" أنا حرة " (2)
إلى أن قال الطَّبري:
"وهذا هو المعنى الذي قصده ابن عبَّاس بقوله:
"ما أُحِبُّ أن أستنظفَ جميع حقِّي عليها؛ لأن الله -تعالى ذكرُه- يقول:
﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ [البقرة :228]"
ومعنى الدَّرجة: الرُّتبة والمنزلة"،
يعني: أيُّها الرَّجل
سامحْ وتحمَّلْ، اصفحْ إذا قصَّرتْ زوجتك معك وتغافل عن زلَّاتها وأدِّ أنت ما عليك
ولا تقلْ لها: "اعملي الذي عليك علشان أعمل الذي عليّ"،
بل اكسبْ هذه الدَّرجة عند الله بالمسامحة والتَّحمُّل وأداء ما عليك،
ثم قال الطبري:
"وهذا القولُ من الله -تعالى ذكرُه- وإن كان ظاهرُه ظاهرَ الخبر،
فمعناه معنى ندبِ الرِّجال إلى الأخذ على النِّساء بالفضل ليكونَ لهم عليهنَّ فضلُ درجة"
يعني الآية ليستْ خبرًا -أيُّها الرَّجل- أنَّ لك درجةً على المرأة لمجرَّد ذكورتك،
ولا لأنك حاملٌ لـ "كروموسوم Y" وهيَ "كروموسوم X"،
بل تكون لك درجة إذا تحلَّيتَ بهذه الأخلاق من المسامحة والاستيعاب
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ۚ
إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13].
وللرَّازي كلامٌ جميلٌ شبيهٌ بكلام الطَّبري في أحد الوجهين لتفسير: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾.
فتصوَّرْ ما يفعلُه بعضُ الأزواج
حين يقصِّرون في أداء ما عليهم غاية التَّقصير
ويطالبون المرأة بما عليها تحت شعار:
"القِوامة لي، وليَ عليكِ درجة"
فيعكسون مفهوم الآية.
الرَّجل الذي له هذه الدَّرجة والذي يعملُ بما يرقى إلى مستواها
هو الذي له الحكم والطَّاعة في إدارة مؤسَّسة الأسرة، ومؤسَّسةِ الزَّواج بهذه الدَّرجة أيضًا،
وهو الذي سيتحمَّل مسؤوليَّات وتبعات القرار مهما كانت صعبة، بهذه الدَّرجة أيضًا.
[سؤال 3] طيّب، ولماذا تكون هناك قِوامةٌ أصلًا؟
لماذا لا تكون كلُّ قراراتِ الأسرة بالتَّشارك، ورأيُ المرأة بنفسِ وزنِ رأي الرَّجل؟
- تقصدين بالتَّشاور؟ يعني: يشاورك الزَّوج فيما يؤثِّر في حياتكما ثمَّ يقرِّر هو؟
-لا لا، بالتَّشارك.
- حسنًا، كيف بالتَّشارك وأنتما زوجان؟ أي: رقم زوجي،
ولا بدَّ من الحسم في المحصِّلة،
في كلِّ الشَّركات والمؤسَّسات والمدارس والجامعات
لا بدَّ من رأس، لا بدَّ من قائد،
وإذا كان مجلس إدارة أيَّةِ مؤسَّسةٍ زوجيَّ العدد أُضيفَ شخصٌ -ضرورةً- ليصبحَ العددُ فرديًّا؛
لأنه لا بدَّ من مرجِّحٍ في النِّهاية،
مِنَ النِّساء منْ تفهمُ ذلك جيِّدًا، لكنَّها لا تفهمُه في مؤسَّسة الأسرة!
بل ترفض أن يكون للزَّوج القرارُ الأخير، وتصرُّ أنَّ الرَّجلَ والمرأة متساويان في تسيير الأسرة،
وأنَّ كلَّ القرارات لا بدَّ أن تكون بالتَّشارك، وهو فَرْضٌ مستحيل،
لا بدَّ عندها من الاتِّفاق على كلِّ قرار،
وإلا كان تسلُّطًا من الزَّوج، وذكوريَّة، وسوءَ استخدامٍ للقِوامة.
-في نظرها-؛
فتنهار الأسرة أو يتنغَّصُ عيشها على الجميع لأَتفه الأسباب، ويثورُ نقاشٌ على كلِّ شيء،
بل وكم من زوجين انفصلا وتطلَّقا قُبيل الزِّفاف؛ لخلافاتٍ من هذا النَّوع،
وهذا -مرَّةً أخرى- ناتجٌ عن الاستهانة بمؤسَّسة الأسرة في مقابل تعظيمها للمؤسَّسات
التي تُحقِّقُ الإنتاج المادِّي.
