شرح القصيدة اللامية 1 || من هو ابن تيمية؟ وما أسباب ظهور البدع، وافتراق الأمة؟
يَاسائلي َعن مَذهبي و َعقيدتي
رزق الهدى من للهداية يسأل
اسمع كلام محقق في قوله
لا ينثني عنه ولا يتبدل
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين أما بعد
إن لعلم التوحيد منزلة عظيمة
فتوحيد الله تعالى هو أول واجب على المكلّف
بلْ هو أول ما يدخل به الإنسان إلى الإسلام
ونحن في هذه المجالس العلمية
سنشرح منظومة مختصرة نافعة في علم التوحيد
وهي منظومة من البحر الكامل
منسوبة إلى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-
وعدد أبياتها ستة عشر بيتا
وتسمى اللامية
لأن أواخر ابياتها تنتهي بحرف اللام
وهذه المنظومة تضمنت
بعض ما يجب إعتقاده في المسائل المتعلقة بأصول الدين
وقد قلت منسوبة لابن تيمية
لأن بعض أهل العلم شككوا في
صحة نسبة هذه المنظومة لابن تيمية
وحجتهم أن من تكلم عن شيخ الإسلام -رحمه الله- وترجم له
لم يذكر هذه المنظومة من جملة مؤلفاته
بينما هناك فريق من العلماء
نسبها إلى شيخ الإسلام ابن تيمية
فقد وجدت هذه المنظومة مخطوطة
بين رسائل شيخ الإسلام ابن تيمية
فيوجد قبلها رسالة لشيخ الإسلام
وبعدها رسالة
وكتب على بعضها
عقيدة ابن تيمية
ولذلك قالوا : اللامية لشيخ الإسلام ابن تيمية
ومن العلماء الذين نسبوها لابن تيمية
أبو البركات خير الدين الآلوسي
والشيخ أحمد بن عبدالله المرداوي الحنبلي
وشرحها في مصنف منفرد
والشيخ محمد بن عبدالعزيز المانع
والشيخ محمد خليل الهرّاس
والشيخ صالح بن إبراهيم البليهي وغيرهم
ثم هذه المنظومة تشبه في ترتيبها
طربقة شيخ الإسلام ابن تيمية في ترتيبه للعقيدة الواسطية
عمومًا !! .. الكلام الموجود في هذه المنظومة كلامٌ حقّ
سواءً كانت المنظومة لشيخ الإسلام ابن تيمية ، أم لغيره
ومادام الكلام حقًا فلطالب العلم
أن يعتني بهذه المنظومة
فهي منظومة طيبة على اختصارها
اشتملت على عدة مسائل عقدية
تكلم الناظم أولا على مسألة حب الصحابة وأهل البيت
ثم ذكر عقيدة السلف في القرآن والصفات
والرؤية والنزول والميزان والحوض والصراط
والجنة والنار وعذاب القبر ونعيمه والحساب
جزاهم الله تعالى خيرًا
والآن وقفة مع صاحب المنظومة
ومن منّا لا يعرف أبا العباس أحمد بن عبدالحليم بن تيمية الحراني -رحمه الله-
فقد أثنى عليه كثير من الأئمة والعلماء
حتى لقبوه بشيخ الإسلام
قال عنه الحافظ المزّي : " ما رأيت مثل ابن تيمية
ولا رأى هو مثل نفسه
ولا رأيت أحدًا أعلم بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ
ولا أتبع لهما من ابن تيمية"
وقال ابن سيد الناس الشافعي :
كان ابن تيمية إذا تكلم في التفسير
فهو حامل رايته
أو أفتى في الفقه
فهو مدرك غايته
أو ذاكر بالحديث
فهو صاحب علمه وروايته
أو حاضر بالملل والنحل
لم يرَ أوسع منه في ذلك
وقال الحافظ الذهبي : موضحًا سعة اطلاع ابن تيمية في الحديث يقول:
يصدق أن يقال كلّ حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث
يا الله !!
