بدأ زحف الناتو .. فنلندا والسويد تريد دخول حلف الأقوياء وروسيا تتجهز للحرب وتركيا تغلق أبوابها
وكانه يسعى لاشعال حرب عالمية دون تردد. حلف الناتو جناحيه في اوروبا الشرقية فاتحا الابواب امام السويد وفنلندا
للانضمام له. روسيا تقول انها ليست قلقة لكنها تبحث الرد.
تركيا ترفض انضمام الدولتين لاسبابها. وامريكا ترسل
التطمينات كما فعلت مع اوكرانيا. كطائر ضخم يحاول ضم الجميع.
يتحرك حلف الناتو وكصائد ماهر يمارس بوتين سطوته بضرب كل
الطامحين. فلا ناتو على ما دام بوتين يعيش في الكرملين. ومصير
التمدد الامريكي سيكون مشابها لما حدث في اوكرانيا. فهل العالم
امام سيناريو حرب جديدة? وما قصة حياة السويد وفنلندا? ولماذا
ترفض تركيا انضمامهم للناتو? وماذا يمكن لروسيا ان تفعل حقا?
لم يكن العالم بحاجة اعلان السويد وفنلندا نيتهم الانضمام
للناتو حتى يعيش القلق من حرب عالمية قادمة. فمنذ انطلاق الحرب
الروسية الاوكرانية يتضح يوما بعد يوم. ان المواجهة في الواقع
هي بين حلف الناتو وعدد من حلفائه من جهة امام روسيا
وحلفائها من جهة اخرى. الا ان ذلك الانضمام ليس بالهين ولا
يمكن ان يمر مرور الكرام. فالدولتين لطالما كانتا على
الحياد دائما في اشد اللحظات. ونية الانضمام جاءت سبب تطمينات
امريكية بانها ستوفر لهم الحماية في حال اقدمت روسيا على تحرك
ضدهم. مؤشرات واقاويل يمكن القول انها ستأخذ السويد وفنلندا
لاتجاه ثاني. اذ سيصبح الناتو رسميا على الحدود الروسية.
ففنلندا لوحدها تتشارك مع روسيا بحدود مباشرة. يصل طولها الى الف
وثلاثمائة كيلو متر. حدود كافية لاندلاع حرب طاحنة فيها او حتى
تحويلها لنقطة صراع. انضمام السويد وفنلندا لن يعني عن
الحياد فقط. بل سيعطي زخما اكبر للحرب الاوكرانية المندلعة.
وحينها قد تتحول المواجهة رسميا الى مواجهة بين الناتو وروسيا
ومن ثم تصبح حربا نووية. ولكن ما قصة حياد الدولتين. هذان
الدولتان الاسكندنافيتان في شمال اوروبا لم تكونا يوما ما عضوا في
حلف الناتو. وفي اشد ايام التوتر خلال الحرب الباردة بين الاتحاد
السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية التزمت الدولتان
الحياد الكامل. ولم تتدخل في اي قضايا بين الطرفين. حتى انهيار
الاتحاد السوفيتي في اوائل تسعينيات القرن الماضي. اذ اتخذت
الدولتان خطوات اكبر للعمل مع موسكو وواشنطن. وبقيت على الحياد
دائما دون اي تقرب. لكن تحركات موسكو في اوكرانيا سببت الكثير
من القلق لهم. ودفعتهم بشكل اكبر للتقرب من امريكا وحلف الناتو.