تستهينُ بالأسرة لأنَّها لم تفهمْ -كما كثيرٍ من الرِّجال أيضًا- مفهومَ الأسرة في الإسلام،
فيتزوَّجون إشباعًا لغرائز الميل للجنس الآخر وغريزة الأبوَّة والأمومة فحسب،
وكـ (ديكور) اجتماعي، لأنَّ النَّاس يتزوَّجون فأنا تزوَّجت،
بينما في الإسلام:
الأسرةُ لَبِنَةُ الأساس في إقامة أمر الله وعَمارة الأرض وقوة الأمة أمام أعدائها؛
فهي أهمُّ من كلِّ المؤسَّسات،
فنقول للزَّوجة: ناقشي، أبدي رأيَكِ،
وفي حديث البخاري ومسلم: أنَّ أزواج النَّبي -صلى الله عليه وسلم- كُنَّ يُراجِعْنَه،
يعني: يناقشْنَهُ ويُخالِفْنَهُ الرَّأي في بعض الأمور الدُّنيويَّة،
لكن في المحصِّلة:
تطيعُ المرأةُ زوجها فيما يتَّخذه من قرار حتَّى وإنْ خالفَ رأيَها ما لم يكن معصية.
[سؤال 4] - لكن هناك من الرِّجال
من يسيء استخدام مفهوم القِوامة، أو الوِلاية على المرأة.
-صحيح، فنقول كما قلنا في حلقة: (الإسلام وضرب المرأة):
سوءُ التَّطبيق هذا مَطعنٌ في المُسِيء، لا في مبدأ القِوامة ذاتِه ولا في الشَّريعة التي جاءت به،
فيُمنع الزَّوج من التَّعسُّف في استخدام سلطته بالوسائل الشَّرعية،
بل وقد يُحرَم في القضاء الإسلامي الصَّحيح من وِلايَتِه أو قِوامته بسلطان الشَّريعة أيضًا
إن كان ساقطَ الأهليَّة لها،
وتبقى القِوامة مبدأ حقٍّ وعدل، مع التَّأكيد على أنَّ الأصل في العوائل السَّتر،
لا القفز إلى القضاء دونَ استنفاد الحلول قبلها،
القِوامة والوِلاية مركبٌ تُقاد به الأُسَر،
إذا سائق مركبة -أنتِ فيها- أساءَ قيادتَها وتَسبَّب في حادثٍ أضرَّ بكِ،
فلنْ تذُمِّي مبدأ استخدام المواصلات، بل ستقولين: هذا سائقٌ مسيء.
[سؤال 5] قد تقولين: أنا أُنفق على البيت أيضًا، فهل ليَ حقٌ في القِوامة؟
فنقول لكِ: أنتِ بإنفاقك على البيت تنازلتِ عن حقٍ لكِ.
هذا تنازلٌ منك وإحسانٌ، لكنَّه لا ينقل القِوامة إليك.
فالقِوامة أمرٌ ثابتٌ للرجال المنفقين.
إنْ تنازلت المرأة أو أحْسَنَت، فلها أجرٌ.
لكنْ هذا شيءٌ، وحق القِوامة شيءٌ آخرٌ.
﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّـهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ﴾ [النِّساء: 32 ]
[سؤال 6] قد تقولين: أنا أُنفق لا على سبيل الإحسان،
لكن لأنَّ زوجي مقصرٌ لا يُنْفق على البيت بشكلٍ كافٍ.
فنقول: القِوامة مُعلَلةٌ في القرآن بعلَّتين:
﴿بِمَا فَضَّل اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النّساء: 34 ].
إذا الزَّوج امتنع عن النَّفقة مع قُدرته عليها،
فقد أخلَّ بواجب القِوامة، وفَقَدَ سببها، وصارت قِوامتُه معلقةً برضا المرأةِ وقبولها.
معقول!
ظننَّا أنَّه يأثم لكن تبقى القِوامة له!
لا، وهذه المسألة ليست خلافيةً بين العلماء، بل هم متَّفقون على ذلك.
