×

We use cookies to help make LingQ better. By visiting the site, you agree to our cookie policy.


image

سلسلة المرأة, "بَس تربية؟" (3)

"بَس تربية؟" (3)

لا تنشغلي بالآخرين ورأيهم وصورة أولادك أمامهم على حساب نفسك وحظِّها من الخير،

وأن يكون الله أولًّا في حياتك وحياة أولادك.

كوني نموذجًا للتوازن والسعادة، فهذا يُعين أولادك على نجاحٍ حقيقيٍّ في الدين والدنيا،

وأن يُنشِئوا هم أيضًا أُسَرًا متوازنةً سعيدةً.

- طيب، جعلتُ العبوديَّة لله هدف حياتي،...

وأنا مهتمَّةٌ بهداية أبنائي وعبوديَّتهم لله وبآخرتهم،...

أو أنِّي تنبَّهت لهذه المعاني بعدما كبُر أولادي،...

وحاولت أن أتدارك ما فات لكنَّ أولادي لا يستجيبون،...

وأنا أشعر الآن بالإحباط والفشل، ممَّا يؤذي نفسي.

هنا تأتي الشريعة لترسِّم الحدود، وتمنع هذا الاهتمام من أن يطغى على اهتمامكِ بنفسكِ،

وتمنعكِ من إحراق نفسك حسرةً عليهم،

فإنَّ ذلك يؤذيكِ، ثم يعود بالأذيَّة على أولادك،

إذ لن تكوني قويَّةً متماسكةً في محاولة إنقاذهم.

هنا يأتيكِ كتاب الله ليقول:

﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ﴾ [القصص: 56]،

وليذكِّركِ بأنَّ نبي الله نوحًا لم يستطِع أن ينقذ ابنه،

وقضاءُ الله نافِذٌ، فلا يطغى الاهتمام بابنك أو ابنتك على اهتمامك بنجاة نفسك،

مَن انحرف ابنها أو ابنتها أو عاشوا حياة الغافلين،

فنَعَم صحيحٌ عليها أن تراجع نفسها، وتفكِّر: ما الأسباب يا ترى؟

وتسعى إلى تدارك ما فات، وتصلح فيما تبقَّى قدر الإمكان، لكن دون إحباطٍ،

ومع حذرٍ شديدٍ من أن يدخل الشيطان إلى قلبها من باب محاسبة النفس

ومن ثمَّ المبالغة في جَلْد الذات.

قد تقولين: أنا مقتنعةٌ عقليًّا بما تقول،

لكن -نفسيًّا- لا أجد نفسي مع زوجي وأولادي،

وإنَّما في العمل التطوعيِّ أو التثقيفيِّ أو حتى العمل الدعويِّ، أليست هذه أهدافًا ساميةً؟

فنقول -يا كريمة-:

يعلِّمنا ديننا أنَّ أحدنا لا يعمل ما يستمتع به فقط، بل ما يجب عليه،

ومن الهوى أن تخالفي سُلَّم الأولويَّات وتقِّدمي محبوبَ نفسكِ على محبوب الله،

حتَّى وإنْ كان ما تُحبِّينه طاعةٌ، وهذا من معاني قول الله تعالى:

﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ﴾ [النازعات: 40-41].

شرعُ الله الذي يأمركِ أن تَرْعَي أبناءكِ

وتُغالبي نفسك في ذلك إن كنت لا تجدين متعةً في هذه الرعاية والتربية،

هو ذاتُه شرعُ الله الذي يأمر ابنك أن يرعاك عند كِبرك ويُغالِب نفسه

حتَّى وإن كان لا يجد نفسه ومتعته في خدمتك وتلبية حاجاتك، ويجد ذلك مُملًّا بالنسبة له،

وحتَّى وإنْ كان يريد أن ينشغل عنك بطاعة.

نبيُّنا -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال لمعاويةَ السُّلميِّ الذي جاء يريد الخروج للجهاد مع النبيِّ:

«وَيْحكَ الْزَم رِجْلها فثمَّ الجنَّة» [ابن ماجه - صحَّحه الألباني]؛ يعني أمَّه.

جُريجٌ العابد ابتلاه اللهُ لأنَّه شَغَل نفسه بصلاته عن نداء أمِّه، كما في (البخاريِّ ومسلم).

أُويس القَرَنيُّ منعه من نيل شرف الهجرة إلى النبيِّ وصُحبتِه برُّه بأمِّه ولزوم خدمتها.

الأعمال المذكورة في هذه الأحاديث الصحيحة:

جهاد الطَّلَب -يعني الفتوحات، صلاة النافلة، الهجرة، هي من أشرف الأعمال،

لكنَّ اللهَ قدَّم عليها برَّ الأمِّ،

ولعلَّ أصحابها كانوا ممَّن تعتمِد عليهم أمَّهاتهم.

اللهُ الذي يأمركِ أن تَرْعَي أولادك وتحقِّقي عبوديَّتك في ذلك،

هو الذي يأمرهم أن يبرُّوكِ عندما تكبرِين ويُحقِّقوا عزَّ عبوديَّتهم في الذلِّ لك؛

﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ [الإسراء: 24].

