلَك غنيًّا روحيًّا،

يجبُ أنْ يُعلِّمَك أمرين مُهمَّين: كيفَ تَعيشُ، وكيفَ تموت"،

وهو ما لا تُعلِّمهُ المنظومةُ التَّعليميَّةُ الَّتي تُعنَى بالمادةِ أكثرَ من الإنسان.

حتى من نَّاحيةٍ ماديَّةٍ إنتاجيَّة، هل يُعتبر هذا النِّظامُ التعليميُّ ناجحًا؟

بل لا زالت الأصواتُ تتعالى بقصورِه حتى من هذه الناحية!

عام 2006 المُستشارُ الدَّوليُّ "Sir Ken Robinson"،

والذي مُنِحَ لقبَ (فارس) لخَدَماتِه في التعليم،

ألقى محاضرةً على "TED" هي الأكثرُ مشاهدةً في تاريخِ البرنامج

-حوالي 66 مليون مشاهدة حتى الآن،

بعنوان: (هل المدارسُ تقتلُ الإبداع؟)

انتقدَ فيها النظامَ التعليميَّ للمدارسِ،

مِن حيثُ إِنَّه يوجِدُ رهبةً من الخطأ؛ مِما يقتلُ في الطلابِ الإقدامَ والقدرةَ على الإبداع،

وأنَّه لا يُراعي حاجةَ الأطفالِ للحركةِ واللَّعب،

ومن حيث الجمودُ في التَّسلسلِ الهَرميِّ للموادِّ؛ فلا يَستكشفُ المواهبَ بل يدفِنُها.

ويقول روبينسون:

"إنَّ التعليمَ مثلُ أداةِ التَّنقيبِ التي تبحثُ وتُنقِّبُ عن أشياءَ مُحدَّدةٍ فقط، من مَنْجَمِ العقل،

وما دون ذلك فقد يُوصَمُ الطَّالبُ بأنَّهُ مريضٌ

بدلا من كونِه متميزًا في جوانبَ أخرى غيرِ المُنقَّبِ عنها".

ثم جاءَ الدكتور "George Land" ليتحدَّثَ في فيديو بعنوان: (فَشَلُ النَّجاح)

أنَّ وكالةَ الفضاءِ الأمريكيَّةَ ناسا

كانتْ طلبتْ منهُ ومِنْ زميلِه "Beth Jarman"

اختبارًا لِفَحْصِ الإِبداعيَّةِ لدى موظَّفِيها،

طوَّر هو وزميلًه هذا الاختبارَ

ثم قالا: فلنُجرِّبْهُ على الأطفالِ...

فوجدَا أنّه كُلَّما تعلَّم الأطفالُ في المدارسِ قُتلت القُدُراتُ الإبداعيَّةُ

التي كانتْ لديهم في البداية.

ثمَّ عادَ روبينسون عام 2013 ليَظْهَرَ على تيد في محاضرةٍ بعُنوان:

(كيفَ نَجتازُ وادي الموت التعليمي)،

سيقولُ قائلٌ: كيفَ يَصِفُ هؤلاءِ النِّظامَ التدريسيَّ بِقَتْلِ المواهبِ،

ونحن نشهدُ هذا التقدُّمَ الهائلَ في المُخترَعاتِ والاكتشافاتِ؟!

فنقولُ لكم: القُدراتُ التي مَنَحَها اللهُ للإنسانِ هائلةُ،

ومُكتَشفاتُ اليومِ هي نتيجةُ تَراكمٍ معرفيٍّ لقرونٍ كثيرةٍ

كان للمسلمينَ فيها باعٌ كبيرٌ -كما ذكرنا،

فالتَّقدُّمُ في الاكتشافاتِ لا يعني أنَّ النِّظامَ التعليميَّ في المدارسِ ناجحٌ،

بل في كتابِ: (دعائم التَّميز)، والمنشور عام 1962

تمَّ استعراضُ طفولةِ أكثرَ من 400 شخصيةٍ مؤثرةٍ في القرن العشرين،

ووُجِد أنَّ (3) من كلِّ (5) منهم -يعني 60%-

كانوا غيرَ راضينَ عن المدارسِ ولا عن المعلمين المَدرسيين.

وللعِلم، "Thomas Addison" كان مُدَرِّسُوهُ قد وصفُوه بأنَّه

غيرُ كُفءٍ للتَّعليمِ المدرسيِّ "Misfit".

لم يُكمل تعليمَه المدرسي، وتوقَّفَ عند المرحلةِ الابتدائية،

ثمَّ أصبح هذا الـ "Misfit" أحدَ أكبرِ المكتَشِفِين في العصرِ الحديث،

ولديه 1093 براءةَ اختراعٍ أمريكيَّة تَحملُ اسمَه.

"Albert Einstein" كان أستاذُ اللُّغةِ الاغريقيَّة قد أخبَره

أنَّه لن يُفلَحَ في شيء، وأَنَّه يُضِيعُ وقتَ الجميعِ، وعليهِ أنْ يُغَادِرَ المدرسةَ مباشرة.