طيّب، ماذا تفعل المرأة في هذه الحالة؟
لديها خَيارات:
فلها أن تأخذ من ماله بدون إذنه ما يكفيها وأولادها بالمعروف،
أو لها أن تلجأ إلى القضاء الإسلاميِّ؛ ليفّرض على الزَّوج النَّفقة رغمًا عنه،
لها أن تُنْفق من مالها وتبقى النَّفقة دَيّنًا في ذمة زوجها،
ولها أن تستدين بأمر القاضي دَيْنًا يبقى في ذمة الزَّوج،
ولها أن تبقى على ذمة زوجها لكن لا تُمكّنه من معاشرتها كزوجةٍ،
بل تخرج من بيته وتنتقل إلى بيت أهلها، فتكون القِوامة عليها لوالدها أو أخيها مثلًا
-أي أن تنتقل من قِوامةٍ لقِوامةٍ ولا تَعْدم من يتحمَّل مسؤوليتها-،
ولها أن تطلب التَّفْريق بينها وبين زوجها.
ماذا -يا إياد- حوَّلناها إلى درس فقهٍ؟!
لا، وإنَّما هذا كلُّه تأكيدٌ على معنًى مهمٍ جدًا...
أنَّ الرَّجل إذا تخلَّى عن مسؤوليات القِوامة، فإنَّه يتعرَّض لفقد حقوقها.
فالقِوامة ليست له على ذكورته فحسب،
ولن تُترك المرأة لرحمته ويُقال لها: تحمَّلي ظُلمه في الدُّنيا ولكي الأجر في الآخرة.
بل الإسلام يُنْصِفُها دُنيَا وآخرةً.
فما بالك بالأزواج الَّذين يُدَخِّنون، ويُقَدِّمون دُخَّانهم على نفقة زوجاتهم وعيالهم!
القِوامة حفظٌ للزَّوجة، ودفْع ما يؤذيها عنها.
فما بالك عندما يكون الزَّوج هو من يؤذيها بالتَّدْخِّين بالبيت،
وحُزمة الأمراض التي يتسبب بها للزوجة بذلك!
ما بالك بالعوائل الَّتي إذا جاء المحْسِنون ليساعدوها، قالت الزوجة -محقْةً- للمُحْسِن:
بالله عليك لا تعطي المال لزوجي؛ فسيشتري به الدُّخَّان ويتركني وعيالي!
قال الله -تعالى-: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّـهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ [النِّساء: 5].
والآية هي أصالةً للرِّجال ألاَّ يُعطوا المال للأطفال السُّفهاء.
بينما في مجتمعاتنا، من الرِّجال مَنْ تنطبق عليه هذه الآية.
وهم مع هذا كلِّه يظـُنُّون أنَّ لهم قِوامةً لمُجَرَّد ذكورتهم.
[سؤال 7] قد تقولين: زوجي لا يُؤَدِّي حقوقي الماليَّة أو غيرها، ويسيء معاملتي،
ولا أستطيع اللجوء إلى أهلي، أو إلى القضاء،
أو لجأت فلم يُنْصِفُوني،
ومُضطرَّةٌ أنْ أعيش معه؛ فأهلي فقراءٌ، أو غير مستعدين لاستقبالي.
نقول لك -في هذه الحالة-:
تَذكّري أنَّ الَّذي ظَلَمك ليس الشَّريعة، ولا مبْدأ القِوامة.
ممكن ظَلَمكِ زوجك، أهلك، المجتمع البعيد عن الشَّريعة، القاضي، الدَّولة.
أمَّا الشَّريعة فهي ملاذك لا خصمك -يا أختي-
فينبغي أن يدفعك وقوع الظُّلم عليك إلى نُصْرة الشَّريعة الَّتي تَنْصُركِ،
وتمنع وقوع الظُّلم عليك، وعلى غيرك.
فالشَّريعةُ ملاذكِ لا خصمكِ.
[سؤال 8] طيّب، ما هي النَّفقة التي نتكلَّم عنها؟
ليست نفقةً مُرهقةً للزَّوج، بل
﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّـهُ﴾ [الطلاق: 7]
وليس مطلوبًا منه أن يُجاري الكماليات، والتَّنافس في الماديَّات،
ثمَّ يُقال له: افعل وإلا فقدت القِوامة.
بل الإسلام يحارب ثقافة الاستهلاك الماديِّ، وإرهاق الأُسَر، وتهديد استقرارها به.