ففي الفين واربعة عشر. وبعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم
الاوكرانية. ومن ثم الغزو الروسي الاخير لاوكرانيا دفعهم للقلق
والخوف اكثر. والسويد بالتحديد. كان القلق منطلقا من قبل اندلاع
الحرب الاوكرانية. اذ تصدر المشهد السياسي في البلاد جملة
الروس قادمون. وهو مصطلح يعود لايام الامبراطورية السويدية
التي سعت في السابق لضم روسيا اليها. لكنها فشلت امام القيصر
الروسي بطرس الاول. كانت تلك المعركة بداية النهاية
للامبراطورية العظمى للسويد. ومنذ ذلك الزمن بات المصطلح
مرعبا للسويديين. ومع انطلاق الازمة الروسية الاوكرانية على
حدودهم. عاد المصطلح للبلاد بالكامل. وبات عنوانا جذابا في
الاعلام السويدي بشكل خاص. كما رفع حالة التأهب في الجيش
السويدي ففي من العام الفين واثنين وعشرين تم نشر قوات
عسكرية في جزيرة جوتلاند المطلة على بحر البلطيق. مع ذلك يرى
محللون ان تقديم كلا من السويد وفنلندا لطلب انضمامهم لحلف
الناتو لم ياتي فقط من القلق لديهم. بل بسبب التطمينات الكبرى
التي منحتها لهم واشنطن. بانها ستكون قادرة على حماية دولهم في
اي لحظة. ولكن دعنا للحظة هنا. كيف يمكن لواشنطن ضم دول على
حدود روسيا وهي متفقة معها على عدم التمدد على حدودها. في
الواقع لا يعلم احد كيف. فعقب انهيار الاتحاد السوفيتي اتفقت
واشنطن مع موسكو على ان حلف الناتو لن يتوسع في شرق اوروبا
مترا واحدا. لكن بعد مرور السنوات تغير المشهد كثيرا. فعلى
الخريطة الناتو توسع باتجاه بما يقارب الف كيلو متر. كما ضم
العديد من الدول التي كانت سابقا ضمن حلف وارسو العسكري الذي اسسه
الاتحاد السوفيتي ردا على تأسيس حلف الناتو. وبالعودة للتطمينات
الامريكية فانها تشكل اليوم حجر الاساس لانضمام الدولتين للحلف.
فمن قبل انطلاق الحرب الاوكرانية تروج واشنطن وبشكل قوي ان روسيا
قادمة لكل الدول بمحيطها. وان عليهم لضمان امن الانضمام لحلف
الناتو. ولتعزيز تلك القناعة لدى الدولتين اتجهت وزيرة الخارجية
السويدية انلند الى واشنطن في الاول من مايو لتلتقي هناك
نظيرها الامريكي انطوني بلينكن. بعد اللقاء. خرجت الوزيرة
السويدية لتقول ان بلادها تلقت ضمانات من واشنطن. بانها ستحصل
على الدعم خلال تقديمها طلبا للانضمام لحلف شمال الاطلسي. ثم
خرج الابيض ليقول ان الولايات المتحدة واثقة من قدرتها على
حماية السويد وفلندا من اي مخاوف امنية. وعلى هذا الاساس اقدمت
الدولتان على تقديم طلب الانضمام. لكن ذلك القرار لم يقف
عندهم وعند الولايات المتحدة. فهناك دولة اخرى ترفض انضمامهم
للحلف. انها تركيا التي تعتبر من حجر الاساس في حلف الناتو وتملك
ثاني اقوى جيش في الحلف بعد الولايات المتحدة. اذا لماذا
ترفض تركيا انضمام السويد وفنلندا? في السادس عشر من مايو
عام الفين واثنين وعشرين. اعلنت السويد رسميا قرارها بتقديم طلب
الانضمام لحلف الناتو. لكن تركيا اعلنت قبل اسبوع من ذلك القرار
انها لن تنظر في طلبات السويد وفنلندا بايجابية بسبب استضافتهم
لاعضاء جماعات تصنفها انقرة على لوائح الارهاب لديها. رفض انقرة
خلق حالة من الاخذ والرد بين الاطراف. اذ اعلنت السويد بعد
ذلك انها وبالاشتراك مع فنلندا ستشكل وفدا من كبار الممثلين
للدولتين للاتجاه الى تركيا بهدف اطلاق محادثات لمعرفة اسباب
اعتراض الاخيرة. الرئيس التركي رجب طيب اردوجان من جانبه رد
سريعا على تلك الاخبار بقوله. ان على الوفدين الا يتكلفا عناء
القدوم لانقرة. لان ترك لن توافق ابدا على انضمامهما لحلف شمال
الاطلسي. كما وصف السويد تحديدا بانها مفرخة للمنظمات الارهابية.