واللهُ أعلمُ كم من الأذكياءِ والموهوبين شرقًا وغربًا دُفنتْ مواهبُهم؛

لعدمِ قدرةِ النِّظامِ التَّعليميِّ على اكتشافِهم وتنميةِ مواهبِهم.

هناك محاولاتٌ للخروجِ عن هذا النَّمطِ المدرسيِّ المعروف،

مثل: مدارس "Waldrof" التي تتجنَّبُ استخدامَ التِّكنولوجيا،

وترفعُ شعارَ: (التركيز على تنميةِ المواهب)،

وعَددٌ من موظفي ما يُعرف بـ "Silicon Valley" في أمريكا يضعونَ أبناءَهم فيها.

مؤسِّسُ فكرةِ هذه المدارسِ هو"Rudolf Steiner" المتأثرُ بالفلسفةِ الشرقيَّة،

لذلك لا تَستَغربْ عندما ترى أنَّ البرنامجَ الذي يُوزَّع على أولياء أمورِ الأطفال في الحضاناتِ

يتضمَّنُ في الـ "Snack time" أغنيةً

يشكرُ الطلابُ فيها الشمسَ والأرضَ والماءَ على الطَّعامِ الذي منحونا إيَّاه

وهذا هُنا في بلاد المسلمين،

ورحمة الله على ابن تيمية إذْ قال في كتابه: (اقتضاء الصراط المستقيم)

-في تبيِين الحِكمةِ من أمرِنا بمخالفةِ المشركين-

قال: " يكفيكَ أنَّ فسادَ الأصْلِ لابدَّ أن يُؤثِّرَ في الفرع،

ومن انتبهَ لهذا قد يعلمُ بعضَ الحكمةِ التي أنزلَها اللهُ؛

فإنَّ مَنْ في قلبِه مرضٌ قدْ يرتابُ في الأمرِ بنفسِ المخالفةِ لعدمِ استبانتِه لفائدته،

وحقيقة الأمرِ أنَّ جميعَ أعمالِ الكافرِ وأمورِه لا بُدَّ فيها من خللٍ يَمنعُها أنْ تتمَّ له منفعةٌ بها.

ولو فُرِض صلاحُ شيءٍ من أمورِه على التَّمام لاستحقَّ بذلك ثوابَ الآخرة،

ولكنْ كلُّ أمورِه إِمَّا فاسدةٌ وإما ناقصة".

يعني قد يستغربُ المسلمُ:

لماذا يأمرُ اللهُ ورسولُه -صلى الله عليه وسلم- بمُخالفةِ المشركين وعدمِ تقليدِهم

-تقليدهم في المناهج الثقافية مثلًا، لا نتكلمُ عن الاستفادةِ من المُكْتَشَفَات-

لكنْ تقليدُهم في المناهجِ التي لها علاقةٌ بالتصوُّرِ عن الكونِ والحياةِ،

تقليدهم في هذا متضمِّنٌ لفسادٍ قد تُلاحظُه وقد لا تُلاحظُه؛

فإنَّ أعمالَهم إما فاسدةٌ وإما ناقصة،

والجَدِيرُ بالمسلمينَ أنْ يُصوِّغُوا هم طريقتَهم في التعليم، اِنْطِلاقًا من مرجعيَّةِ الوحي.

من المحاولاتِ للخروج عن النَّمط التَّدريسيِّ الشَّائعِ

محاولاتُ الأميركي بنغالي الأصل (سلمان خان)

الحاصل على شهاداتٍ متنوِّعةٍ، وصاحبُ أسلوبٍ مُبسَّطٍ في الشرح،

والذي انتقدَ النِّظامَ التعليميَّ في كلمةٍ له على (تيد)،

وكذلك في مقابلةٍ لهُ بعنوان: (تاريخُ التَّعليم)،

وبعضُ معلومات حلقتنا مذكورةٌ في مقابلته هذه.

أسَّسَ سلمان خان مِنَصَّةً تعليميَّةً مجانيَّةً عالميَّةً تُدرِّسُ الكثيرَ من العلومِ،

بما يُفيدُه ذلك من مراعاةٍ للفُروقَاتِ الفرديَّةِ في الاستيعاب،

فتتيحُ للطالبِ أنْ يُشاهِدَ الموضوعَ الذي يُريدُ دراستَه،

ويُعيدُ الموضوعَ الذي لم يفهمْه بأسلوبِ شرحٍ مبسَّط.

لكنْ ما إن اشتهرتْ هذهِ المِنصةُ حتَّى احتواهَا حِيتَان الرَّأسمالية،

-مثل: جوجل "Google" وبيل جيتس "Bill Gates"- بِمِنَحٍ بِملايينِ الدُّولارَات،

ومع المِنَحِ المَالِيَّةِ تَأتِي الأَجِنْدَاتُ الفِكْريَّةُ والأخلاقيَّةُ كالعادة.