[سؤال 9] طيّب، ماذا إذا كان الزَّوج غير قادرٍ على النَّفَقَة؛
فالوضع الاقتصاديُّ في بلاد المسلمين كما ترون،
وكثيرٌ من الرِّجال يفقدون أعمالهم، وتنهار تجاراتهم؟
هذه المسألة اختلف فيها الفقهاء،
لكنَّنا نحُضَّ المرأة -حينئذٍ- أن تصبر على ضيق حال زوجها،
وأن تَتَذكَّر قول الله -تعالى-:
﴿وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: 237]
لكن، من وضع الأمور في نصابها،
أن يُذَكَّر الطَّرفان -حينئذٍ- أنَّ هذا الصَّبر فضْلٌ من المرأة، ليس واجبًا عليها، بل إحسانٌ منها
فيُقَدِّرَ الزَّوج هذا الوفاء والإحسان،
ويحتسب موقفها هذا في رصيدها، ويزيدَه تَحَمُّلًا لأخطائها.
وهِيَ عندما تعلم أنَّ إحسانَها مقدرٌ، فإنَّ نفسَها تَطيبُ بهذا البذل.
ضيق حال الرَّجل مصدر ضيقٍ نفسيٍ للمرأة
الَّتي جُبِلت فِطرةً على الاعتماد على غيرها في النَّفقة؛
فلديها حاجةٌ وجدانيةٌ نفسيةٌ لأن يكون هناك من يُنفق عليها، حتى وإن كان عندها مالٌ.
وعلى الزَّوج أن يَتَفهَّمَ ذلك -إذا رأى منها اضطرابًا وضِيق خُلُقٍ-
عندما تضيق أحواله الماديّة،
ويعلمَ أنَّها تعاني كما يعاني؛ فيتسعَ صدرُه لها.
ونقول لها هي أيضًا:
من أسباب ضيق حال زوجك: فساد الظَّالمين، وسَرِقَةُ المجرمين لأموال المسلمين؛
فكوني عونًا لزوجك.
تفكيك الأسر لن يزيد المسلمين إلا ذُلًا، ومَهانةً، وتَحكُّمًا من المجرمين،
الَّذين اَعْثَروا حياتك، وحياته.
«ارحموا من في الأرض، يرحمْكم من في السَّماءِ» (سنن الترمذي:حسن صحيح)
وإذا تَكَرَّمَت المرأة على زوجها -في هذه الحالة-، وساعدته، فلها أجرٌ عظيمٌ.
ففي الحديث -الَّذي رواه البخاري-
أنَّ زينب -امرأة عبد الله بن مسعود- أرسلت تسأل النبي -صلى الله عليه وسلم-:
"أيَجْزي عنّي أن أُنْفق على زَوْجي وأَيْتَامٍ لي في حِجْرِي؟"
-لم يكن زوجها يستطيع النَّفقة عليها-،
فقال نبيُّنا -عليه الصلاة والسَّلام-:
«نَعَمْ، لَهَا أجْرَانِ، أجْرُ القَرَابَةِ وأَجْرُ الصَّدَقَةِ» (صحيح البخاري).
أجرٌ مضاعفٌ؛ لأنها تصدَّقت على زوجها.
صدقةٌ! نعم، صدقةٌ.
تُسمى تَصدَّقت على زوجها؛ لأنَّها ليست مُلزَمةً به.
ومع ذلك فأجرها مضاعفٌ.
[سؤال 10] لكن -يا أخي- ذِكْر هذا الكلام -حتى مع كل هذه الضَّوابط-
قد يُجرِّءُ بعض النِّساء.
يعني...ماذا تريدون؟!
أن نسكت عن تعليم الناس حقوقَهم وواجباتِهم الشَّرعية؟
خليهم جاهلين أحسن؟
هي لا تعرف حقوقها.
وإذا عرفتها وطالبت بها، لن يعطيها زوجها؛ فبلاش تعرفها من الأصل؟
لا، ليس هناك مصلحةٌ أعظم من أن يعرف النَّاس -رجالًا ونساءً- عظمةَ شريعةِ ربِّهم،
وتطمئن نفوسهم إلى عدل ربهم، وحكمته.
هذا أولى من حفظ أُسَرٍ يرافقه سوء ظنٍ بالله وشريعته تُرْضِعه المرأة أطفالها.
عندما يُفْرَض سلطان الشَّريعة على الجميع، فإنَّ الكلَّ يُنْصَف.
ولا يَعْتَرضُ إلا مريض القلب، ومتَّبع الهوى.
وما تَرك النَّاس من أمر الله شيئًا إلا أحْوَجهم الله إليه.
وإذا أصبح كلُّ طَرَفٍ يتمسك من الشَّريعة بما يحلو له، وينزعج إذا طُولب بواجباته،
فإنَّه يصبح كالمنافقين المتحكِّمين
الَّذين يُخضِعون النَّاس باسم الشَّريعة، وهم عنها معرضون
﴿وَإِذَا دُعُو إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ
وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ﴾ [النور : 48-49]
وما سُلِط هؤلاء على المسلمين
إلَّا لمَّا فَشَت في المسلمين أنفسِهم الانتقائية في التعامل مع دِين ربِّ العالمين.