ولنا عبرةٌ فيما يحصل بكبار السنِّ في أوروبا مع وباء (فيروس كورونا)،

وما يتعَّرضون له من إهمالٍ.

وأَيْقِني -أختي- أنَّكِ إن قدَّمتِ محبوب الله على محبوب نفسكِ

ومارستِ بناء الإنسان بهذه الأهداف العظيمة، وعلى أُسُسٍ تربويَّةٍ سليمةٍ،

فإنَّ الحِمل سينقلِب إلى متعةٍ ورضا عن النفس،

واحترامٍ للذَّات أكثر من أيَّةِ مُتعةٍ أخرى يمكن أن تحصِّليها.

هل علمتِ يا كريمة ما معنى (تربية)؟

مشوارٌ طويلٌ يحتاج صبرًا؛

فهو بناء الإنسان الذي يستحقُّ الخلود في جوار الله، بدل أن يكون وَقود جهنَّم،

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم: 6]،

ابنكِ وابنتكِ وقايةٌ لكِ من النار،

«مَن يَلِي مِن هذه البنات شيئًا فأحسن إليهنَّ كُنَّ له سِترًا من النار» [البخاري].

ابنك وابنتك امتدادٌ نافعٌ لكِ بعد مماتك؛

«إنَّ الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنَّة، فيقول: يا ربِّ، من أين لي هذا؟...

فيقول: باستغفار ولدِكَ لك» [فتح القدير: للإمام الشوكاني]،

وهو وهي مع هذا كلِّه قُرَّة عينٍ لك في الدنيا إن أحسنت تربيتهما.

مشوارٌ ليس بالسَّهل، لكنْ ثماره عظيمةٌ جدًا…

قد تتعثَّرين أحيانًا، يثقل الحِمل عليكِ أحيانًا، لكن:

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69]،

الله معكِ، يَجبُرُ نقصكِ ويُعينك،

«فسدِّدوا وقارِبوا وأبشِروا» [البخاري].

مقامٌ عظيمٌ، بحيث لمَّا سأل السائل:

يا رسول الله مَن أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟

قال نبيُّكِ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «أمُّك»،

قال: ثمَّ مَن؟ قال: «أمُّك»،

قال: ثمَّ مَن؟ قال: «أمُّك»،

قال: ثمَّ من؟ قال: «أبوك» [رواه البخاري].

﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ...

إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا...

وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)...

وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ

وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 23-24].

والسلام عليكم ورحمة الله.


"بَس تربية؟" (3) "Is it just upbringing?" (3)

لا تنشغلي بالآخرين ورأيهم وصورة أولادك أمامهم على حساب نفسك وحظِّها من الخير،

وأن يكون الله أولًّا في حياتك وحياة أولادك.

كوني نموذجًا للتوازن والسعادة، فهذا يُعين أولادك على نجاحٍ حقيقيٍّ في الدين والدنيا،

وأن يُنشِئوا هم أيضًا أُسَرًا متوازنةً سعيدةً.

- طيب، جعلتُ العبوديَّة لله هدف حياتي،...

وأنا مهتمَّةٌ بهداية أبنائي وعبوديَّتهم لله وبآخرتهم،...

أو أنِّي تنبَّهت لهذه المعاني بعدما كبُر أولادي،...

وحاولت أن أتدارك ما فات لكنَّ أولادي لا يستجيبون،...

وأنا أشعر الآن بالإحباط والفشل، ممَّا يؤذي نفسي.

هنا تأتي الشريعة لترسِّم الحدود، وتمنع هذا الاهتمام من أن يطغى على اهتمامكِ بنفسكِ،

وتمنعكِ من إحراق نفسك حسرةً عليهم،

فإنَّ ذلك يؤذيكِ، ثم يعود بالأذيَّة على أولادك،

إذ لن تكوني قويَّةً متماسكةً في محاولة إنقاذهم.

هنا يأتيكِ كتاب الله ليقول:

﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ﴾ [القصص: 56]،

وليذكِّركِ بأنَّ نبي الله نوحًا لم يستطِع أن ينقذ ابنه،

وقضاءُ الله نافِذٌ، فلا يطغى الاهتمام بابنك أو ابنتك على اهتمامك بنجاة نفسك،

مَن انحرف ابنها أو ابنتها أو عاشوا حياة الغافلين،

فنَعَم صحيحٌ عليها أن تراجع نفسها، وتفكِّر: ما الأسباب يا ترى؟

وتسعى إلى تدارك ما فات، وتصلح فيما تبقَّى قدر الإمكان، لكن دون إحباطٍ،

ومع حذرٍ شديدٍ من أن يدخل الشيطان إلى قلبها من باب محاسبة النفس

ومن ثمَّ المبالغة في جَلْد الذات.