ولقد أنصفه بهاء الدين السبكي حيث قال :
"ما يبغض ابن تيمية إلاّ جاهل أو صاحب هوى "
فالجاهل لا يدري ما يقول
وصاحب الهوى يصدّه هواه ؛عن الحق بعد معرفته له
ولقد خلّف ابن تيمية مكتبة علمية ضخمة
حيث زادت مؤلفاته عن ٥٠٠ مصنّف
ما بين رسالة صغيرة؛ كالواسطية والتدمرية والحموية
ومجلدات عظيمة؛ كمنهاج السنة النبوية
ودرء تعارض العقل والنقل ، ونقض المنطق والرد على المنطقيين
ومصنفاته في مختلف العلوم وشتى الفنون
وكانت وفاته -رحمه الله- في السجن
ولمّا ماتَ كانت جنازته مهيبةً عظيمة
وأقل ما قيل في عدد المشيعين له خمسون ألف نفس
رحمه الله تعالى
أيها الأحبة ثبت في الحديث الصحيح
أن النبي ﷺ قال :"إفترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة
وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة
وستفترق هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقه
كلّها في النار إلاّ واحدة"
قال الصحابة من هيَ يا رسول الله
قال النبي ﷺ :"من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي"
فالجماعة الناجية هي جماعة العقيدة والمنهج
جماعة التزمت بما كان عليه النبي ﷺ
وصحابته -عليهم الرضوان أجمعين-
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
في أمور الاعتقاد وأصول الدين
فمن أراد النجاة فهذا طريق النجاة
طريق النبي ﷺ والصحابة الكرام
وهذا الحديث علامة من علامات النبوّة
حيث أخبر فيه النبي ﷺ بأمرٍ غيبيّ
وقد حصل افتراق الأمة إلى فرق كثيرة
بعد وفاة النبي ﷺ فوقع كما أخبر
ودَعونا على عُجالة نستعرضُ أسباب ظهور البدعِ
وانقسام الأمة إلى فرق وطوائف
السبب الأول : الغُلُوّ
فقد ظهرت ظاهرة الغلو في طوائف متعددة
وأول هذه الطوائف هي الخوارج
حيث غَلَوْا في آيات الوعيد
وأعملوها على الناس جميعًا
بل أدّى بهم الغلو
إلى أن حملوا سيوفهم على أصحاب النبي ﷺ
وكفّروهم وقاتلوهم
وقابلتهم طائفة أخرى
وهيَ طائفة الرافضة
فغلوا غلوًا آخر في آل بيت النبي ﷺ
فبسبب مقتل الإمام الحسين -رضي الله عنه-
قويَ تيار ذلك الغلوّ أكثر فأكثر
السبب الثاني : تعريب كتب الفلاسفة واليونان
الخليفة العباسي المأمون كان مولعا بحب الكتب وهوى بجمعها
فأندفع يعرّب الكتب اليونانية
خاصةً بعد توسّع الفتوحات الإسلامية
وكانت هذه الكتب ،كتب فلسفة ومنطق
تقدّس العقل وتعظّم العقل ولا تؤمن بدين
وهذه الكتب اليونانية الفلسفية ما دخلت على أهل دين سماويٍّ
إلاّ أفسدت دينهم
فلمّا تمت ترجمة هذه الكتب إلى اللغة العربية
قام المعتزلة بنصرها ونشرها
وتدريس قواعدها وتأصيلها
مما أدى ذلك إلى تأثر المسلمين بفلسفة اليونان
والتنظير والتقعيد لكثير من المسائل
وفق طريقتهم وأسلوبهم العقليّ
وليس وفق منهج الصحابة -رضوان الله عليهم-
فحصل الانحراف العظيم في الأمة
السبب الثالث : تقديم العقل على النقل
في القضايا الشرعية
من أهم أسباب انقسام الأمة وظهور الضلال
تقديس العقل
وتقديم العقل على نصوص القرآن والسنة
في القضايا الشرعية وخاصة في الأمور ( الغيبيات )
أيها الأحبة الأمور الغيبية وصفات الله تعالى لا يمكن أن يكون
العقل فيها هو الحكم
ولعلي أضرب مثالاً على ذلك
أسماء الله تعالى الحُسنى وصفاته العُلا ثابتة
في الكتاب والسنة
أتت فرقة ضالة اسمها ( الجهميّة )
وأخذوا يؤسسون قواعد منحرفة
ظاهرها الاستدلال بالعقل
لكنها في الحقيقة تقديس للعقل وإبطال للنصوص الشرعية
حيث قالوا : الله تعالى ليس بجسم
هذه المقدمة الأولى
وقالوا الصفات لا تقوم إلاّ بالأجسام
وهذه المقدمة الثانية
ثمّ وصلوا إلى النّتيجة ؛ الله تعالى ليست له صفات أبدًا
نعم
بهذه الطريقة أنكروا صفات الله تعالى كلّها
وحرّفوا معاني الآيات والأحاديث
الله تعالى يقول :{وهو السميع البصير}
ويقول: {وهو العزيز الحكيم}
ويقول :{بل يداه مبسوطتان}
إلى غير ذلك من الصفات
هم يقولون لا نثبت الصفات لله تعالى أبدًا
لماذا ؟!
لأن عقولهم القاصرة لا تتصور أن تقوم الصفات بالله تعالى
وقالوا بأنّ إثبات الصفات لله تعالى
يلزم منها تشبيه الله تعالى بالمخلوقين
وبالتالي علينا أن ننكر هذه الصفات
أمّا أهل السنة والجماعة فيقولون :
"الأسماء والصفات التي وردت في القرآن الكريم أو السنة الصحيحة
يجب علينا أن نؤمن بها
ونثبتها لله تعالى
من غير تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل "
هذا هو الواجب علينا أن نسير على ضوئه
لنكون متمسكين بكتاب الله تعالى
وسنة رسوله ﷺ بفهم سلف الأمة
يذكر عن إسحاق بن راهويه
هوَ عالم خراسان
أنه ناظر أحد الجهمية في مجلس عبدالله بن طاهر
فسأله الأمير عن نزول الله تعالى إلى سماء الدنيا
فسرد هذا العالم الأدلة على إثبات هذه الصفة لله تعالى
فغضب هذا الجهمي المبتدع
وهو ممن ينكر صفات الله تعالى
فقال : كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء
ينكر نزول الله تعالى إلى سماء الدنيا فيقول :
كفرت بربٍ ينزل من سماء إلى سماء
فقال الإمام : ابن راهويه
" وأنا آمنت بربٍ يفعل ما يشاء"
ومع شرح هذه المنظومة
سيتضح لنا كثير من هذه القضايا ، بإذن الله تعالى
نلتقيكم غدًا بإذن الله تعالى
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
هذا اعتقاد الشافعي ومالك
وأبي حنيفة ثم أحمد ينقل
فإن اتبعت سبيلهم فموفق
وإن ابتعدت فما عليك معوّل