العامُ الماضي في العيدِ الخمسينَ للشَّواذِ،

والذي احتفلت به جوجل و مايكروسوفت

عَزَفَت (Khan Academy) على أنغامِهم بتغريداتٍ على انستغرام

تَرمِزُ شخصيَّاتٍ شاذَّةً جِنسيًّا.

ورصدت CBN NEWS كيف تقوم المِنصَّةُ بالزجِّ بِهذه الأجندةِ في دُروسِ الأطفالِ

بتَركِ فراغٍ مثلًا في دُروس اللغة الإنجليزيةِ في الحديث عن امرأتين،

وعلى الطالبِ أن يختارَ الإجابةَ الصَّحيحةَ لُغَوِيًّا، ما هي هذهِ الإجابةُ؟

زوجَتَيهِما! يعني: كلُّ امرأةٍ كانت تخرجُ مع (زوجتِها) إلى الغداء،

شَكْلٌ مِنْ أشكالِ الـIndoctrination؛

غَسْلِ أَدْمِغةِ الأطفالِ، وإملاءِ ما يُريدُه حِيتانُ الرَّأسمالية.

وعادتْ الأكاديمية فاحتفلتْ هذهِ السَّنةَ أيضًا بيوم الشَّواذِّ،

بِتَغْيِيِرِ شِعَارِها على تويتر إلى ألوانِ عَلَمِ الشَّواذِّ أثناءَ يومِهم،

فما دامَ التَّغييرُ إنَّما هو في الأسلوبِ والشَّكل، وليسَ في الدَّوافعِ والغاياتِ والمرجعيَّةِ،

فلن يَحصلَ الإصلاحُ المنشُود.

وما دامَ كثيرٌ من الدُّولِ ليسَ همَّها الأكبرَ تعليمُ الطُّلابِ ما ينفعُهم في دِينِهم ودُنياهُم،

وإنِّما (Indoctrination) القَولَبةُ، وتَكريسُ ما يُرادُ للأطفالِ أنْ يَقتنِعوا به،

وتعليمُ الانصياعِ -كما بيَّن أيمن عبد الرحيم في محاضرتِه: (مجتمعٌ بلا مدارس)-

فلنْ يحصلَ التَّغييرُ المنشود.

ظَهَرتْ أيضًا البرامجُ الدَّوليةُ مثل: IG وSAT وIB،

لكنْ تبقى هناكَ عناصرُ مشترَكةُ بينَ هذه الأشكالِ جميعًا،

-كلِّ أشكالِ التَّعليمِ التِّي ذكرناها اليوم:

- انقطاعُ العلمِ عن مرجعيَّةِ الوحي.

- قطعَ دِلالةِ العِلْم على الخالق والإيمانِ به.

- غيابُ المعنى التَّعبديِّ في طَلبِ العلمِ.

- القَولبةُ، وترسيخُ الاعتقاداتِ المُرادِ للطُلاب أن يَعتقدوها

بمرجعياتٍ متغيِّرةٍ يُمليها أصحابُ القُوَّةِ أو رأسِ المال،

- القابليةُ لتَغييرِ القِيَمِ بِشَكْلٍ مُستمرّ.

- قياسُ مُخرجاتِ التَّعليمِ بالعَلامةِ، والتأهُّلِ لسوقِ العمل،

وليسَ ببناءِ الإنسانِ المُتكاملِ المُؤهَّلِ لتحقيقِ العبوديةِ للهِ بمفهومِها الشَّامل،

- وفي كثيرٍ من المناهجِ: انفصالُ المَوادِّ بعضِها عن بعض، وتعارضُها فيما بينها،

بحيثُ يُدرَّس الطُّلابُ في حِصَّةِ الأحياءِ

ما يُصادِمُ الذي يتعلمونَه في حِصَّةِ الدِّين عن نَّشأةِ الكون والحياةِ مثلًا.

طيب، ما البديلُ؟ ما التعليمُ الذي نُريد؟ ما أركانُه؟

وما هو مكانُ المرأةِ من هذا كلِّه متأثرةً أو مؤثرة؟

هذا ما سنُجيبُ عنهُ في الحلَقةِ القادمةِ بإذن الله.

يَجدُر الذِّكرُ بأنني حصلتُ على كثيرٍ من معلوماتِ هذه الحلقة من مَادَّةٍ

قامَ بتجميعِها أخي الدكتور: عبدُالرحمن ذاكر،

الطبيبُ المعالِجُ النَّفسيُّ والتَّربويُّ، المهتمُّ بملفِ النَّفسِ والتعليمِ.

وكذلكَ استفدتُ في إعدادِها من مناقشةٍ مع أخي الأستاذ: أنس شيخ كريِّم

المختصِّ في الشريعةِ وعلمِ النَّفسِ التَّربوي،

ومِن جهودِ بعضِ الإخوةِ والأخواتِ

الذين ساعدوني في التَّحرِّي واستخراجِ المعلومات لِحلَقة اليوم،

فجزاهم الله خيرًا جميعًا.

والسلام عليكم ورحمة الله.