وانها تملك ارهابيين في برلمانها. تقارير من انقرة. قالت
ان السويد وفنلندا تؤويان اشخاصا تقول انهم مرتبطون بجماعات
تعتبرها ارهابية مثل جماعة حزب العمال الكردستاني واتباع فتح
الله جولن الذي تتهمه انقرة محاولة انقلاب عام الفين وستة
عشر. في الحقيقة لدى انقرة مخاوف اكبر تحدث عنها الرئيس التركي
بنفسه. وهي تجربة وجود اليوناني في الحلف ذاته. ففي العام الف
وتسعمائة واربعة وسبعين. خرجت اليونان من الحلف العسكري على
اثر عملية السلام التي قامت بها تركيا في قبرص. حاولت بعد ذلك
الانضمام مجددا. لكنها اصطدمت دائما بالفيتو التركي. حتى تمت
موافقة على عودتها بعد انقلاب عام الف وتسعمائة وثمانين الذي
شهدته تركيا. يعول اعضاء الحلف والولايات المتحدة على اقناع
تركيا بالموافقة على انضمام السويد وفنلندا. خصوصا ان الحلف
يحتاج وبقوة التواجد في بحر البلطيق. فيما قال دبلوماسيون
امريكيون لرويترز ان واشنطن قد تمارس ضغوط كبرى على الرئيس
التركي. بهدف اقناعه بالموافقة على انضمام من جهته قال الامين
العام لحلف الناتو يانسيس تولومبيرج ان تركيا حليف مهم
للناتو. وينبغي ازالة كافة المخاوف الامنية التي تعتريها.
ولكن هل يمكن تجاوز تركيا للموافقة على انضمام السويد
وفنلندا بالطبع لا، ويمكن القول ان تركيا اليوم تتحكم بمصير
انضمام تلك الدول للحلف. فبحسب بنود القواعد المؤسسة لحلف
الناتو فان جميع تؤخذ داخل الحلف بالاجماع فقط. وان اي عضو من
الاعضاء الثلاثين يمتلك حق الفيتو لرفض اي قرار. ما يعني
انه في حال وافقت تسع وعشرون دولة ورفضت تركيا فان السويد
وفنلندا لن يكونا اعضاء في الحلف ابدا. من جانب اخر ترى بعض الصحف
الغربية ان الدولتين قد تقدمان لانقرة ما تريده مقابل الموافقة
على انضمامهما للحلف. لكن ذلك الحل يبقى في ظل تمسك انقرة
بموقفها. ولكن ماذا لو انضمت بالفعل السويد وفنلندا للناتو?
ماذا سيتغير على الخارطة? وماذا سيكون رد روسيا? فعليا سيكون حلف
الناتو قد وصل بشكل رسمي لحدود روسيا. من خلال دول عرفت منذ
اكثر من ثلاث عقود بالحياد الكامل? ما يعني انها نقطة قابلة
للاشتعال بسهولة. فالسويد على وجه الخصوص قبل انطلاق الحرب
الاوكرانية بدأت مشروعا جديدا لتسليح جيشها واعادة تمركزه على
الحدود مع روسيا على الرغم من كون الاخيرة لم تقترب من حدودها
في ذلك الوقت. فنلندا من جهتها تخشى ان تكون ضحية غزو طائش على
السويد يمتد لها بلحظة ما. ما يجعلها في مرمى النيران هي
الاخرى دون اي سند كما حدث في اوكرانيا. اذ تشكل ورقة انضمامها
للناتو ضغطا على واشنطن دعم تلك الدول بشكل فعلي في حال اقدمت
روسيا على اي غزو. روسيا من جهتها كانت صريحة في نواياها. اذ
قالت انها تبحث عملية الرد. ولم توضح ان كانت عسكرية ام سياسية.
لكنها على الاغلب لن تتردد في غزو احدى الدولتين. اذا شعرت
بالخطر. حينها ستكون امام مواجهة مباشرة مع حلف الناتو الذي يعتبر
ان اي هجوم على دولة من الاعضاء. هجوم على الحلف بالكامل ويستوجب
عليه الرد مع تلك الدولة. باختصار وجود السويد وفنلندا في
حلف الناتو سيشكل للعالم قنبلة نووية قد تنفجر في اي لحظة بين
روسيا والناتو. وهذه المرة في حال اقدم بوتين على غزو جديد.
ستكون الحرب اعنف واشرس واوسع. وقد تؤدي في النهاية الى حرب
نووية عالمية حقا.