قد تقولين: أنا مقتنعةٌ عقليًّا بما تقول،

لكن -نفسيًّا- لا أجد نفسي مع زوجي وأولادي،

وإنَّما في العمل التطوعيِّ أو التثقيفيِّ أو حتى العمل الدعويِّ، أليست هذه أهدافًا ساميةً؟

فنقول -يا كريمة-:

يعلِّمنا ديننا أنَّ أحدنا لا يعمل ما يستمتع به فقط، بل ما يجب عليه،

ومن الهوى أن تخالفي سُلَّم الأولويَّات وتقِّدمي محبوبَ نفسكِ على محبوب الله،

حتَّى وإنْ كان ما تُحبِّينه طاعةٌ، وهذا من معاني قول الله تعالى:

﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ﴾ [النازعات: 40-41].

شرعُ الله الذي يأمركِ أن تَرْعَي أبناءكِ

وتُغالبي نفسك في ذلك إن كنت لا تجدين متعةً في هذه الرعاية والتربية،

هو ذاتُه شرعُ الله الذي يأمر ابنك أن يرعاك عند كِبرك ويُغالِب نفسه

حتَّى وإن كان لا يجد نفسه ومتعته في خدمتك وتلبية حاجاتك، ويجد ذلك مُملًّا بالنسبة له،

وحتَّى وإنْ كان يريد أن ينشغل عنك بطاعة.

نبيُّنا -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال لمعاويةَ السُّلميِّ الذي جاء يريد الخروج للجهاد مع النبيِّ:

«وَيْحكَ الْزَم رِجْلها فثمَّ الجنَّة» [ابن ماجه - صحَّحه الألباني]؛ يعني أمَّه.

جُريجٌ العابد ابتلاه اللهُ لأنَّه شَغَل نفسه بصلاته عن نداء أمِّه، كما في (البخاريِّ ومسلم).

أُويس القَرَنيُّ منعه من نيل شرف الهجرة إلى النبيِّ وصُحبتِه برُّه بأمِّه ولزوم خدمتها.

الأعمال المذكورة في هذه الأحاديث الصحيحة:

جهاد الطَّلَب -يعني الفتوحات، صلاة النافلة، الهجرة، هي من أشرف الأعمال،

لكنَّ اللهَ قدَّم عليها برَّ الأمِّ،

ولعلَّ أصحابها كانوا ممَّن تعتمِد عليهم أمَّهاتهم.

اللهُ الذي يأمركِ أن تَرْعَي أولادك وتحقِّقي عبوديَّتك في ذلك،

هو الذي يأمرهم أن يبرُّوكِ عندما تكبرِين ويُحقِّقوا عزَّ عبوديَّتهم في الذلِّ لك؛

﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ [الإسراء: 24].

ولنا عبرةٌ فيما يحصل بكبار السنِّ في أوروبا مع وباء (فيروس كورونا)،

وما يتعَّرضون له من إهمالٍ.

وأَيْقِني -أختي- أنَّكِ إن قدَّمتِ محبوب الله على محبوب نفسكِ

ومارستِ بناء الإنسان بهذه الأهداف العظيمة، وعلى أُسُسٍ تربويَّةٍ سليمةٍ،

فإنَّ الحِمل سينقلِب إلى متعةٍ ورضا عن النفس،

واحترامٍ للذَّات أكثر من أيَّةِ مُتعةٍ أخرى يمكن أن تحصِّليها.

هل علمتِ يا كريمة ما معنى (تربية)؟

مشوارٌ طويلٌ يحتاج صبرًا؛

فهو بناء الإنسان الذي يستحقُّ الخلود في جوار الله، بدل أن يكون وَقود جهنَّم،

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم: 6]،

ابنكِ وابنتكِ وقايةٌ لكِ من النار،

«مَن يَلِي مِن هذه البنات شيئًا فأحسن إليهنَّ كُنَّ له سِترًا من النار» [البخاري].

ابنك وابنتك امتدادٌ نافعٌ لكِ بعد مماتك؛

«إنَّ الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنَّة، فيقول: يا ربِّ، من أين لي هذا؟...

فيقول: باستغفار ولدِكَ لك» [فتح القدير: للإمام الشوكاني]،

وهو وهي مع هذا كلِّه قُرَّة عينٍ لك في الدنيا إن أحسنت تربيتهما.

مشوارٌ ليس بالسَّهل، لكنْ ثماره عظيمةٌ جدًا…

قد تتعثَّرين أحيانًا، يثقل الحِمل عليكِ أحيانًا، لكن:

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69]،

الله معكِ، يَجبُرُ نقصكِ ويُعينك،

«فسدِّدوا وقارِبوا وأبشِروا» [البخاري].

مقامٌ عظيمٌ، بحيث لمَّا سأل السائل:

يا رسول الله مَن أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟

قال نبيُّكِ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «أمُّك»،

قال: ثمَّ مَن؟ قال: «أمُّك»،

قال: ثمَّ مَن؟ قال: «أمُّك»،

قال: ثمَّ من؟ قال: «أبوك» [رواه البخاري].

﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ...

إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا...

وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)...

وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ

وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 23-24].

والسلام عليكم ورحمة الله.