[سؤال 11] طيّب، ماذا إذا كانت الزَّوجة حاملةً لشهادة الدُّكتوراه،
وزوجها ليس متعلمًا تعليمًا جامعيًا أصلًا،
لماذا تبقى له القِوامة؟
بدايةً -يا كرام- الدِّراسة الجامعيّة ليست معيارًا للعلم النافع، ولا سلامة التَّفكير.
وحتى لو افترضنا أنَّ بعض النِّساء عندهنَّ علمٌ شرعيٌ وحِكمةٌ أكثر من أزواجهنَّ،
فيبقى أنَّ الإسلام يأتي بعموماتٍ تناسب البشرية.
ومع ذلك فإذا كان بعض الرجال عنده نقصٌ مخلٌ في هذه القدرات:
كأمراضٍ نفسيةٍ تعيق بالفعل قدرته على اتخاذ القرارات المناسبة،
وحاولت المرأة ستر ذلك لكنَّه لا يستجيب ممَّا يؤثر على حياتها،
فإنَّ لها -في هذه الحالة-
أن تطلب تَدخُّل العقلاء من أهلها، وأهله، أو تَدَخُّل القضاء الإسلاميُّ،
ويبقى له حق القِوامة فيما هو من حقه بالفعل
ما دام مرضه، أو ضعف تفكيره، لا يخرجه من دائرة العقلاء المُكلَّفِين.
ويبقى المبدأ العام على أصله: من أنَّ القِوامة للرِّجال عمومًا.
لا يطعن فيها الحالات الخاصة،
ولا نقول:
لأن هناك حالاتٌ استثنائيةٌ؛ فإنَّ هذا يطعن في التَّشريع الإسلاميِّ بأنَّ القِِوامة للرَّجل.
[سؤال 12] طيّب، إذا كان الرَّجل قائمًا بما عليه -أبًا كان أو زوجًا-
غير مقصرٍ في حق المرأة،
لكن يَصْدر منه ما يُظهر تحكُّمًا بلا داعٍ،
فيمنع المرأة من الخروج لمكانٍ ما دون إبداء الأسباب، بل ويرفض النِّقاش.
أليس هذا سوء استخدامٍ يبيح لها معصيته؟
فنقول -يا كرام ويا كريمات-:
مبدأ مناقشة الزَّوج في كلِّ قرارٍ، وكثرة جداله هو من أكثر ما يفسد ودَّ البيوت المسلمة.
نعم،
من حق الزَّوج ألا يأذن لزوجته في الخروج لمكانٍ ما دون إبداء الأسباب،
وعلى زوجته طاعته ما لم يكن ذلك مانعًا لها من تعلم العلم الشَّرعيِّ الواجب عليها،
أو صلةِ رحمها بالحدِّ الأدنى، أو تَلَقي علاجٍ مثلًا.
لكن فيما عدا ذلك، فليس مطلوبًا منه أن يشرح ويقنع في كلِّ مقامٍ.
لكن عندما يصل الأمر إلى مبالغةٍ من الزوج بالفعل، فإنَّ المشكلة لا تكون في القِوامة،
وإنَّما تنشأ هذه المشاكل -عادةً- عند ضَعْف المودَّة.
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا
وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم :21].
إذا ضَعُفت المودَّة، فإنَّ الزَّوج قد يمنع زوجته مما تحب كأداةٍ للتعبير عن استيائه.
يكون دورك هنا -أيتها الكريمة- أن تفكري كيف تسترضين زوجك،
وبأن تدركي أنَّ هذه القِوامة بمجملها لا غنًى لك عنها.
قد يأتي في حُزمتها ما يخالف رغباتك المشروعة،
فيمكنك أن تحاولي تحصيل هذه الرغبات بالحسنى.
لكن ليس التَّخلّي عن القِوامة بجملتها خيارًا.
في الخلافات بين الرِّجال،
قد تكون مغضَبًا، منفعلًا، مستاءً،
تصيح في خصمك، وتقطِّب له حاجبيك،
وتنتظر أن يردَّ عليك؛ لتزيد انفعالًا، وغضبًا،
فيوجِّه لك الضَّربة القاضية.
ما الضَّربة القاضية؟
يقول لك:
على كلٍّ، أنا آسفٌ إن أساءت إليك، فما قصدت إلا خيرًا.